يحتل لبنان في قلب الفاتيكان مكانة مميزة، إذ ان البابا فرنسيس يلفت دائما الى قربه من بلد الأرز. وخلال لقائه رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي قبل نحو أسبوع، قال الحبر الأعظم: “لبنان رسالة وهو أيضا وعد علينا أن نناضل من أجله”.
ماذا حملت زيارة ميقاتي الى الفاتيكان في ظل الظروف الضاغطة التي يعيشها لبنان اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، وهل حققت هدفها؟ مندوب “الوكالة الوطنية للاعلام” في الفاتيكان حمل هذه الأسئلة وغيرها الى سفير لبنان لدى الكرسي الرسولي فريد الياس الخازن الذي قال: “زيارة ناجحة، شكلا ومضمونا، قام بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى حاضرة الفاتيكان. رافق الرئيس ميقاتي وفد كبير ضم أفراد العائلة بالإضافة الى الوفد الرسمي. اتصالات سابقة للزيارة أجريت لتسهيل استقبال الوفد الكبير، نظرا للإجراءات الوقائية المتخذة لأسباب مرتبطة بجائحة كورونا. ولقد ترك اللقاء بين الرئيس ميقاتي وقداسة البابا أثرا إيجابيا خارج إطار الشكليات البروتوكولية على المستويين الخاص والعام.
استغرق اللقاء بين الحبر الأعظم والرئيس ميقاتي نحو 25 دقيقة، تبعه دخول البابا الى الصالة الكبرى لمباركة الحضور وأخذ الصور التذكارية. وتناول اللقاء مسائل مبدئية تخص الأوضاع المأزومة في لبنان والحاجة الماسة لمعالجتها بكل الوسائل المتاحة”.
أضاف: “علمت أن قداسة البابا بادر الى الاتصال بشيخ الأزهر بعد اللقاء للحث على تقديم الدعم للبنان والعمل على إخراج البلاد من الأزمات المتفاقمة. ومن المعروف أن الرئيس ميقاتي سيزور القاهرة، وقد يكون لمصر دور في تقريب وجهات النظر بين لبنان والمملكة العربية السعودية. تبع اللقاء مع البابا اجتماع عمل بين الوفد الرسمي، برئاسة ميقاتي، والكاردينال بارولين، أمين سر الدولة، ووزير الخارجية، رئيس الأساقفة المونسنيور كالاغر، وأحد المسؤولين في أمانة سر الدولة. في المقابل، ضم الوفد اللبناني، بالإضافة الى رئيسه، وزير العدل هنري خوري، وزير السياحة وليد نصار، النائب نقولا نحاس والسفير لدى الكرسي الرسولي فريد الخازن. تناول الاجتماع أبرز المسائل المطروحة في لبنان التي تهم الطرفين. وأبدى الجانب الفاتيكاني حرصه على إخراج لبنان من أزماته، لاسيما منها تلك التي تزيد في معاناة الناس اليومية جراء تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وأكد استعداده للمساعدة والدعم في المجالات كافة”.
واعتبر الخازن أن “زيارة الرئيس ميقاتي كانت ضرورية للتواصل المباشر مع قداسة البابا وكبار المسؤولين في وقت لبنان بأمس الحاجة الى الدعم من أجل وضع حد للأزمات “المتحورة” التي يدفع ثمنها ويتحمل أعباءها الناس من كل الفئات والأعمار والانتماءات السياسية والخلفيات الاجتماعية”.
وقال: “إن ديبلوماسية الفاتيكان فاعلة، والحاضرة في تواصل دائم مع المرجعيات الدولية. وكان سبق أن زار الفاتيكان في الأسابيع الأخيرة الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس حكومة فرنسا كاستكس والمستشارة الألمانية مركل، فضلا عن زيارة قام بها الرئيس الفرنسي ماكرون في اليوم التالي لزيارة ميقاتي. ومن المؤكد أن الأوضاع اللبنانية باتت من الثوابت على جدول أعمال الجانب الفاتيكاني في لقاءاته مع الجهات الدولية المعنية بالشأن اللبناني. وهذا أمر خبرته شخصيا من خلال متابعتي مع كبار المسؤولين في الكرسي الرسولي”.
وعن الوضع اللبناني لفت الى أنه “لا بد من التمييز بين الأزمات العدة، الجديد منها والقديم، التي يواجهها لبنان”. وقال: “ثمة أزمات تخص لبنان بالدرجة الأولى، إن لجهة أسبابها أو سبل معالجتها، وأزمات أخرى مرتبطة بالأوضاع الإقليمية. الكرسي الرسولي، شأنه شأن جهات دولية أخرى، يسعى إلى المساعدة حيث أمكن. لكن بموازاة ذلك، المطلوب من المسؤولين في لبنان المبادرة في مسائل متصلة مباشرة بالأوضاع اللبنانية، ولا سيما أن الفاتيكان غير معني بخصوصيات السياسة اللبنانية ومحاورها المتشعبة. المسائل الأبرز المعروفة والمطلوبة من الجانب اللبناني في المرحلة الراهنة، التي يتشارك الفاتيكان في إعطائها الأولوية مع جهات أخرى هي: إجراءات إصلاحية في إدارة المال العام والخاص، اعتماد خطة التعافي الاقتصادية بالتعاون مع المؤسسات الدولية المعنية، إجراء الانتخابات النيابية في موعدها واستقلالية القضاء صونا للعدالة والمحافظة على الاستقرار”.
وعن توقيت الزيارة المرتقبة لوزير خارجية الفاتيكان بول ريشارد كالاغر الى لبنان، قال الخازن: “الزيارة المرتقبة لوزير خارجية الفاتيكان الى لبنان ستكون بين أواخر كانون الثاني ومطلع شباط المقبل. كما أن البابا فرنسيس قد يزور لبنان في وقت لاحق. علما أن المبادرات الفاتيكانية تجاه لبنان في الأعوام الأخيرة لم تتوقف، وأبرزها اللقاء غير المسبوق لرؤساء الكنائس في لبنان ليوم كامل في الكرسي الرسولي بحضور البابا وكبار المسؤولين في الفاتيكان”.