في ذكرى الإسراء والمعراج، وجه مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان رسالة الى اللبنانيين جاء فيها: “نحن نحتفل بهذه الذكرى التي احتفى بها القرآن الكريم، إكراما لخاتم الأنبياء. ونحن بذلك، نذكر معالم الإكرام الرباني للنبي المصطفى ولأمته، وبخاصة أنه ذكرنا في الإسراء بالعلائق مع مسيرة الأنبياء والرسل، كما أنه وفي المعراج، فرض على المؤمنين الصلوات الخمس، والصلاة هي عماد الدين”.
وتابع: “بهذه المناسبة وفي ذكرى الإسراء والمعراج، ستبقى القضية الفلسطينية، القضية العربية والإسلامية الأولى، وينبغي أن يكون إنقاذ الأقصى والقدس وفلسطين أولوية سياسية وعربية ودينية، وأن لا ننسى، أو نتنازل، عن الأرض المباركة مهما طغى المحتل وانتهك الحرمات الدينية والإنسانية”.
أضاف: “الاحتفالات الدينية هي في العادة وفي التقاليد، احتفالات فرح وأمل، وهي مواعيد شكر لله عز وجل على نعمه، وعلى تفضله على عباده، لكننا في لبنان والحق يقال، ما عدنا نستطيع الفرحة بما يفرح به الناس، ولا الاستمتاع بالنعم التي أنعمها الله سبحانه وتعالى على لبنان وإنسانه. أين ذهب ذلك كله؟ لا يمكن القول إنها عملياتٌ ومؤامراتٌ سريةٌ، تلك التي أطاحت في سنوات قليلة، بكل ما أنجزه اللبنانيون خلال قرن من الزمان. إنها حملات تدمير تمت في وضح النهار، وشملت احتلال المدينة، واغتيال الناس، ونهب المال العام بمليارات الدولارات، وأسهمت بالمباشر في انهيار المصارف على رؤوس المودعين وأموالهم، ودفعت مئات ألوف اللبنانيين الأكفاء إلى الهجرة للديار القريبة والبعيدة، وأطبقت على مميزات لبنان في الجامعة والمستشفى، والمدرسة، والميناء والمطار، والجهاز القضائي. وهكذا لم يبق قائما إلا الميليشيا، والطبقة السياسية، التي ارتكبت هذا التخريب الفظيع للدولة والمجتمع، ولعلاقات لبنان العربية والدولية”.
وتابع: “إن المؤسسات الدستورية فى الأصل، هي الحارسة للمرافق العامة، وللمال العام، ولمصالح المواطنين. لكنها والحق يقال أيضا وأيضا، ما قامت بشيء من ذلك في السنوات الماضية. ثم ها هم القائمون عليها، يتصدرون الآن للانتخابات. وهذا يضعنا في حيرة كبيرة. فليس بوسعنا أن نقول للناس لا تقوموا بحقكم وبواجبكم الانتخابي، لأن الانتخابات هي سبيل التغيير في الدولة الحديثة. لكننا نسمع من الجهات المهيمنة ذاتها القول: إنها ستفوز، وإنه لا شيء سيتغير (!). كلام هؤلاء المراد به التيئيس، والاستمرار في فرض الأمر الواقع، وهو تخريبٌ محض. ولذلك، نحن نفارق التردد والحيرة، وندعو الجميع الجميع، للنزول إلى صناديق الاقتراع. فالتصويت الكثيف، هو رسالة أمل ورجاء، وإيمان بمستقبل الوطن والدولة. وإذا لم نعمل بإيماننا وبأملنا فبماذا نعمل؟ نحن اللبنانيين أهل حق، وأقوياء بتضامننا ووحدتنا، وبمحافظتنا على تطبيق دستورنا، وتعزيز هذا المفهوم. فالأجواء على الساحة اللبنانية تشوبها شوائب عديدة، نخشى استغلالها من كل من يريد بلبنان شرا داخليا وخارجيا، فالخطر يداهمنا، ويغزو مؤسساتنا الرسمية والخاصة، والمعالجة هي مسؤولية الجميع، ولا تتحقق إلا بالتعاون والتضامن، لا بتبادل الاتهامات والانتقادات والكيديات، التي تزيد الشرخ عمقا بين أبناء الوطن الواحد. فبالحكمة والوعي والعمل الوطني الجاد المخلص، ضمن إطار الدولة التي تحافظ على الجميع من دون تفرقة أو تمييز، لاستعادة الناس ثقتهم بوطنهم، خصوصا وأننا أمام استحقاقات عديدة، وفي طليعتها الانتخابات النيابية وصولا إلى الانتخابات الرئاسية، وبهذا يتحقق الإصلاح المنشود، الذي يطالب به الجميع”.
وتابع: “يعرف القاصي والداني معاناة الأجهزة والمؤسسات الأمنية والعسكرية، وتفانيها في القيام بالواجب الوطني، في الوقت الذي ما يزال فيه أصحاب السياسات الخرقاء، يمعنون في النيل من تلك الأجهزة وقادتها، وأفرادها الشرفاء والنبلاء. في الأيام الماضية، سمعنا وقرأنا عن ملاحقات قضائية تطال قيادة قوى الأمن الداخلي، في وقت كان جهاز فرع المعلومات في الأمن الداخلي، يتصدى لعصابات أرادت استهداف أمن الوطن، وتعريض حياة بنيه لخطر القتل والموت. نحن لا نقبل التعرض للشرفاء والحريصين على سلام لبنان وسلامة مواطنيه. ولا نقبل أن نصل إلى هذا الدرك من التسييس والتطيف. فتحية لضباط قوى الأمن الداخلي وأفرادها الأمناء والشجعان وتحية أيضا لقيادات الأجهزة العسكرية لضباطها وافراها”.
وقال: “مؤسساتنا الخيرية والتعليمية والإغاثية، ومستشفياتنا، ودور الأيتام والعجزة، التي أنشأتها وقادتها جميعا لعقود وعقود، عقولكم وسواعدكم. توشك أن تتصدع تحت وطأة زيادة الاحتياجات، وقصور القدرات. ولا أمل بعد الله إلا بقلوبكم الخيرة، وسواعدكم البناءة. أين ذهب أولئك الذين أقاموا هذه المؤسسات، ونشروها في المدن والأرياف صانعة للخير، وعاملة من أجل الاستنارة والتقدم؟. هو نداءٌ ملحاحٌ وليس أخيرا إن شاء الله، من أجل أن ينطلق الجميع من جديد، ليستعيدوا حال لبنان الزاهر والمتقدم. لسنا نخجل من الطلب، لأن الطلب يكون من الإخوة وبين الإخوة والأشقاء، ورعاة الخير وصناعه. لقد دعوت المقتدرين من المسلمين والوطنيين إلى الوقوف في هذه الظروف الصعبة، مع الناس في احتياجاتهم المتزايدة، سواء أكانوا أفرادا أم مؤسسات. فالمقتدرون وأهل الخير، هم الذين أقاموا هذه الصروح للخدمة والرعاية. ونحن جميعا نتطلع على مشارف شهر رمضان إلى هممهم العالية. وأود في هذه المناسبة، أن أوجه الشكر لدولة قطر، وأميرها، وقد أقبلوا على مؤازرة دار الفتوى وعلمائها، في هذه الأزمة الطاحنة. نعم، لقد استجاب القطريون مشكورين لندائنا، فقدموا الدعم الكريم بدون منة أو تردد. حفظ الله عز وجل قطر وأميرها وشعبها. وأسأل الله أن يجزيهم عنا خير الجزاء”.
وأضاف: “عندما نتحدث عما نال علاقات لبنان بأشقائه العرب من افتئات وقطيعة بفعل فاعل، بل فاعلين معروفين، نعود لتأكيد أصالة عروبتنا، وإصرارنا على أن لبنان عربي الهوية والانتماء، بحسب دستوره الذي صيغ في اتفاق الطائف، بالمملكة العربية السعودية، وهو الأساس الذي وصلنا إليه بالنضال الوطني والإسلامي لعقود عدة. فلا حياة كريمةٌ للبنان إلا بهويته العربية، وانتمائه العربي الكبير، مهما حاول التدميريون فعله، لكي يتنكر وطننا لحقائق التاريخ والجغرافيا، والشرعيات العربية والدولية.
وبهذه المناسبة، أود أن أهنئ المملكة العربية السعودية، بتجديد الوعي بيوم التأسيس، قبل ثلاثمئة عام، من الجهد الدؤوب والمتواصل، لإعزاز الموقع، والدور القيم والبناء، والنهوض المستقبلي، الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين”.
وختم دريان: “نحن في مناسبتي الإسراء والمعراج، وهما مناسبتا آيات الله الكبرى، ونعمه على رسوله، وعلى أمته. فليكن التماس النعمة والرضا الإلهي رجاءنا وأملنا. وتحدونا الثقة بالله، وهو الرحمن الرحيم القائل: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لهم الأمن وهم مهتدون”.