جاء في “الأخبار”:
بات واضحاً أن أزمة الثقة تتفاقم بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وثنائي حزب الله وحركة أمل. ويبدو أن الأزمة أكبر مع الحزب، وتهدّد بتفجير علاقته مع ميقاتي. إذ إن الأمر لا يتعلق فقط بملاحظات كثيرة على إدارة ميقاتي اليومية للأزمة، بل على جوهر التعامل مع ملف الموازنة ربطاً بالمفاوضات مع صندوق النقد. أزمة الثقة هذه عبّر عنها الحزب بوضوح أمس، على لسان النائب حسن فضل الله، عقب «تهريب» ميقاتي الموازنة في جلسة الحكومة الخميس الماضي، بمخاطبة رئيس الحكومة بالقول: «تجاوزت اتفاق الطائف، وما قمت به في مجلس الوزراء غير مقبول وغير دستوري، والعين ستكون مفتّحة عليك أكثر في المرحلة المقبلة، وأنت تتحمّل المسؤولية عن هذه الموازنة». أزمة الثقة هذه قد لا تنعكس مقاطعة جديدة لوزراء الثنائي، لكنها حكماً ستؤدي إلى مشاكل لاحقاً تهدّد بتعطيل عمل الحكومة. ورغم معلومات بأن رئيس الحكومة بدأ اتصالات لترتيب الأمر «على طريقته»، إلا أن المعلومات تشير إلى أن حزب الله «ليس في هذا الوارد»
نظرياً، كانت جلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي، في قصر بعبدا، مخصصة لإقرار الموازنة وقراءة بنودها بنداً بنداً، بعد ثماني جلسات من مناقشتها. عملياً، هرّب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الموازنة، مستغلاً حالة من الهرج سادت الجلسة بعد طرح بند التعيينات العسكرية من خارج جدول الأعمال، ليُفاجأ الوزراء بمجموعات «واتساب» تنقل عن رئيس الحكومة أن مجلس الوزراء أقرّ الموازنة، وهو ما لم يحدث فعلياً.
انعقدت جلسة إقرار الموازنة من دون أن يكون بين أيدي الوزراء نسخة ورقية أخيرة بعد التعديلات التي أُدخلت عليها، ولا حتى نسخة إلكترونية على الـ«لابتوبات» الموجودة أمامهم.
كان الاتفاق أن تكون الجلسة الختامية لتقديم الأرقام والجداول والبنود بصيغتها النهائية بعد التعديلات التي أُدخلت على مشروع الموازنة في الجلسات الثماني إلى جانب النتائج المالية والاقتصادية التي ستترتّب على رفع الدولار الجمركي وانعكاسه على المالية العامة وعلى الاستهلاك وغير ذلك. لكن «أيّاً من ذلك لم يحصل، بل جرى نقاش غوغائي انتهى بإعلان ميقاتي أمام الصحافيين إقرار الموازنة، رغم أن الأمر لم يحصل»، وفق ما تؤكّد مصادر وزارية.
ووفق عدد من الوزراء، «بدأ النقاش في مستهل الجلسة الختامية بمداخلة لرئيس الحكومة تحدث فيها عن خفض خدمة الدين وتقسيط قسم منه»، تلتها مداخلة لرئيس الجمهورية ميشال عون شكر فيها الوزراء على الجهد الذي بذلوه على مدى ثماني جلسات. بعد ذلك، تشعّب النقاش بطريقة غير منظّمة على طريقة من كل واد عصا». عندها حاول نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي إعادة النقاش إلى الموازنة بالقول: «من المهم أن ننجز الموازنة، ومن المهم الاتفاق مع صندوق النقد، لكن لدينا مصالح وطنية يجب القيام بها. وأنا في ضوء المداخلات الجارية، يا دولة الرئيس، لا أفهم ماذا تناقشون ولا أفهم ما يحصل».
تحدث وزير الأشغال علي حميّة عن «كارثة ستحلّ بالمطار. هناك من يردّ على موقفنا من رفض السلفة بقطع التيار الكهربائي عن المنطقة، وحالياً هناك ٣ موتورات تعمل ولا يمكنها الاستمرار، وإذا تعطّلت فسيؤثّر ذلك على عمل برج المراقبة وسنكون أمام كارثة». وعندما طلب حميّة الكلام لعرض المشكلة، قال له رئيس الجمهورية: «سمعناك، لكن الجلسة مخصصة للموازنة»، فتدخل وزير الثقافة محمد مرتضى لدى الرئيس ميقاتي الذي وعد بأن يتحدث إلى وزير الطاقة ويحلّها معه «في الجلسة يوم الثلاثاء المقبل». ثم انتقل النقاش إلى ملف المتعاقدين في التعليم الرسمي الذين علّقوا تحركاتهم بعد اتفاق مع ميقاتي على زيادة بدل النقل، فردّ ميقاتي على وزير التربية عباس الحلبي: «أنا لا أعمل تحت الضغط». عندها توجّه وزير العمل مصطفى بيرم إلى ميقاتي قائلاً: «يا دولة الرئيس، أنت وعدتهم»، فأُقرّ البند. إلا أن النقاش لم يعد إلى الموازنة وسط استغراب عدد من الوزراء. وقد أشار عون إلى أن لدى وزير الدفاع موريس سليم أمراً (من خارج جدول الأعمال)، طالباً منه عرضه على المجلس، فأشار الأخير إلى أن «قيادة الجيش رفعت إلينا تعيين شخصين في المجلس العسكري ومجلس الدفاع الأعلى»، فطلب بيرم الاستمهال إلى جلسة الثلاثاء «لنرى ما القصّة»، وقال مرتضى: «نحن هنا نمثل جهتين سياسيتين ويجب التشاور معهما، ويمكن للأمر أن ينتظر إلى الجلسة المقبلة»، لكن الرئيسين أكدا أنه «لا ينتظر»! وسأل رئيس الجمهورية: «هذا يعني أنه لا ثقة بنا؟»، فردّ بيرم بأن «الثقة موجودة، لكن هذا الأمر طارئ ولا نعلم عنه شيئاً». عندها، فجأة، سأل ميقاتي: «فخامة الرئيس، ألم يتم تعيينهم؟»، فأجابه عون: «بلى عيّنوا»، ورفع الجلسة ليغادر ميقاتي مسرعاً. فسأل الشامي بصوت مرتفع: «ما الذي حصل بالموازنة؟»، والسؤال نفسه وجّهه بيرم إلى وزير المال يوسف الخليل الذي أجاب: «ما بعرف». وعلا صوت وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار قائلاً: «رئيس الحكومة أعلن الآن أن الموازنة أقرّت في الجلسة»!
شرارة تهريب الموازنة تأججت بعدما تعرّض وزراء الثنائي لانتقادات من جمهورهما بتمرير موازنة على حساب الفقراء، وهو ما دفع وزير العمل الى الخروج في إطلالة تلفزيونية، ليل أمس، علمت «الأخبار» أنها نُسّقت على أعلى المستويات بين الثنائي، أكّد فيها أن «الموازنة لم تناقش ولم تُقرّ قانوناً في جلسة مجلس الوزراء». وأضاف: «وُعدنا بأن تكون جلسة الإقرار في قصر بعبدا على أساس أن تقدم لنا المواد والتعيينات وغيرها، وكنا ننتظر المناقشة الدقيقة كما فعلنا في الجلسات الثماني السابقة. مع بدء مناقشة الموازنة، حدث شيء من خارج جدول الأعمال، كنا نستوضح عن هذا الأمر، ففوجئنا برفع الجلسة، ولم نعرف ما حصل».
كذلك رأى عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله، أنَّ «الموازنة لم تقرَّ وفق الأصول»، مؤكداً أنَّ «حزب الله أعطى الموازنة أهمية كبيرة وشكَّل لجنة لدراستها برئاسة رئيس الكتلة وناقشنا كلّ البنود. وما جرى في مجلس الوزراء مخالف للدستور، وهو تهريبة وبالنسبة إلينا الموازنة لم تُقرّ»، مشيراً إلى أن «هناك قطبة مخفيّة في مكان ما، وإذا حُوِّلت الموازنة إلى لجنة المال والموازنة فسندقِّق بكل نقطة وفاصلة وسنتصدّى لكل ما يؤدّي إلى مدّ اليد على جيوب الناس». وتوجّه فضل الله إلى رئيس الحكومة بالقول: «أنت تجاوزت اتفاق الطائف الذي ينصّ على أنّ الحكومة مجتمعة هي التي تأخذ القرار، فهل تظنّ أنَّك بهذه الطريقة تُلقي بثقال الموازنة عن ظهرك وتلقيها عند مجلس النواب؟».
وتابع: «على الرئيس ميقاتي أن يعرف أنَّ ما قام به في مجلس الوزراء غير مقبول وغير دستوري، والعين ستكون مفتّحة عليه أكثر في المرحلة المقبلة، وهو يتحمّل المسؤولية عن هذه الموازنة».
إلى ذلك، تفاعل الخلاف حول التعيينات العسكرية التي أُقرَّت في الجلسة والتي اعترض عليها وزراء الثنائي كونها أتت من خارج جدول الأعمال. وحرّك هذا الخلاف عجلة الاتصالات بين الثنائي ورئيس الحكومة. وعلمت «الأخبار» أنه جرى الاتفاق على أن يلتقي ميقاتي معاون الأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل والنائب علي حسن خليل بعد زيارة سيقوم بها ميقاتي الى الخارج