كتب وليد شقير في “نداء الوطن”:
بعد أسبوع يفترض أن يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود في ما يخص مصير الانتخابات النيابية المفترضة في الربيع المقبل، بناء على القرار المنتظر من المجلس الدستوري في شأن الطعن الذي تقدم به نواب “التيار الوطني الحر”.
وإذا كان بعض الوسط السياسي يتوقع اقتصار قبول الطعن على موافقة المجلس الدستوري على أن تحديد موعد الانتخابات في 27 آذار المقبل ليس من اختصاص البرلمان، دون النقطتين الأخريين المتعلقتين بنقض التعديل الذي أدخله المجلس النيابي، والذي ألغى الدائرة 16 الخاصة بانتخاب المغتربين 6 نواب يمثلونهم موزعين على القارات، بدلاً من أن يقترعوا في بلدان الانتشار للمرشحين في دوائر نفوسهم الأصلية في لبنان، إضافة إلى الإصرار على إنشاء الميغاسنتر لتمكين المقترعين من الإدلاء بأصواتهم في أماكن سكنهم بدلاً من قراهم ودوائرهم البعيدة. فهاتان النقطتان تطرحان السؤال عن المدة الزمنية التي يستغرقها وضعهما موضع التنفيذ، في ظل التقديرات بأنها قد تطول وستكون مكلفة مالياً بحيث يؤدي ذلك إلى المس بالمهل القانونية. والخشية من ذلك تعزز من مخاوف القلقين من تأجيل الانتخابات وتطييرها.
وفي رأي مرجع سياسي أن جميع الفرقاء بلا استثناء يفضلون ألا تجرى الانتخابات ويتمنون التمديد للبرلمان كل لسببه ولمخاوفه أو لغاية في نفس يعقوب، لكن أياً منهم لا يجرؤ على المجاهرة بما في قرارة نفسه، خوفاً من الجمهور الانتخابي الذي يتشوق بشرائح واسعة منه إلى اختيار نواب بدائل عن الطاقم السياسي الحالي، أو لأن الزعامات تخشى ردة الفعل الدولية السلبية التي تقف بالمرصاد لأي تأجيل للانتخابات، في وقت تلوّح الدول الغربية بعقوبات على القيادات التي ستسعى إلى التمديد للبرلمان.
على طبيعة القرار تبني القوى السياسية حساباتها في شأن المعركة الانتخابية. هناك فرقاء بدأوا تحضيراتهم ليوم الاقتراع في الداخل ودول الاغتراب، والبعض الآخر يتريث. من المتريثين في بدء الحملة الانتخابية زعيم تيار “المستقبل” رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الذي تعزز التسريبات عدم نيته في خوض الانتخابات وسط معلومات بأنه قد ينكفئ عن المسرح السياسي ولو لمدة من الزمن، فيبقى خارج البلاد في انتظار تغيير ما في المعادلة السياسية.
المقربون من الحريري يسألون كيف يعلن الحريري قراره النهائي في وقت ينتظر الفرقاء كافة قرار المجلس الدستوري، وفي وقت تكثر التكهنات بأن بعض هؤلاء الفرقاء سيحولون دون إجراء الانتخابات؟ ويشير المقربون إلى أن الحريري يتريث في قراره إلى حين صدور مرسوم دعوة الهيئات الناخبة من قبل وزارة الداخلية، الذي يفترض أن يصدر قبل 3 أشهر من موعدها على الأقل. كما أن هؤلاء يعتقدون أن عوامل عديدة أخرى يتوقف عليها قرار الحريري، منها الوضع الإقليمي. لكن ما يدور في الأوساط السياسية لا يقتصر على احتمال انكفاء الحريري وحده. بعض التسريبات يذهب إلى الحديث حتى عن إمكان امتناعه عن دعم هذا أو ذاك من المرشحين، وترك القرار لقيادة تيار “المستقبل”. وما شغل نقاشات بعض حلفاء “المستقبل” لا يتوقف عند إمكان انكفائه، ويتعداه إلى نية الرموز السياسية السنية الأساسية في البلد، وخصوصاً أعضاء نادي رؤساء الحكومات، عدم خوض الانتخابات. فإضافة إلى الحريري، بات معروفاً في أوساط واسعة بيروتية وغير بيروتية، أن الرئيس السابق تمام سلام لن يخوض المعركة الانتخابية، وحجته أنه يرغب في ترك المجال للجيل الجديد أن يمثل العاصمة في الندوة البرلمانية لأنه حان وقت التغيير. فهو كان ينوي عدم الترشح في دورة 2018 إلا أنه عدل عن الفكرة بناء لإلحاح الحريري أن يكونا معاً. أما الرئيس السابق فؤاد السنيورة الذي عزف في الدورة السابقة عن الترشح وتفرغ للعمل السياسي والوطني من خارج الندوة البرلمانية، فهو سيستمر على هذا الموقف في الدورة المقبلة.
الجديد وفق المعطيات عند مراجع سنية أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ينوي بدوره العزوف على رغم أن قوته الانتخابية في طرابلس تتيح له ذلك، والحجة هي أنه يرأس الحكومة التي ستشرف على الانتخابات، ودعم بروز قيادات شابة على المسرح السياسي.
انكفاء الرؤساء الأربعة سيكون له وقع مدوٍ ليس على الساحة السنية فحسب، بل لدى زعماء وقوى سياسية في الطوائف الأخرى، يخشون من الأثر السلبي لغياب ممثلين وازنين ولاعبين أساسيين للطائفة الكبرى المقررة في نشوء الكيان ومصير النظام في لبنان، وسط المخاوف على تغيير هوية البلد إلى درجة التحذير من زواله.