أحيا المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى برعاية رئيس المجلس الشيخ عبد الأمير قبلان، مراسم عاشوراء لهذا العام في مقر المجلس، وألقى نائب رئيس المجلس العلامة الشيخ علي الخطيب كلمة في الليلة الثانية قال فيها: “السلام على الحسين الذي واجه واقع الامة الفاسد، حيث رأى ان الفساد والانحراف تتسع رقعته ويتمدد وجوده بفعل السلطة الغاشمة الفاسدة والمفسدة والمرتكبة لكل الموبقات التي شكلت خطرا محدقا بالرسالة والدين، بسبب الكم الهائل من التحريف وبجيش جرار من الادعياء باسم الرواة ينسبون الى رسول الله الاحاديث زورا وبهتانا، ويخلقون عن لسانه الاكاذيب بغية اضفاء الشرعية الدينية على السلطة الغاصبة والمنحرفة، ومن جهة أخرى رأى واقع هذه الامة التي استطاعت هذه السلطة ترويضها وتحويلها الى جثة هامدة انطفأت فيها جذوة المقاومة والرفض، لا يحرك فيها الواقع المزري من شيوع المنكر والفساد، حمية ولا انفة، ولقد كانت احدى وسائل السلطة الغاصبة التي استخدمها لذلك، وسائل القمع والارهاب والتجويع بغية زرع الخوف في النفوس حتى تستكين وترضخ للواقع، بعد ان كانت عصية على المغريات التي قدمتها السلطة، فخلت الساحة من المعارضين الذين تحسب لهم السلطة الحساب، وبدت الارضية مهيئة للانقلاب الشامل والعودة بالأمة الى الماضي الجاهلي، لقد كانت هذه الاساليب كفيلة بتحقيق الغاية لهذا الخط المنافق في الامة، وهي اساليب واحدة يتبعها الطغاة في كل زمان ومكان، ويمكن اجمالها على النحو التالي: اسلوب الاغراء وشراء الضمائر، اسلوب التضليل والدعاية للتشويه وقلب الحقائق، استخدام اساليب الترهيب والقمع، ومواجهة المعارضين واستتئصالهم”.
أضاف: “هم يمسكون بالسلطة اداة القمع وبالمال اداة للاغراء وشراء الضمائر، والاعلام اداة لتزييف الحقائق وتضليل الجماهير وقلب المفاهيم كأخطر الوسائل القذرة في الحرب والمواجهة، وهذه احدى الحقائق التي واجهت الرسالة الإلهية والمجتمعات البشرية على الدوام، كما واجهها المجتمع الاسلامي والامة الاسلامية ووضع فيها مصير الامة ورسالتها على المحك، ولم يكن بمقدور احد ان يقوم بالدور التاريخي المنقذ سوى ابي عبد الله الحسين بما يمتلك من مقومات ومؤهلات استثنائية وشرعية دينية، تجعله قادرا على القيام بهذه المهمة، لقد قدر للإمام الحسين ان يقوم بدور المنقذ للامة ورسالتها بهذه الشهادة الفريدة وصح ان يقال ان الاسلام محمدي الوجود وحسيني البقاء، لقد خط الامام الحسين بشهادته في اليوم العاشر من المحرم للبشرية طريق الخلاص وفتح لها باب التحرر من العبودية وحياة العزة والكرامة، وهذا ليس من باب الانشاء والمغالاة، وانما هي الحقيقة الناصعة التي تجلت في كل مراحل التاريخ، فكانت المنارة لكل التواقين للخلاص من الظلم والعبودية على مدى الاجيال، وهي النبع الصافي الذي شرب منه الافراد والمقاومون في مواجهة قوى الشر والعدوان والهادي لهم في ظلام هذا الليل الحالك الذي احاط ببلدنا وواقعنا، واجتمعت فيه قوى الظلم والعدوان مستخدمة نفس الاساليب في مواجهة شعوبنا في سبيل قهرها والاستيلاء على مقدراتها واسقاطها من التأثير في التاريخ، ولكن امتنا ومقاومينا الذين عاش الحسين في فكرهم وضمائرهم، واستولى على وجودهم وكيانهم استطاعوا بفضل هذا الزاد الثمين ان يقوموا من بين الركام وينتصروا في معركة الكرامة في مواجهة جحافل العدوان، التي رصد لها كل الامكانيات بينما لم يكن في ايدي ابطالنا سوى نموذج كربلاء وحب آل بيت الرسول الذين تعلموا منهم الصبر وحب التضحية والشهادة في سبيل الله والكرامة الإنسانية”.
وتابع: “لقد خط الإمام الحسين بشهادته في اليوم العاشر من المحرم للبشرية طريق الخلاص ووهبها حياة العز والكرامة وفتح لها باب التحرر من العبودية، وهذا ليس انشاء أو مغالاة، وإنما هي الحقيقة الناصعة التي تجلت في كل مراحل التاريخ والمنارة لكل التواقين للتحرر وللخلاص من الظلم والعبودية على مر التاريخ والنبع الصافي الذي يشرب منه الأحرار والمقاومون في مواجهة قوى الشر والعدوان والهادي لهم في ظلام هذا الليل الحالك”.
وأشار إلى أن “نظرة موضوعية فاحصة لهذا التاريخ، كفيلة بإعطائنا التأثيرات الكبيرة التي أحدثتها ثورة كربلاء والتحولات العميقة التي استطاعت هذه الثورة أن تحدثها في واقع الأمة على كل المستويات والتي كانت أهمها إزاحة الستار عن الطبيعة المخادعة للنظام الأموي، والتي كان يتوارى خلفها وخلق معها لنفسه قدسية مزيفة سرعان ما تهاوت. أضف إلى ذلك أن القضاء على النظام الأموي حدث تحت شعار يا لثارات الحسين وبدعوى إعادة الحق إلى اهله، وهذا الشعار الذي رفعه العباسيون. وهذا ينبئ عن مدى التأثير الذي أحدثته ثورة الامام الحسين عليه السلام على الوعي العام حتى غدت ثورة الإمام الحسين شعارا لكل باحث عن التغيير، الذي ينشده من يبحث عن الخلاص من الواقع المأسوي الذي تعيشه الجماهير، وبات شعار يا لثارات الحسين شعارا جاذبا وإن كان مزيفا في بعض الأحيان يستغله الطامحون للوصول إلى السلطة. ولكنه على كل حال أوجد مجالا واسعا للإعتراض وكان عاملا قويا زعزع استقرار السلطة وسلب منها الشرعية الدينية التي كانت تسعى لتكريسها وتتخذها غطاء لتدعيم سلطتها. وبهذا يمكننا القول أن ثورة الامام الحسين أوجدت مائزا مهما بين حقبتين ما قبل الثورة وما بعدها”.
وقال: “كان تصرف أهل البيت عليهم السلام فيها يحكمه معياران: سلامة الرسالة أولا ووحدة الأمة ثانيا، وقد قاد أمير المؤمنين هذا الإتجاه عندما رفع شعار ( لاسالمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن جور الا علي خاصة) واكتفى بالاحتجاج على ما حدث بعد وفاة رسول الله على سلبه حقه والتنصل من وصية رسول الله ومخالفة كل ما صدر عنه، وأكده في حق علي ومقامه وموقعه بعدما ورد النص فيه في كتاب الله تعالى، ولكن معارضة علي لهذا الواقع لم تتعد الموقف على تأكيد حقه الذي طوره بعد مقتل عثمان حينما أجبر على تسلم السلطة، إذ سرعان ما قلب له ظهر الجن أولئك الذين كانوا من أشد الداعين لتسلمه السلطة بعدما اكتشفوا أن عليا لا يخدع عن دينه، وكان عليه أن يقف في وجه ثلاثة أشكال ممن وقف في وجهه رافعا السلاح، ولم يكتف بالمعارضة بالموقف والكلمة الذين لم يتعرض لهم ولم يقف في وجههم على خلاف من حمل السلاح ممن عرفوا بالناكثين والقاسطين والمارقين. وهي من ألقابه التي لقبه بها رسول الله أنه مقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. أما الناكثين فهم الذين نكثوا البيعة وأبرزهم طلحة والزبير وأما القاسطين فهم أهل الشام وأما المارقين فهم الخوارج”.
أضاف: “وموقفه من هؤلاء يختلف عن موقفه السابق فهو اراد من الموقف السابق أن يثبت حقا له سلب منه حقوقه في الخلافة واكتفى بالتعبير عنه بأسلوبين: الأول بامتناعه عن مبايعة من اغتصبوا حقه بما لا يتعدى الى المواجهة، مبررا ذلك بأن الإسلام ما زال غضا طريا وأن المواجهة في هذا الظرف تؤدي إلى ذهاب الإسلام حيث يقف المنافقون والمعادون للإسلام ومعهم من دخل الإسلام مكرها كأبي سفيان يقفون متربصين يتحينون الفرصة للانقضاض. والأسلوب الثاني بموقف الزهراء عليها السلام التي اوصت ان تدفن سرا دون تشييع لتظهر بذلك عدم رضاها عما حدث. أما موقفه في مواجهة القاسطين والمنافقين والمارقين فظروفه مختلفة، فقد كان ذلك منهم بعد التسليم له بالخلافة تمردا على الشرعية ونكثا للعهود ومروقا من الدين، مما شكل خطرا على وجود الأمة وقد كان سكوت علي عنهم كفيلا بتشظي الدولة وتقاسمها مغانم بين الطامعين، فالمرحلة الثانية من طبيعة المواجهة واتخاذ علي من المواجهة المسلحة طريقة في التعامل المباشر مع الخارجين عن الشرعية، بدأت من هذه اللحظة التي يمكن التعبير عنها باللحظة الفاصلة بين مرحلتين من مراحل المواجهة مع خط الانحراف عن ما رسمه وخطط له رسول الله، وذلك فأنه يمكن القول بان ما قام به الامام الحسن والامام الحسين هو استمرار للدور الذي قام به امير المؤمنين واكمال له، بحيث خذل المسلمون علي والحسن في مواجهة الخط الانقلابي الأموي خط الردة عن الاسلام، وقد قام الامام الحسن بحركة عكسية، أراد منها تفريغ الانتصار الاموي من مضمونه بإيقاع الصلح مع معاوية فيفضح ادعاءات معاوية، ويرى من غرر بهم زيف وعوده الكاذبة لتكون ثورة الإمام الحسين هي الخطوة التالية التي تطيح بالحكم الاموي وتضع نهايته المحتومة”.
وتابع: “فالثورة الحسينية ليست حركة منفصلة في التاريخ او عابرة أو عفوية ناتجة عن ردة فعل، وإنما هي حلقة من سلسلة حلقات خطط لها بدقة رسول الله، وتحرك امير المؤمنين والحسن والحسين وفقها بدقة اقتضت طبيعة الظروف التي مرت بها وواجهتها التعامل بها وفق ذلك، حتى تؤدي أهدافها المرسومة لها وهي حفظ الدين والاسلام والابقاء عليه ناصعا نظيفا حيث تابع الائمة من بعد شهادة الإمام الحسين هذه المهمة، وهي القيام بنفي الشبهات عنها وتفسيرها بعد أن أدت المراحل السابقة مهامها بإحباط المخطط المعادي والمنافق ممن أراد القضاء عليها عن دافعها بأخبث الطرق وأخطرها، وهي بالعمل على الفصل بين الرسالة وبين المؤتمنين عليها، وهذا حديث يطول يحتاج تفصيله إلى وقت آخر”.
ولفت إلى أن “أهم الدروس والعبر التي نستفيدها في هذه الليالي ومن وحي دروس ثورة كربلاء، هي كيفية التعامل مع الازمات التي نواجهها وما هي طرق الخروج منها، وخصوصا اذا كانت تهدد الوجود والكيان ويستخدمها العدو من اجل الحصول على صك الاستسلام والخضوع لارادته، لذلك فإنه لا يجوز لنا كلبنانيين ان نعطي العدو هذه الفرصة وان نفسح له في المجال ان ينفذ الى ساحتنا الداخلية ويستفيد من التباينات في الموقف من بعض القضايا، وعليه فإن الخط الاحمر كما يقال الذي لا يجوز تخطيه، هو الحفاظ على وحدة البلد السياسية وعدم تعريض وحدة البلاد الى الخطر، وعدم افساح المجال للعدو ان يكون طرفا في الخلافات السياسية مهما بلغت حدتها والا فإن الامور ستأخذ طابع الخيانة”.
وقال: “ثانيا ان كل الخلافات السياسية يجب ان تتجمد حينما تبلغ الازمات الاجتماعية حدا يهدد الامن الاجتماعي ويتطلب الخروج منه تضافر جميع القوى ووقوفها جنبا الى جنب، وهو ما نعانيه في هذه المرحله لقد كادت تودي الخلافات السياسية بالبلاد والعباد، وبدأت علائم الخراب تظهر من خلال الازمات الخطيرة التي يعاني منها اللبنانيون سواء بانقطاع الدواء او المحروقات والكهرباء، وهو يعني انعدام مقومات الحياة. ومما يزيد هذا الواقع شدة على المواطنين هو استغلال تجار الازمات هذا الوضع وقيامهم باحتكار المواد الاساسية وبيعها في السوق السوداء مضاعفة مما يؤدي الى حرمان الناس منها، ولذلك فإن على اللبنانيين جميعا الوقوف صفا واحدا وتوجيه الضغط على القوى التي تعطل قيام الحكومة التي يعتبر وجودها شرطا اساسيا لوقف الانهيار، وعلى الجهات الفاعلة والموجهه للرأي العام ان تقوم بواجبها في هذا المجال. وأكرر هنا الدعوة الى ان نتقي الله ولا نقوم بخداع الرأي العام بتوجيهه بغير اتجاه ولا يخدم الخروج من الازمة”.
وختم: “إن المسؤولية الدينية والوطنية تقتضي منا ان نتعلم من تجاربنا، وألا نطلق من المواقف ما لا نرضاه لانفسنا بفرض حلول على شركائنا في الوطن”.
يذكر انه تم احياء الليلة الثانية بتلاوة آيات من الذكر الحكيم للقارئ الدولي أنور مهدي، وتلا الشيح حسين نجدي مجلس عزاء حسينيا، وموسى الغول زيارة الحسين، وقدم للحفل الشيخ علي الغول.