نشر موقع “المدن” مقالاً للصحافية جنى الدهيبي، تحت عنوان “عسكري ينتحر ليلة الميلاد: الاكتئاب اللبناني القاتل”.
وجاء في المقال:
تتوالى أخبار الانتحار في لبنان، ولا تمضي أيام قليلة إلا بتسجيل حالات جديدة تُضاف إلى قائمة من أنهوا حياتهم. ومع اختلاف دوافع الانتحار بين ما هو شخصي وعوامل أخرى مرتبطة بالأزمة الحادة التي تعيشها البلاد، ثمة ما يستدعي القلق، لجهة الصحة النفسية ومخاطر الضغوطات الشخصية والعامة التي يعيشها اللبنانيون.
وهكذا، يصبح الانتحار بديلًا تلقائياً للاستسلام أو مصارعة الأزمات، بصرف النظر عن طبيعتها.
وفي حادث مأسوي جديد، أقدم أحد العناصر في قوى الأمن الداخلي على قتل نفسه، في بلدة المنية شمالي لبنان. وتفيد معلومات “المدن” أن العنصر المنتحر، وهو شاب متزوج وأبّ، يعاني منذ فترة من حالة اكتئاب شديدة، نتيجة ظروف عائلية خاصة، دفعته أخيرًا للإقدام على الانتحار.
وفيما لا تربط المعطيات بين انتحار العنصر وظروفه الاقتصادية الصعبة، لكن حالته تضيء على مخاطر معاناة العكسر والعناصر الأمنيين، إذ يعيش معظمهم ظروفًا مأساوية واضطرابات هددت تماسكهم الأسري، كأحد نتائج تداعيات الأزمة الاقتصادية التي دمرت قدراتهم الشرائية وجعلتهم من الفئات الذين يعيشون فقرًا مدقعًا.
وتأتي حالة عنصر القوى الأمنية، بعد أقل من أسبوع على خبر انتحار شاب يبلغ 23 عامًا في الجنوب، راميًا نفسه من الطابق السابع، وتاركًا رسالة أحدثت ضجة كبيرة، إذ أرفقها بعبارة “سامحني يا أبي، الموت مرة واحدة أفضل من الموت كل العمر”؛ وغيره الكثير من الحالات المأساوية.
عمليًا، تظهر أرقام قوى الأمن الداخلي أن حالات الانتحار تراجعت بنسبة قليلة بين عامي 2019 و2021. ففي العام 2019 سجل 170 حالة انتحار، ثم انخفضت الى 150 حالة في 2020، وفي العام 2021 حتى شهر تشرين الثاني الفائت، انخفضت إلى 132 مقابل 136 الفترة نفسها من العام الماضي.
لكن هذه الأرقام، لا تعني أبداً أن ظاهرة الانتحار تتراجع في لبنان، أو لم تعد خيارًا للمضطربين نفسيًا.
وللتذكير، أعلن مؤتمر “كسر الصمت حول الانتحار” الذي نظمه البرنامج الوطني للصحة النفسية ومنظمة الصحة العالمية وجمعية “امبرايس” (Embrace)، في منتصف الشهر الحالي، أن شخصاً واحداً على الأقل ينتحر في لبنان كل 48 ساعة، وعدد من انتحروا خلال 11 عامًا، بلغ نحو 1.366 فردًا.
وأشار المؤتمر حينها أن حالات الانتحار في لبنان ارتفعت 35% منذ عام 2016، وأن الأعطاب السياسية والاقتصادية والبطالة والعنف، شكلت بيئة خصبة للاضطرابات النفسية التي أنتجت نحو 90% من حالات الانتحار؛ وأن نحو 63٪ من طالبي الدعم النفسي تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً.
ويبدو أن الانتحار يأتي بعد بلوغ مرحلة يأس شديدة وقاسية. وفي حديث لـ “المدن”، تشرح هبة دندشلي، مسؤولة التواصل والإعلام في جمعية “امبرايس” التي تعنى بالصحة النفسية، بعض دوافع الانتحار التي تتشابك بين عوامل مباشرة وغير مباشرة.
وتقول أن الفرد حين يمر بأزمة كبيرة، يكون لديه غريزة التمسك بالحياة، تجعله يصارع المشاكل ويتحدى الظروف للاستمرار والبقاء على قيد الحياة. وهذا ما وصل إليه الفرد في لبنان، “إذ صار بعد الأزمة في حالة ملاحقة دائمة لعمله وقوت يومه، وهو ما يزيد بدوره الاضطرابات النفسية بشكل هائل”.
وتلفت دندشلي أن جمعيتهم لمست ذلك من خلال أعداد الاتصالات التي يتلقونها، طلباً للدعم النفسي، وقد تجاوزت 6 آلاف اتصال مع بداية العام حتى شهر آب. وهي أرقام كبيرة مقارنة بالسنوات السابقة.
وتشير أن الاضطرابات النفسية، ليست مرتبطة فقط بالأوضاع التي وصل إليها لبنان، بل هي أحد العوامل المؤثرة. لأن هناك عوامل أخرى موجودة عند الشخص، ترتبط بتكوينه وحياته الشخصية. وقالت إن هذه الاضطرابات، “يقابلها شعور أن العدالة مفقودة في لبنان، إضافة إلى اضطرابات ما بعد الصدمة، وكلها عوامل تعزز دوافع الانتحار وأرضيته”.
وتعتبر أن الأوضاع الاقتصادية تندرج في خانة الدوافع غير المباشرة للانتحار، لكنها ذات أثر بليغ جداً.
وتوضح دندشلي أن فترة الأعياد الراهنة، وخلافًا لما يظنه الناس أنها فترة للراحة والتلاقي، تكون مصحوبة بضغوط نفسية كبيرة جدًا في ظل الأوضاع الراهنة، ما يعزز الحاجة لمتابعة الصحة النفسية للأفراد.
وتدعو المسؤولة الناس للاتصال على خط الحياة 1564، وهو الخط الوطني الساخن للدعم النفسي والوقاية من الانتحار، بالتعاون مع البرنامج الوطني للصحة النفسية.
وختمت: “من يجد أنه غير قادر على تحمل تكاليف العلاج النفسي، يمكن أن يلجأ لجمعيتنا على الأرقام الموجودة لدينا والعلاج النفسي يكون مجانيًا”.