كتبت غادة حلاوي في نداء الوطن:
بمزيد من الثقة تتحضر الحكومة لمناقشة بنود موازنتها في مجلس الوزراء تمهيداً لإقرارها وإرسالها الى اللجان قبل مناقشتها في مجلس النواب. منذ اليوم يمكن اعتبار ان الحكومة ستقذف كرة النار تلك بوجه البرلمان ليتحمل معها عبء ما تضمنته من فرض رسوم وتقليص نفقات وبدع مالية واقتصادية. حجة الحكومة انها تقدمت بموازنة الامر الواقع الذي سيملي فرض مزيد من الضرائب على كاهل المواطن في مقابل ترقيع اوضاع الموظفين بحلول موقتة لا تفي غرضها. هي موازنة افضل الممكن من وجهة نظر حكومية لكنها موازنة القضاء على المؤسسات العامة والموظفين ولا سيما لناحية البند المتعلق بالجيش اللبناني، والذي من غير المعروف ما اذا كان الاجراء المتخذ قد سبق نقاشه مع قائد الجيش ونيل موافقته مسبقاً.
منذ اليوم يُتوقع ان تكون جلسات نقاشها سواء في مجلس الوزراء او اللجان نقاشات حامية. فكيف للاحزاب ان تتبنى موازنة فيها من الرسوم والضرائب ما ينهك المواطن على عتبة الانتخابات النيابية. كالصاعقة وقعت الموازنة على موظفي القطاع العام والمسؤولين في الدولة المعنيين فيها مباشرة. في قراءة عمودية سريعة لا بد من التوقف عند المادة 109 والتي تمنح وزير المالية والوزراء المختصين صلاحية موقتة، لتعديل التنزيلات والشطور والنسب المتعلقة بالضرائب والرسوم، وتبتدع وزارة المالية ما يسمى بالدولار الضريبي، اي ان هناك سعر صرف خاصاً للتكليف الضريبي قد يكون اكثر من سعر صرف. وهو اجراء سيحول وزير المالية الى حاكم بأمره آخر له منصته على غرار منصة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فهل هذا تعزيز لصلاحياته بصلاحيات تشريعية ومنحه حق تعديل معدلات وشطور الضرائب، خلافاً لروحية الدستور الذي ينص على ان لا ضريبة الا بقانون؟
ويأتي في سياق البنود اللافتة تلك الواردة في المادة 131 وتتضمن تعديل البند 2 من المادة 44 من المرسوم الاشتراعي رقم 102/1983، والتي تُعتبر تعدّياً صارخاً على الجيش اللبناني بقانون يضيع حقوقه المكتسبة اي الترقيات من رتبة رائد وما فوق، واشتراط خمس سنوات بخدمة رائد لتتم ترقيته الى عقيد، ووضع حد اقصى لعدد العمداء في السلك العسكري، مما يشكل ضربة قاصمة للمؤسسة العسكرية وتدميراً لمعنويات قيادتها وضباطها. تهدف الدولة الى تقليص عدد العمداء (قرابة 400 عميد حالياً) وهي ورشة كبيرة ومعقدة تحتاج الى دراسة مسبقة بدل تضمينها بنداً في موازنة.
وليست حقوق موظفي الدولة افضل حالاً بالنظر لما تتحدث عنه الموازنة والذي هو عبارة عن تضييع حقوق موظفي القطاع العام من خلال الاكتفاء بمساعدة اجتماعية قدرها راتب شهري لمدة سنة، من دون اي زيادة للتقديمات الاجتماعية والمدرسية والصحية. مع حرمان مستخدمي المؤسسات العامة والجامعة اللبنانية والسلطة القضائية من هذه المساعدة وعدم تقديم اي بديل آخر، وفي منحى مخالف للمنطق وفي ظل رفض المصارف فتح حساب لأي مواطن أو تحويل الرواتب للعاملين الا بعد ايداعها نقداً على صناديقها، نصت الموازنة على الزامية توطين الرواتب حتى لمستخدمي القطاع الخاص خدمة للمصارف، وفي اطار التواطؤ مع المصارف تضمن قانون الموازنة نصّاً يلزم المصارف بدفع الودائع الجديدة، مما يعني ضمناً اعفاء المصارف من هذا الموجب بالنسبة لما يسمى بالودائع القديمة.
وتضمن قانون الموازنة نصّاً ملتبساً ومفخخاً يقضي باعفاء الشركات المدمجة من الضرائب لعدد من السنوات، حيث تعفى الشركة الدامجة من ضرائب الدخل وغيرها… وهو ما سيعني اعفاء ضريبياً للمصارف التي تختار واقع الدمج في مصارف أخرى. أما بالنسبة لما سمي بالبطاقة التمويلية فقد نصت على تخصيص اعتمادات لها في ظل الحديث عن تسديدها بالدولار الاميركي، في حين ان الاعتمادات المرصودة لا تغطي سوى اقل من خمسة بالمئة من كلفتها.
وظهرت تجليات واضعي هذه الموازنة عند اشارتهم الى تعديل عدد سنوات الخدمة لموظفي القطاع العام، واستندوا الى اسباب موجبة تمثلت في «اعطاء هؤلاء فرصة للعمل خارج لبنان»، وكأن الدولة اللبنانية قد اتخذت قراراً بتهجير موظفيها.
وباستعراض الاعتمادات تبين ان الاعتمادات المخصصة للانفاق الاجتماعي والقطاع التربوي قد جرى تقليصها وتخفيضها، وذلك خلافاً لما يقال او يتسرب عن احتساب النفقات على اساس سعر صرف 15 او 20 ألف ليرة. ويتبين ايضاً ان الموازنة احتسبت مصاريف القطاع على اساس سعر الصرف الرسمي، فلم تقم بزيادة الاعتمادات المخصصة للانفاق الجاري لتشغيل القطاع العام، ما ينذر باستمرار ازمة تعطل المرافق العامة فابقيت اعتمادات المحروقات مثلاً على حالها رغم ارتفاع سعرها اكثر من عشرة اضعاف، فكيف سيتم تأمين المازوت لتشغيل الوزارات والمرافق العامة، وكذلك بالنسبة لسائر المواد المستهلكة كالايصالات والاوراق والمطبوعات، والصيانة وغيرها.
ويلاحظ خبير في الادارة العامة انه تم في موازنة العام 2022 تمرير موضوع الضرائب الذي ادرج على جدول اعمال مجلس الوزراء في مشروع موازنة 2021، بما فيه من هيركات وضرائب تصيب المواطن والمستهلك وتحمي المصارف وكبار المودعين والمكلفين، وكيف انها موازنة خالية من اي انفاق اجتماعي او صحي مع تقليص اعتمادات الجامعة اللبنانية ووزارة الصحة، والسماح بتأجير املاك الدولة الخصوصية مع اقامة انشاءات لمدة تسع سنوات قابلة للتجديد، وتعديل شروط اعضاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وفرض شروط تعجيزية في مواصفاتهم مثل خبرة 20 سنة، والطلب من المؤسسات العامة التصريح عن عقاراتها تمهيداً لبيعها والتصرف فيها. فضلاً عن تعديل شروط استحقاق المعاش التقاعدي وتضييق حالات الاستفادة منه وتخفيض الاستفادة منه الى حدود 25%.
موازنة الواقع الصعب ببنودها الأصعب على المواطن كيف سيتعاطى معها مجلس النواب وهل سيتمكن من تمريرها على عتبة الانتخابات النيابية؟