كتب نقولا ناصيف في “الأخبار”:
ما تجتمع عليه الكتل والاحزاب الرئيسية المكوّنة للطبقة السياسية الحالية في الحكم وخارجه، المتحالفة والمتناحرة، ان أياً منها لا يسعه ان يجهر بمعارضة اجراء الانتخابات النيابية العامة بعد خمسة أشهر، او اقتراح تأجيلها بتمديد ولاية البرلمان بضعة اشهر. تتصرّف، منذ ما قبل الآن، على انها انخرطت في الاستحقاق المقبل وأعدّت العدّة له، وتوحي فوق ذلك بتوقّع ارتياحها سلفاً الى النتائج، قبل تأكدها من التحالفات التي ستبرمها قبل الوصول الى عشية الاقتراع. أكثر من اي وقت مضى، او في أي قانون انتخاب سابق، تبدو التحالفات ضرورية وحتمية من اجل حصول اللائحة على الحاصل الانتخابي المؤهل للحصول على المقعد.
يبدو من الصعب كذلك، من الآن على الاقل، توقّع انتخابات 2022 على صورة قريبة من تلك التي سبقتها عام 2018. لأن الظروف اختلفت برمّتها، يصبح حتمياً – او يُرجح في احسن الاحوال – ان يؤول إجراؤها الى نتائج مختلفة. هو الفارق الشاسع بين عهد بالكاد كان مر عليه في موعد انتخابات 2018 سنة ونصف سنة في مطلع صعوده وقوته، وبين عهد مع انتخابات 2022 يدخل في الاشهر الخمسة الاخيرة في ولايته، على ابواب بدء مهلة انتخاب الرئيس للجديد للجمهورية بعد ثلاثة اشهر على اكتمال عقد البرلمان الجديد اذا انتخب. الاهم في ذلك، ان العهد ينتهي بأوسع كمّ من العدواوات والخصومات، وبأسوأ احتمالات التوصل الى تسويات موقتة في اي من الملفات الشائكة.
توازي الاهمية هذه، اهمية اخرى ليست قليلة الشأن، هي ان اعداءه وخصومه ليسوا في احسن حال. لم يربحوا عليه، كما لم يسبق من قبل اي فريق ان ربح على عهد موشك على الافول، او فرض عليه خيارات لم يكن يريدها. الرئيس القوي في مطلع عهده لأنه بدأ، هو نفسه الرئيس القوي في آخر عهده يرفض ان يعطي ولا يملك ان يربح اكثر مما ربح، او يخسر اكثر مما خسر.
في انتخابات 2022، يصح ايضاً الاختلاف الشاسع على واقع التحالفات المفترض انها سترافقها، بعدما كانت مهّدت للانتخابات السابقة بتواطؤ مشهود له على قانون الانتخاب، قبل سنة من الوصول الى صناديق الاقتراع. حينذاك بُني تقسيم الدوائر والتصويت النسبي، الى الصوت التفضيلي، انسجاماً مع تحالفات كانت معقودة سلفاً منذ انتخابات رئاسة 2016، اتاحت بقليل من الصدمات غير القاتلة حصول كل من الكتل على حصته. كان المطلوب من برلمان 2018، قبل انتخابه، ان يكون على صورة تسوية 2016 وأبطالها الظاهرين والمختبئين.
لم تكن كتل انتخابات 2018 سوى خلطة عجيبة من التحالفات المطابقة لمسار العهد الجديد: إما حليف او حليف الحليف. الا ان هؤلاء جميعاً في مركب واحد، وإن ادار بعضهم ظهره لبعض آخر: حركة أمل خصم التيار الوطني الحر وحليف حزب الله، كذلك النائب السابق سليمان فرنجيه. تيار المستقبل حليف الحليفين المفترضين وإن كانا يخوضان منافسة على المقاعد المسيحية هما التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، بينما اصبح الآن على طرف نقيض منهما معاً، مقدار ما استعادا عداوتهما المزمنة. بدوره النائب السابق وليد جنبلاط ليس احسن حالاً في الشوف وعاليه، وهو يواجه خصمين مسيحيين متناحرين هما التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية على مقاعد مسيحية، اعتاد جنبلاط ان تكون في حصته وحده، ثم أذِن لنفسه بعد انتخابات 2005 بالتخلي عن احدها في كل من الشوف وعاليه، كان يفسر تحالفه حينذاك مع حزب القوات اللبنانية واحياناً مع حزب الكتائب. في انتخابات 2018 كان الصراع ضارياً على المقاعد المسيحية في هذين القضاءين. اما ما لا يسع جنبلاط تجاهله في الاستحقاق المقبل، فهو حاجته الى حليف مسيحي الى جانبه، ناهيك بحاجة مماثلة دائمة الى الحليف السنّي في الشوف الاوسط.
لعل المفارقة الجديرة بالانتباه، ان حزب الله وحده، في انتخابات 2018 كما في الانتخابات المقبلة، يمثل المرجعية التي لا اعداء معلنين لها، ولا تُنازِل احداً في دائرته. بيد انه الوحيد الموجود في كل الدوائر الانتخابية تقريباً، ناخباً او مؤثراً او صاحب مقاعد: مع المسيحيين في جزين وبعبدا وجبيل وبعلبك – الهرمل وزحلة، ومع السنّة في بيروت الثانية وزحلة والبقاع الغربي وبعلبك – الهرمل، ومع الدروز في بعبدا والبقاع الغربي. موجود ايضاً من خلال حلفائه في عاليه والشمال الثانية والثالثة. وهو في كل الجنوب كما في كل البقاع مع حليفه الرئيس نبيه برّي.
ما كان يُبرَّر تفسيره في مطلع العهد، وهو سهولة بناء التحالفات الانتخابية من اجل المشاركة في الحكم، بات يصعب تصوّره في مرحلة ترافق الانهيار الشامل التدريجي. الا ان مقاربة انتخابات 2022 لا تقتصر على التحالفات وتقاسم الحصص، مقدار ربطها بالاستحقاق الاهم الذي يليها، وهو انتخابات رئاسة الجمهورية. لذا يكمن الامتحان الفعلي لانتخابات 2022 في انه يسبق اجراءها، وهو التحقق من الغالبية النيابية المقبلة على ابواب انتخابات رئاسة الجمهورية. يعني هذا الامتحان اول مَن يعني – وقد يكون الوحيد بفعل فائص القوة – حزب الله بعدما بات يعدّ نفسه مرجعية حكم البلاد، كما في موقعه كأحد فريقي الثنائي الشيعي. لا يفصل دوره عن دور برّي، وجاهز للانضمام في كل لحظة الى كل معركة يطلق رئيس البرلمان شرارتها، لا الوقوف على الحياد او الاكتفاء بالتفرّج.
الواضح في بعض وقائع الاشهر الاخيرة وتوالي سلسلة خسائر مُني بها رئيس الجمهورية وحزبه من داخل النظام والدستور وليس في الشارع، في اكثر من مواجهة مع برّي، لم يسع حزب الله سوى ان يتخذ الموقع الطبيعي له، وهو الوقوف الى جانب توأمه الشيعي، لا حليفه المسيحي. تعكس صلابة الموقف الشيعي، وهو يخوض اكثر من معضلة مع اكثر من فريق في آن، مع عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي على مجلس الوزراء والقضاء والتعيينات والسياسة الخارجية للحكومة، اصراره على البقاء قاطرة وحيدة للغالبية النيابية في انتخابات رئاسة الجمهورية، فيما هو قادر في الوقت نفسه على منع التئام مجلس الوزراء دونما حاجته بالضرورة الى النصاب الموصوف المعطّل. الامر الذي يبعث على ربط مصير انتخابات 2022 بالتوقعات التي تسبقها حيال مصير الغالبية الحالية: ان تكون نفسها في المجلسين الحالي والمقبل، او لا تكون انتخابات نيابية عامة.
ابسط تعبير عن ذلك، هو ان الاكثرية النيابية داخل البرلمان باتت صورة معبّرة عن الغالبية السياسية الاوسع. الاكثرية التي يريد الثنائي الشيعي، وحزب الله خصوصاً، ان تكون هي الهيئة الناخبة للرئيس المقبل للجمهورية.