صدر عن النائب نهاد المشنوق البيان الآتي:
إسمحوا لي بداية أن أتمنّى أن تثبت الأسابيع والأيام المقبلة خطأ ما سأقوله اليوم.
آمُل طبعاً، كما يأمل معظم اللبنانيين، أن تكون الإنتخابات المقبلة، فرصة للتغيير المنشود وأن تفضي إلى ولادة نخبة سياسية جديدة شابة، عصرية، وحديثة، تمتلك الأدوات اللازمة لاجتراح حلول للأزمات التي نمرّ ويمرّ بها لبنان برمته، وتمتلك روحاً وطنية وعقلية سليمة قادرة على صناعة المستقبل، الذي يليق بطموحات اللبنانيين…
أتمسّك بهذا الأمل على الرغم من كلّ الشواهد التي تؤكّد أنّنا عالقون في مستنقع سياسي واقتصادي وأمني وعسكري، مهمّته تبديد كلّ الآمال واغتيال كلّ الأحلام…
من واجبي الاعتراف أنّني أنتمي إلى مجموعة سياسية تحرجها الإدانة من الشباب الذي انتفض دفاعاً عن كرامته وحقّه بحياة أفضل. ولستُ هنا في معرض الدفاع والتبرير. لكن هي بعض الكلمات للتاريخ.
لقد نجحنا في الحصول على الثقة الشعبية العارمة مرّتين منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005 وحاولنا إكمال المشروع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للرئيس الشهيد، فواجهونا بسلاح التعطيل والفراغ. وحين ربحنا الإنتخابات، أٌرغِمنا على الشراكة، لنتحمّل وحدنا مسؤولية المحاسبة، فيما ينعم الآخرون بكلّ مكتسبات الإمساك بالقرار الوطني من دون تبعات.
كان لهم كلّ القرار ولنا كلّ تبعاته.
بصرف النظر عن رأيي الشخصي، خُيِّرنا دوماً بين التسويات الظالمة أو التعطيل الذي له نتائج أكثر ظلماً على الناس. فاخترنا التسويات بكافة أشكالها، وحاولنا أن تكون بلا تنازلات. تعالينا على الإساءات، والأذى، وظللنا نراهن على لبنانية ما، تكمن في زاوية ما من زوايا المشروع الآخر، مشروع السيارات المفخّخة للبنانيين، والمٌسيَّرات الأليفة لإسرائيل…
وحين انتفض الناس في السابع عشر من تشرين الأول 2019 كانوا يعلنون أنّ التسويات هي شراكة في الجريمة المتمادية بحقّ اللبنانيين واستقرارهم واقتصادهم وأمنهم… وهذا صحيح نسبيًا.. ولو تجرّأنا أن نقول بشكل جماعي وعبر مشروع سياسي واسع التمثيل، أنّ الديموقراطية اللبنانية مُصادَرَة وأنّ الانتخابات آلية وهمية، منذ انقلاب القمصان السود، أو قبله منذ انقلاب السابع من أيار 2008، وختامه خطيئة قانون الانتخاب الذي صوّتتُ ضدّه في مجلس النواب حينها… لو تجرّأنا لربما كنا أكثر مصداقيةً مع أنفسنا ومع الناس.
لستُ متأكّداً إن كان هذا الموقف، لو اتُّخذ وقتها، سيوفر فرصة نجاة للبنانيين. لكن كان الصواب أن نقوم به في تلك الأيام السوداء، بدل الاستمرار في لعبة التسوية مع من لا يفهمون التسوية إلا إخضاعاً للآخر..
لا قيامة لوطن في ظلّ السلاح غير الشرعي وفي ظلّ الاحتلال الإيراني للقرار السياسي والعسكري. ولن يحين زمن السلم والازدهار والعلاقات اللبنانية العربية السليمة في زمن “حسّان”… هنا كانت المشكلة وهنا ستظلّ إلى حين الوصول إلى تفاهم وطني حقيقي حول أيّ لبنان نريد.
لقد شاركتُ في الحياة السياسية، والانتخابية، من هذا المنظور. أُعْلي السقف السياسي حينًا، وأبحثُ عن تسوية مع الآخرين أحياناً أخرى. نجحتُ وفشلتُ، وللتاريخ أن يحكم عندما يهدأ غبار المزايدات والمعارك الوهمية وموسم سكاكين الغدر وتصفيات الحسابات خارج معايير العدل والنبل…
للشباب الحقّ بأن يأخذوا الفرصة بحثاً عن ثوبهم الجديد، السياسي والسحري. ولجيلي خيباته. وللشباب المنتفض حقّه في أن يصيغ أحلامه وأن يواجه خيباته حين يقعُ فيها، أو ينجح فنكون كلُّنا من الرابحين.
إذ أُعلن اليوم عزوفي عن الترشّح إلى الإنتخابات النيابية المقبلة، أؤكّد إنّني سأظل جندياً في معركة الدفاع عن بيروت. بيروت لذاتها. وبيروت بما هي لبنان، بمعانيه النبيلة والأصيلة. بما هي قلب حداثته، ومشروع تنوّعه، وخلاصة رسالته، وعنوان عروبته، وبما هي أوّلاً وأخيراً الأرض التي تحتضن بوصلة الصواب، عند ضريح الشهيد رفيق الحريري.
والشكر والامتنان الكبيرَيْن لكلّ من وقف إلى جانبي من المحبّين والأصدقاء، والاعتذار الأكبر لمن قصّرتُ في حقّهم ولو عن غير قصد.