من يجرؤ على تبني “الإصلاحات”؟

جاء في “المركزية”:

لا تخفي مراجع سياسية وديبلوماسية ومعها عدد من الخبراء في شؤون المال والنقد مخاوفها من عدم قدرة أهل الحكومة والمنظومة التي جاءت بها على اتخاذ القرارات الاصلاحية المطلوبة. وإن نجحت في ان تأخذ بعضها، فإنها ستأتي متأخرة بعدما تكون قد فقدت قدرتها على استيعاب الصدمات والانهيارات التي شملت مختلف القطاعات.

على هذه المعادلة، تلتقي المراجع عند مناقشتها للتطورات والآليات المعتمدة لمواجهة مسلسل الأزمات المتزايدة والمتنقلة من قطاع الى آخر ومن مؤسسة الى أخرى وخصوصا على المستوى الرسمي قبل ان تؤدي الى انتهاء أدوار مؤسسات خاصة باتت في حكم المشلولة او المقفلة لفقدان من يتمكن من كلفة خدماتها او انها باتت بلا جدوى اقتصادية.وان توغل البعض في بعض التفاصيل لإثبات هذه النظرية يمكن التوقف عند الملاحظات الآتية:

-العجز المتمادي من حكومة الى أخرى في مواجهة أزمة الطاقة، فمجموعة المشاريع التي طرحت في آخر محطتين من مسلسل مؤتمرات باريس (باريس 2 و 3) قبل عقدين من الزمن ما زالت هي هي ولم تتمكن اي حكومة او فريق تسلم هذا القطاع من ان يقدم ما يمكن أن يشكل حلا مستداما، فبقيت كل خطواته تستند الى مشاريع السلفات والاستدانة لشراء الفيول ذات الكلفة التي لم يعد يتحملها أحد في العالم وبقيت مشاريع الانتقال الى الغاز مجرد أفكار تستهوي من يتقن الصفقات لتوزيع السمسرات والمغانم، وإن لم تؤد الى انتاج كيلوواط إضافي. ومن يقف على مشروع دير عمار وتفاصيل التجاذبات السياسية والمماحكات المالية التي دارت من حوله كما تلك التي طالت خطط التغويز وخلفياتها المناطقية والطائفية يدرك ذلك دون عناء السعي الى اثبات هذه النظرية.

– منذ أن بدأ مسلسل البحث عن خطة التعافي الاقتصادي والمشروع الذي أنجزته حكومة “مواجهة التحديات” عند تشكيلها برئاسة حسان دياب بعد انفجار المرفأ وعلى وقع تداعيات جائحة كورونا وصولا الى تلك التي سعت إليها حكومة “معا للإنقاذ”، تم التوصل أخيرا إلى خطة تعيد توزيع الخسائر بطريقة غير عادلة لا بل قد تقضي على باقي مدخرات اللبنانيين اولى ضحايا الأزمة القائمة بعد ان تفضي الى اعتبار ان المصارف قد فرغت من موجوداتها. والأخطر من ذلك أن أولى صانعيها على يد مستشاريهم يتسابقون اليوم على التنكر لها وتيبرأون منها لا بل يسعون الى الإطاحة بها على خلفية ما تحدثت عنه من إجحاف بحق المدخرين وتحميلهم أكبر نسبة من الخسائر. وهي تقدم “البراءة المتدرجة” للمتسببين باندلاعها والمستفيدين منها حتى الأمس القريب وهم يقفون عند “مثلث الأزمة” الحكومة بالدرجة الأولى اي الدولة ومن عن يمينها ويسارها مصرف لبنان والمصارف.

– من راقب الخطط المطروحة لمواجهة أزمات عدة وخصوصا تلك المتصلة بالرسوم الجمركية والضرائب الجديدة لتحسين موارد الخزينة يبدو أن جزءا من المسؤوليات اوكلت الى من يرعى اعمال التهريب والتهرب الضريبي فبات المسؤولون فيها من بعض الوزارات وتخلي الجهات المعنية بضبط الحدود والمعابر والمرافئ المختلفة عن مسؤولية ضبطها من اركانها، الى درجة اعتبر البعض ممن يمسكون المعابر غير الشرعية إلى اعتبار اعمال التهريب جزءا من “العمل الجهادي” ولو كانت كلفته من خزينة الدولة وجيوب اللبنانيين ومدخراتهم وهو ما بات اليوم مدار جدل على مستويات عدة لمجرد انتفاء الفائدة المرجوة من التهريب من لبنان الى الخارج وان سلوك هذه المعابر بالعكس بات أجدى بالنسبة إليهم.

ليس في ما سبق ما يكفي للاحاطة بما يمكن اعتباره عجزا متماديا في سلوك الطرق الى الإصلاحات المطلوبة بل هناك العديد من المؤشرات التي توحي بأن القرار السياسي الذي لا يحمي المسؤولين في طريقهم الى البت بهذه الإصلاحات والمضي فيها لا يتخذونه ان لم يوفر لهم الأمان في طريق العودة منها للتنصل منها ومن نتائجها الكارثية. ولذلك بات البعض يريد الشيء وعكسه، يوكل فريقه بالسعي الى وضع الاقتراحات والخطط ويتبرأ منها عند صياح الديك.

ولذلك، وان عبرت هذه الوقائع على العديد من اللبنانيين نتيجة الانقسامات “العمياء” فإنها لا يمكن ان تمر على العارفين بأدق التفاصيل في المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي والجهات المانحة وتلك المكلفة بمساعدة لبنان في تمويل بعض الخطط قبل التثبت من القدرة ترشيد الإنفاق للقروض كما المساعدات. وعليه، طرحت في هذه الأندية الدولية اكثر من نظرية لعل اخطرها ان اللبنانيين غير مؤهلين عن عجز وقصور او بوجود قوة قاهرة لا فرق، للمضي في الاصلاحات المطلوبة، والسبب ليس في أنهم منهكون ولم تعد نسبة كبيرة منهم غير قادرة على تحمل كلفة الخدمات اليومية والدواء ولقمة العيش بل لأنها ستقطع الطريق على الكثير من الآمال التي بنيت على اشلاء الدولة وماليتها ومؤسساتها التي تحولت “دكاكين” و”مواقع محصنة” يلجأون إليها في المناكفات السياسية وعمليات شد الحبال، ايا كانت النتائج الكارثية المترتبة عليها.

وبالمختصر المفيد، تنتهي هذه المراجع من أجل اثبات نظريتها، لتقول أن حكومة الحريري استأخرت الإصلاحات بسبب عدم وجود من يتحمل مسؤولية ما يترتب عليها، وزاد تفجير المرفأ بعد كورونا من المصاعب أمامها وأوكلت المهمة إلى حكومة دياب. ولأنها أمضت العمر في تصريف الأعمال، قيل انها يجب ان تنفذ بوجود حكومة كاملة المواصفات وهي الحكومة التي تأخرت ولادتها اكثر من 19 شهرا مضت في تكليف من لم يشكل. ولما جاءت حكومة “معا للانقاذ” بدأ التعثر باديا في اكثر من مجال. لذلك، يقال اليوم ان من الممكن ان تلقى العملية على مسؤولية “حكومة ما بعد الإنتخابات”. فهل في ذلك ما يثير العجب أن ثبت عجزها عن مواجهة الواقع المرير ويبحثون عن فريق آخر علينا انتظاره لتلقى عليه التبعات ولتكون لديه حجة مسبقة للتبرؤ منها، فهو ليس من صانعيها

شاهد أيضاً

جميل السيد ينتقد هوكستين…غادر مرتاحاً وترك لبنان تحت القصف

في منشور مثير عبر منصة “إكس”، وجه النائب جميل السيّد انتقادات لاذعة للوسيط الأميركي آموس …