افتتحت المحطة الرابعة من “اللقاء التشاوري الوطني لإنقاذ وتعافي قطاع التربية والتعليم العالي في لبنان”، المخصصة للتعليم العالي الخاص، برعاية رئيس مجلس الوزراء المهندس نجيب ميقاتي ممثلا بوزير التربية والتعليم العالي القاضي عباس الحلبي، في حضور سفير الاتحاد الاوروبي رالف طراف، النائب إدغار طرابلسي، رئيس الجامعة اللبنانية البروفسور بسام بدران، رئيس رابطة جامعات لبنان الأب البروفسور سليم دكاش، مستشار اليونيسكو للتربية في الدول العربية فادي يرق، رئيس المركز التربوي للبحوث والإنماء جورج نهرا، مستشارة رئيس الحكومة للشؤون التربوية الدكتورة هبة نشابة، رؤساء الجامعات وممثلين عن السفارات والمنظمات الدولية، مديرة مكتب الوزير رمزا جابر، رئيسة اللجنة اللبنانية لبرنامج “سيدر” العلمي الدكتورة تمارا زين، مستشاري الوزير للسياسات التربوية البروفسور منير أبو عسلي ولشؤون التعليم العالي الدكتور نادر حديفي والمستشار الإعلامي ألبير شمعون، وجمع من التربويين والمختصين.
بعد النشيد الوطني، قال رئيس الوكالة الجامعية الفرنسية سليم خلبوصي: “من دواعي سروري أن نكون هنا لنتباحث معكم في الأوضاع التعليمية في لبنان، بعد الظروف الشديدة الصعوبة التي يمر بها، فالازمات هذه دفعتنا للعمل معا وتقديم المساعدة للقطاع التعليمي في لبنان الذي لطالما اشتهر بمستواه التعليمي المتقدم”.
أضاف: “أرادت الوكالة الجامعية الفرنسية أن تكون شريكا لكم في منهاج واضح يعتمد على الانصات والتفكير لايجاد الحلول، ونحن سنكون الى حانبكم ومعكم بروحية متضامنة وضمن استراتيجية واضحة لمساعدة البلدان التي تمر بأزمات، واستطعنا حتى اليوم جمع 1.8 مليون يورو، إضافة الى حشد الخبرات ووضعها في أطر للاستجابة لمصاعبكم ومشاكلكم وقد سبق هذه الجمعية العامة مشاورات علينا الاستفادة منها”.
وتابع: “في هذا اليوم، سنتناقش لتشخيص وتوصيف المشكلة، لنتمكن من وضع الحلول المناسبة بالتعاون مع الحكومة اللبنانية. إن الخطة القطرية الأولى خصصت للبنان، والفكرة هي التضامن غير السياسي والداعم لنظام الجامعات، ونحن قد فاق عدد الجامعات الـ 1000 بالاضافة الى اكثر من 20 مؤسسة بحثية. وتجربتنا مع العديد من البلدان، تسمح لنا بتقديم النصائح”.
وختم: “من أسرار النجاح انخراط الجميع في العمل للخروج بحلول مفيدة”.
ثم قال ممثل السفيرة الفرنسية آن غريو هنري روهان سرماك: “يصب هذا اللقاء في صلب اهتمامات السفيرة غريو، للعمل من اجل وضع أفكار لتطوير التعليم العالي في لبنان، وقد اظهر معالي الوزير الحلبي الاهتمام الكبير بكل ما يعود بالفائدة على التعليم، حتى يبقى لبنان جامعة الشرق الاوسط، ولذلك علينا أن نشيد بالتعاون القائم بين الاتحاد الاوروبي والوكالة الجامعية الفرنسية لما فيه تطوير التعليم العالي”.
وأشار الى أن “الصداقة التي تربط بلدينا قوية جدا وترتكز على الاهتمامات المشتركة وتبادل الافكار لما فيه تطوير التليم بكل مستوياته”، لافتا الى أن “المطلوب أن يتم تدريب الطلاب اللبنانيين في فرنسا ليعودوا الى بلدهم من اجل المساهمة في التطوير وتقوية الابحاث، والاستفادة من المساعدة الدولية”، موضحا أن “المشكلة ليست في الازمة المالية فقط بل في التراجع الثقافي والتربوي والتحدي هو في الحفاظ على مستوى رفيع من التعليم العالي والتعليم بشكل عام”.
بدورها، قالت مديرة المكتب الاقليمي للأونسكو كوستانزا فارينا: “مسرورة بهذا اللقاء من اجل أن نتحاور حول أهم القطاعات من النهوض بلبنان، والمنطقة، ولطالما واجه لبنان الأزمات، ونرى خريجي جامعات لبنان قياديين في مختلف جامعات العالم”.
ولفتت الى أن “دور التعليم العالي هو اشراك المجتمع في ايجاد الحلول، ومواجهة المشاكل، وكيف واجهت الجامعات كوفيد 19 وكيف ساهم طلاب الجامعات في المساعدة على لملمة نتائج انفجار مرفأ بيروت”، داعية “المجتمعات المحلية الى أن تحذو حذو الجامعات”.
وأشادت بـ”التزام وزارة التربية وتعاونها لصالح التعليم العالي في لبنان”، وقالت: “اليونسكو عملت على جوانب مختلفة، في اطار الاستجابة وتقديم المساعدة بعد انفجار بيروت حيث قمنا بإعادة اعمار العديد من المدارس ومن مختلف المناطق”.
وأشارت الى أن “النقاط الاساسية للقمة التربوية التي ستعقد في الامم المتحدة تشدد على أنه لا يمكن الوصول الى الغاية المنشودة دون التعاون”، منوهة بـ”حضور ودور لبنان في مؤتمر الاونسكو الذي عقد في اوائل شباط المنصرم، وتوقيع لبنان على اتفاقيته، ما يدل على دور لبنان الكبير”.
وأكدت على “دعم اليونسكو الذي يعمل على ضمان الجودة في التعليم العالي”.
وقال المدير الاقليمي للبنك الدولي ساروج كومار: “نيابة عن البنك الدولي، أود تهنئتكم على هذه المشاورات لأنها مهمة جدا، على صعيد تشخيص الحاجات لوضع الحلول المناسبة لها، فالاستراتيجيات لا تصنع في المكاتب بل مع الناس ومشاركتهم وسماع آرائهم، آملا لهذه المحطة أن تحمل ثمارا ممتازة”.
أضاف: “أنا في هذا البلد منذ 4 سنوات، وقد فهمت الكثير على صعيد التعليم والبيئة والاقتصاد، والازمات التي أصابت هذه المجالات ولا تزال مستمرة، ربما بسبب الاهمال والفساد. والامر الملح في هذا الموضوع هو اغلاق المدارس بسبب كورونا، والانفجار الذي ضرب مرفأ بيروت ايضا والخسائر الفادحة جدا. وإننا ندق ناقوس الخطر للجميع وعلينا ان نتعاون مع بعضنا البعض”.
وتابع: “نحن لا نحتاج الى تشخيص المشكلة في لبنان لأننا نعرف انها تكمن في عدم وجود ارادة سياسية للحل”.
وشدد على “ضرورة العمل على 3 مواضيع اساسية هي:
1- وضع اطار جودة عالية للتعليم، وهذا غير موجود حاليا.
2- موضوع الحوكمة والادارة الحكيمة في الجامعة وفقا للمعايير الدولية، لاننا بحاجة للتأكد من مؤهلات وكفاءات الاساتذة حنى يتم توظيفهم.
3- لا بد من العمل على تحديث المناهج بشكل مستمر، حتى يستطيع المنافسة على صعيد سوق العمل”.
من جهته، قال سفير الاتحاد الاوروبي في لبنان: “يدرك الجميع ان التعليم العالي في لبنان يشكل هوية اساسية لهذا البلد، والتحديات التي نواجهها تزداد مع الوقت، ولذلك علينا أن نبرز قدرتنا على التنافسية، خصوصا ان لبنان له تاريخ على هذا الصعيد”.
أضاف: “إن الازمة الاقتصادية الصعبة انعكست بشكل خطير على لبنان ومختلف القطاعات وبالاخص القطاع التعليمي. وبقدر ما نستثمر اليوم في هذا القطاع نحقق الارباح في المستقبل، وعلينا تبعا لذلك تأمين موازنة كافية لقطاع التعليم في لبنان بكل مستوياته، ونحن اليوم نرحب بالخطة الاستراتيجية الخمسية التي تحاكي كل احتياجات القطاع التعليمي، وأرى أنها تشكل نقطة تقدم كبيرة لتحقيق النجاح”.
أما وزير التربية فقال: “أرحب بكم جميعا في هذا اللقاء الذي يجمعنا حول التعليم العالي. فقد منحني دولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ نجيب ميقاتي شرف تمثيله في هذا اللقاء، كما كلفني أن أنقل إليكم تصميمه لبلوغ الأهداف الإستراتيجية التي سيتم بحثها اليوم، وإن الرئيس مقتنع بأن الإصلاح الآتي للتعليم العالي سوف يسهم حتما بإعادة استنهاض البلاد، وانه ملتزم مع الحكومة ببذل كل جهد من أجل مواكبة التحولات المقبلة”.
أضاف: “إن هذا اليوم المخصص لعرض الأفكار ومناقشتها يندرج في إطار التكامل مع الإجتماعات التي قمنا بها من أجل إنقاذ القطاع التربوي على المستويات كافة في الأساسي والثانوي والتقني والجامعي. وإن المبادرة التي قامت بها الدول من خلال الوكالة الجامعة الفرنكوفونية هي مبادرة كريمة تعبر عن عميق اهتمامهم ببلدنا الحبيب لبنان، وإننا نتوجه نحوها بالشكر عبر الأمين العام والمدير الإقليمي للوكالة الجامعية الفرنكوفونية”.
وتابع: “يسرني أن أحيي التزام الوكالة نحو مؤسساتنا التربوية والجامعية، وذلك بحسب المقاربة التي وضعها الأمين العام للوكالة انطلاقا من النظام التربوي والمدرسة وصولا إلى سوق العمل. ومن المؤكد أن لبنان يحتفظ بمكانة خاصة في قلب الفرنكوفونية، وبالتالي فإن إطلاق مخطط الوكالة الخاص بدعم لبنان يجسد إرادتها في الحفاظ على هذه المكانة. وبالنسبة إلينا فإن العلاقة مع الفرنكوفونية تتخطى الإنتماء إلى الفضاء اللغوي كما قال الرئيس سينغور: “إن الفرنكوفونية هي ثقافة وأسلوب في التفكير والعمل، وطريقة في طرح القضايا والتفتيش عن حلول لها”. لذلك نحن هنا جميعا إلى جانب عرض الوكالة لكي نكتشف معا الطرق الفضلى لمواجهة الأزمة وتردداتها”.
وقال: “إن الأزمة التي تعصف بنا اليوم ليست محدودة ضمن الأطر المالية والإقتصادية أو السياسية، بل إنني أراها كمواطن لبناني معني بصعوبة الوضع، بأنها أزمة وجودية لأنها تعرض نظامنا الجامعي لوضع سيىء، لا سيما وأن هذا النظام كان قد رسم لفترة طويلة صورة لبنان وهويته. لنتحدث بكل صراحة وصدق أن العديد من أسباب التراجع في نظامنا يعود إلى الأزمة، ولكن أسبابا أخرى أسهمت في اهتزاز البلاد في السنوات الأخيرة، وعلينا أن نطرح السؤال كيف نعيد الإستقرار إلى نظامنا التعليمي لنتجنب أي انهيار ممكن على المدى القصير، وكيف نبني ركائز دائمة تؤمن استمرار الحياة لهذا النظام، وتوفر امتيازه وجودته وإشعاعه. إن اهتمامنا يجب أن ينصب على تخطي الصراع الذي يؤثر على الأسرة التربوية، وبالتالي علينا أن نلائم بين إدارة الأزمة والتطلع نحو المستقبل”.
أضاف: “لقد حان وقت التفكير بالحلول، وهذا هو الهدف الذي نصبو إليه مع الوكالة الجامعية الفرنكوفونية عبر مناقشاتنا اليوم التي تتمحور حول التحديات الكبرى لنظامنا الجامعي، ونوعية إعداد الأجيال وملاءمة إعدادهم مع الحاجات الوطنية في البلاد، ونتشارك ذلك مع حضور المؤسسات الدولية العاملة في المجال التربوي، والتي باتت على اطلاع بالصعوبات التي تعيق العمل المطلوب في الجامعات وفي مراكز الأبحاث وتقلص الطموحات بالقدرة على المتابعة، وإن شركاءنا الدوليين باتوا يدركون ضخامة المشكلة التي تؤثر على تقدمنا، وبالتالي هل ننتظر حدوث العجائب أم أنه حان الوقت لتحويل جهودنا نحو خطة لإنقاذ القطاع التربوي الوطني”.
وتابع: “إنني ومنذ تسلمي لمهامي في وزارة التربية، أطلقت عددا من ورش العمل التي تتناول مسؤولية الجميع من أصحاب القرار والمسؤولين والجامعيين والمفكرين بخوض التحدي وتحويل الأزمة إلى فرصة على المستوى الوطني، وكان من الضروري للانطلاق أن نضع استراتيجية للتطوير وإصلاح وتنمية نظامنا التربوي على الصعد والمستويات كافة، كما يتوجب علينا أن نعيد النظر برسالة جامعاتنا في ضوء كل التحولات والتطورات المحلية والعالمية وبالتناغم مع حاجاتنا الإقتصادية والإجتماعية والثقافية. وانطلاقا مما تقدم أدعو مؤسسات التعليم العالي إلى توجيه استثماراتها في إنتاج المعرفة وفي التنوع والجودة، مع الأخذ في الإعتبار إعداد الأجيال للمتطلبات الجديدة للمهن والمهارات المستقبلية، وذلك بصورة ترسم خصوصية وهوية الجامعة وتمنحها القدرة على المنافسة. وإن شبكات الخريجين يمكن أن تسهم في هذه الفترة من الأزمة في ذلك، كما أنني أسعى لتحريك الأموال الجامعية الموجودة في المصارف”.
وأردف: “في موازاة ذلك هناك معركة نخوضها لتعزيز وترسيخ أسس وأخلاقيات صارمة تمنحنا المناعة ضد تحويل الجامعات إلى مؤسسات لتجارة الشهادات الجامعية. من دون أن ننسى أن هناك معركة أخرى نخوضها للحد من توسع هجرة قوانا الأكاديمية والعلمية إلى الخارج. وإنني على ثقة بأننا من خلال إرادتنا وإصرارنا وبالتعاون مع الوكالة الجامعية الفرنكوفونية وأصدقاء لبنان يمكننا أن نربح هذه المعارك ونعيد الأمل للمواطنين بمستقبل أفضل”.
وختم: “إن مصير أي وطن يتعلق بتعليم أبنائه، وأذكر بقول الكاتب فرنسوا مورياك الذي نال جائزة نوبل في الآداب: “إننا ننسج مصيرنا، ونخرجه من ذاتنا كما يخرج العنكبوت خيط شبكته”. وإن لبنان يستحق أن نخرج من ذاتنا أفضل ما لدينا من أجل أن ننسج معكم مصيرا على مستوى تطلعاتنا وانتظاراتنا”.