بالأرقام: إقفال فروع وصرف موظفين…الدمج المصرفي مُحتَّم؟

منذ اندلاع ثورة 17 تشرين 2019، راهن كثيرون على سقطة حرة للمصارف في غضون أشهر. لكن، لا أحد في حاجة إلى أجوبة شافية بعدما تبدّلت أحوال القطاع، وتغيّرت وجهة الصناعة التي طالما تغنّى لبنان بريادتها الإقليمية وقدرتها على جذب الرساميل والأموال باعتبارها ملاذا ًآمناً منذ ما قبل أزمات الربيع العربي وما بعده.

لا شك في أن المصارف باتت بعد عامين من الأزمة في وضع لا تُحسد عليه. فلا أصحاب المصارف قادرين بعد اليوم على التباهي بمهنة اكتنزت الكثير من التقنيات، وجعلت منهم “نخبة المجتمع” وجسر عبور إلى ممارسة الشأن العام، قيادة وتأثيراً. ولا إدارات المصارف قادرة على التحرك بما منحته القوانين وأصول المهنة من مرونة سابقة، وخصوصاً بالنسبة إلى عمليات باتت تعتبر اليوم قيد الشبهة. كما بات موظفو المصارف في دائرة الصراع من دون استئذان أو إبلاغ. وجهاً لوجه مع مودِعين، تبدأ معاناة السحب ولا تنتهي إلا نادراً باتفاق وتوافق.

وبعيداً عن تلك المشهدية، تمرّ الصناعة المصرفية في أحلك أيامها. وتقول مصادر مصرفية لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إن المصارف تواجه سلسلة استحقاقات مصيرية، تبدأ بالتحديات المرتبطة بدور ستحدّده خطة التعافي الاقتصادية، في ظل اضطرابات نقدية ومصرفية ووقوع لبنان أمام التزام شروط صندوق النقد الدولي الإصلاحية. وتدرك المصارف، تضيف المصادر، أنها ولو تجاوزت تلك التحديات بنجاح، لن تعود الى سابق أداء بعدما تحوّلت ولمدى عامين، إلى “كونتوارات صرافة” بعيداً من عمليات الإيداع والسحب الروتينية، ومشاريع الاستثمار الطويلة الأجل.

وترى المصادر أن الوجهة المستقبلية تبدأ من خطة التعافي الجديدة التي تعكف حكومة نجيب ميقاتي على إعدادها، بعد أن تحسم الخلاف القائم على توزيع الخسائر التي حدّدتها بنحو 69 مليار دولار، بعدالة وموضوعية تتلاءم والمسؤوليات المترتبة على كل من الدولة اللبنانية ومصرف لبنان والمصارف. ولا شك في أن المفاوضات مع صندوق النقد مرتبطة بسلة إصلاحية تتضمّن إقرار قانون الـ”كابيتال كونترول” وتحجيم القطاع العام وزيادة الضرائب وضبط عجز الموازنة وتوازن ميزان المدفوعات وتوحيد سعر الصرف.

إلى ذلك، يواجه القطاع المصرفي عملية إعادة هيكلة شاملة أوجبتها التطورات النقدية والمصرفية. وتقول المصادر إن المصارف تعمل على التزام تعميم مصرف لبنان المتعلق بزيادة الرساميل بنسبة 20 في المئة (ما يوازي 4 مليارات دولار) ما دفعها إلى بيع وحدات مصرفية تابعة لها في الخارج، لكنها تعتبر أن الأرباح الناجمة عن العمليات المحقّقة حتى اليوم تبقى متدنية جداً، مقارنة بقيمة الخسائر المسجَّلة في ميزانيّاتها، بسبب توظيفاتها بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان، وفي سندات الخزينة بالعملة الأجنبية. إلى ذلك، يتوجّب عليها توفير سيولة بنسبة 3% من ودائعها بالعملات الأجنبية لدى المصارف المراسلة، وهذا قد يُسقط الكثير من المصارف من لائحة القطاع المستقبلية.

وتؤكد المصادر المصرفية أن المصارف تحاول التكيّف مع الأوضاع الاقتصادية الطارئة على المشهد الداخلي، وهي عاجزة عن أن تكون جزءاً من الحل بسبب شحّ الأدوات التي تتيح لها الدفاع عن نفسها. وبعد قصور حيال حقوق المودِعين، والتي يفترض أن تحدّد كيفية تأمينها أي خطة نهوض للحكومة، باستثناء صغار المودِعين الذين أتاحت تعاميم مصرف لبنان لهم سحبها وفق سعر الصرف المعتمد عند 8000 ليرة، ولو على دفعات، فإن إدارات المصارف لجأت الى عمليات تقشف بدأت بعدد وافر من الخدمات والمصاريف الإدارية، ترجمت على شكل إقفال فروع وصرف موظفين بغية تقليص حجمها، بما شكّل كابوساً جديداً لعمالة قارب عديدها الـ26 ألف موظف في نهاية العام 2018، بحيث انخفضت بنسبة 23 في المئة إلى نحو 20 ألف موظف نهاية العام 2021. أما الفروع المصرفية، فانخفضت وبحسب بيانات جمعية المصارف من 1081 نهاية العام 2018 إلى نحو 900 فرع في نهاية العام 2021.

ويبقى في أبرز التحديات أمام المصارف، استعادة الثقة لاستعادة دورها كموقع جاذب للرساميل والودائع بعد تبييض صفحة شابها خلل بين طرفَي العقد من مصارف ومودِعين.

ويؤكد مصدر مصرفي رفيع المستوى لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني أن “لا نيّة لصَرف موظفين من المصارف، إنما كل مصرف يعتمد سياسة محددة في هذا الموضوع بما يضمن حقوق الموظفين من دون أي تعسّف”.

ويشرح المصرفي طوني شويري لموقعنا أن “العمل المصرفي تراجع على نحو دراماتيكي وبالتالي لم يعد موظفو المصارف يعملون في إطار النشاط المصرفي المُعتاد لجهة تمويل القطاع الاقتصادي والشركات والمؤسسات والأفراد والمشاريع الاستثمارية والتوظيفية وتنظيم المحافِظ… كل ذلك تعطّل وغاب عن النمط المصرفي التاريخي. من هنا يُلاحَظ غياب كبار الفنيين المصرفيين نتيجة انهيار الوضع الاقتصادي الشامل وارتأوا الاستقالة…”.

ويُلفت إلى “عوامل عدة ساهمت في استنزاف القطاع المصرفي من الجانب المهني”، في حين يشير إلى أن “بعض المصارف عمد إلى صرف عدد من الموظفين وتحديداً الذين اقتربوا من سِنّ التقاعد، إلى جانب العاملين في القطاع ضمن أعمال محدّدة عادية، فهؤلاء أصبح وضعهم صعباً”.

ويُشير إلى “وجود فروع كثيرة منتشرة في عدد كبير من المناطق لم يعد هناك من حاجة إليها، فتقرّر دمجها، إذ عمد عدد كبير من المصارف، الكبرى أولاً ثم الصغرى، إلى الاكتفاء بفرعَين اثنين أو ثلاثة فقط. فبات كل مصرف على حدة يدمج فروعه بهدف خفض خسائره، وذلك بفعل شبه انعدام العمل داخل تلك الفروع”.

أما مشروع الدمج ما بين المصارف، فيقول شويري، انطلق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بهذا الطرح منذ ما قبل الأزمة، إنما المحاولات كانت خجولة وبالتالي لم ينجح الطرح في الوصول إلى المبتغى”، ويعزو السبب الأبرز إلى “الامتياز العائلي الذي تتمسّك به إدارات المصارف، الأمر الذي دفع عدداً كبيراً من المصارف إلى رفض هذا المشروع”. ويتابع، إنما مع اندلاع الأزمة المالية والاقتصادية، فبات مطروحاً ما إذا كانت المصارف قادرة على الصمود والاستمرار أم لا… فبات الدمج المصرفي مدرجاً ضمن خطط الإنقاذ المالي والمصرفي.

المصدر: موقع القوات

شاهد أيضاً

وزارة الاقتصاد والتجارة تعلن عن بدء إنجاز معاملات الاستيراد والتصدير إلكترونيًا

أصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة، بتوجيهات من الوزير أمين سلام، بيانًا أعلنت فيه عن بدء استقبال …