كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
لم يقل رئيس الجمهورية ميشال عون، في رسالته التي وجّهها إلى اللبنانيين ما كان يتوقّعه منه تياره السياسي أن يقوله، فأحجم في وضع النقاط على الحروف عن تسمية معرقلي خطته الإصلاحية وتعطيل انعقاد جلسات مجلس الوزراء بالأسماء واستعاض عنها بتوجيه رسائل سياسية غير مباشرة وبانتقادات ناعمة غلب عليها العتاب وإنما ليس بالاسم إلى حليفه «حزب الله» على خلفية توتيره العلاقات اللبنانية – العربية وتحديداً الخليجية منها، وانسحب الأمر على المجلس النيابي ورئيسه نبيه بري وإنما بعبارات أشد.
لكن اللافت في رسالته إلى اللبنانيين والذي دفعهم للتساؤل، كان في دعوته إلى تغيير النظام على أن تكون ركيزته اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة، وهذا ما يتعارض، كما يقول مرجع حكومي سابق لـ«الشرق الأوسط»، مع تمسكه بوثيقة الوفاق الوطني التي لم تأتِ من قريب أو بعيد على ذكر اللامركزية المالية الموسّعة.
ولفت المرجع الحكومي السابق الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إلى أن حديث عون عن تغيير النظام تَلازم مع قوله بأنْ لا صلاحية له بدعوة مجلس الوزراء للانعقاد لوقف تعطيله كأنه يدعو إلى استرداد صلاحياته كما كانت قبل إقرار وثيقة الوفاق الوطني. وسأل ما إذا كانت مطالبته بتحقيق اللامركزية المالية الموسّعة تأتي في سياق التناغم مع المطالبين بالفيدرالية وصولاً لإقامة نظام جديد في لبنان، خصوصاً أن وثيقة الوفاق حصرت المطالبة باللامركزية في شقها الإداري لقطع الطريق على إضفاء الطابع السياسي عليها.
وأكد المرجع نفسه أن الاتصالات التي سبقت الموعد المحدد لتوجيه رسالة عون إلى اللبنانيين أدت إلى تعطيل القنابل السياسية التي كان التيار السياسي المحسوب عليه قد بادر بالترويج لها، وقال إن تبريد الأجواء جاء تتويجاً للتواصل بين قيادتي «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» الذي لم يبدِ حتى الساعة انزعاجاً من المضامين التي أوردها في رسالته وتعاطى معها على أنها مقبولة ما دامت لن تمس بالخطوط الحمر لمشروعه الاستراتيجي وتتعلق بتفاصيل داخلية لا تدعوه للقلق.
وفي هذا السياق، لم يأتِ عون، كما يقول المرجع، على ذكر استرداد السيادة الكاملة على كل الأراضي اللبنانية التي هي الآن على رأس جدول أعمال المجتمع الدولي في مطالبته بضبط الحدود ووقف التهريب وحصر حمل السلاح بيد الدولة التي يعود لها اتخاذ قرارها في السلم والحرب. ورأى أن انتقاده غير المباشر لـ«حزب الله» بتوتير علاقات لبنان العربية وتحديداً الخليجية منها يبقى في حدود رفع العتب لعله ينأى بنفسه عن الصدام مع المجتمع الدولي.
ورأى أن عون وتياره السياسي سجّلا رقماً قياسياً في تعطيل البلد ولم يعد من حاجة للوقوف أمام المحطات التي أدت إلى إقفال الوسط التجاري لبيروت بالتحالف مع «حزب الله» سوى الاكتفاء بسؤاله عن الأسباب الكامنة وراء تعطيل المؤسسات الدستورية إبان تولّي الرئيس تمام سلام رئاسة الحكومة والتي لم يُفرَج عنها إلا بعد أن ضَمِن انتخابه رئيساً للجمهورية رغم أنه كان أول من انتقد في حينه التمديد للبرلمان قبل أن يعود عنه لأنه هو من أوصله إلى سدّة الرئاسة الأولى.
وأوضح أن دعوته للحوار حول الاستراتيجية الدفاعية للبنان جاءت متأخّرة ولن تُصرف في مكان لأنه هو من تمرّد على إقرارها بخلاف ما كان قد أورده في خطاب القَسَم الذي ألقاه أمام البرلمان فور انتخابه رئيساً للجمهورية لجهة قوله إنها من أولوياته وسيدعو فوراً الأطراف المعنية للحوار حولها من أجل إقرارها، لكنه بادر إلى ترحيل البحث فيها إلى حين زوال الأطماع الإسرائيلية بلبنان، وقال إنه طرحها بالتلازم مع الحاجة لتعاون الجيش والشعب والدولة في محاولة مكشوفة لطمأنة «حزب الله» إلى تمسكه بطريقة غير مباشرة بالثلاثية الذهبية التي تجمع بين الجيش والشعب والمقاومة.
وأكد المرجع نفسه أن عون في رسالته إلى اللبنانيين جمع بين مجموعة من التناقضات، وإلا كيف يفسّر هجومه على المنظومة السياسية ويحمّلها مسؤولية انهيار البلد وتعطيل الحكومة وإن كان حصر المسؤولية بالبرلمان وبرئيسه، فيما يدعوها للحوار حول ثلاثية ذهبية ممهورة باسمه وتتعلق باللامركزية الإدارية الموسّعة وخطة التعافي المالي والاستراتيجية الدفاعية؟ وهل من يتهمه بالوقوف وراء الانهيار هو من يبادر إلى إصلاح البلد وإنقاذه؟
وفي سياق حديثه عن التناقضات التي أوقع عون نفسه فيها، سأل المرجع نفسه عن الدوافع التي أملت عليه تغييب اسم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن لائحة المتهمين بالفساد وهدر المال العام، رغم أن تياره السياسي اتهمه بتبييض الأموال، وكان عون السبّاق في الدعوة إلى تغييره.
كما سأل عن الجدوى من طرح اللامركزية المالية الموسّعة بخلاف اتفاق «الطائف»؟ وهل يريد استرضاء البعض في الشارع المسيحي لعله يدفع باتجاه تعويم وريثه السياسي باسيل لتأمين استمرارية التيار العوني بعد انتهاء الولاية الرئاسية لمؤسسه؟
وعليه فإن رسالة عون إلى اللبنانيين لن تؤدي للوصول إلى الأغراض السياسية المرجوّة منها ما دامت انطوت على انتقاد ناعم وغير مباشر لـ«حزب الله» وجاءت تحت سقف عدم تعريض تحالفه مع باسيل إلى انتكاسة، وهذا ما يفسر -كما يتردد- أن الأخير تدخّل في الوقت المناسب واضعاً عليها اللمسات المطلوبة لأنه ليس في وارد كسر الجرة مع حليفه الأوحد نظراً لحاجتهما إلى تبادل الخدمات مع تحديد موعد لإجراء الانتخابات النيابية في 15 أيار 2022