احتفل الصرح البطريركي في بكركي ليتورجيًّا بزيارة مريم لأليصابات، وألقى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، عظة جاء فيها:
“يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة. فنلتمس هبة الإيمان الذي تميّزت به سيّدتنا مريم العذراء، إذ قبلت كلام الله على لسان الملاك بطاعة كاملة، وجسّدته أفعال خدمة لنسيبتها أليصابات الحامل والتي حيّتها “طوبى لتلك التي آمنت أنّه سيتمّ ما قيل لها من قبل الربّ” (لو 1: 45). ونهنّئ جمعيّة كشّافة الإستقلال بيوبيلها الذهبيّ، ومعها نشكر الله على الخمسين سنة التي ملأها بنعمه الغزيرة والمتنوّعة، بفضل التوجيه الروحيّ من آباء وراهبات الرهبانيّة الأنطونيّة الجليلة. ويسعدني أن أحيّي راعي هذه الجمعيّة ورئيسها الفخريّ قدس الرئيس العام الأباتي مارون أبو جوده ممثلا بحضرة النائب العام الأب مارون بو رحال، كما أحيي مرشدها العام الأب إيلي الدكاش”، معتبراً أنّ “الغاية من تأسيس الجمعية كانت نشر مبادىء الحركة الكشفية، وإيصالها الى أوسع شريحة ممكنة من الشابات والشبان بهدف خلق المواطن الصالح المبدع والخلوق والمخلص لكنيسته ومجتمعه. فانطلقت بخطى ثابتة وانتشرت أفواجها داخل المدارس والمؤسسات الأنطونية (رهبانا وراهبات) وفي الرعايا المارونية التي يخدمها الرهبان الأنطونيون. وتأثرت بهزتين كبيرتين: إنفجار مقرها العام في دير مار جرجس في عوكر ، والأضرار الجسيمة في الأوراق الرسمية وأرشيفها ومقتنياتها. واختطاف مرشدها العام الأب ألبير شرفان، ومرشد مفوضية الشمال الأب سليمان بو خليل ، على إثر أحداث ١٣ تشرين الأول 1990، ولم يعرف أي شيء عن مصيرهما حتى اليوم، لكنهما دائمًا في صلاتنا وفي صلاة كل من عرفهما”.
وأضاف: “لملمت الجمعية جراحها وانطلقت من جديد، مستمدّة القوة من الله، والعزيمة على الاستمرار من قادتها. وبدأت تحقيق الأهداف الواحد تلو الآخر، فانتسبت إلى اتحاد كشاف لبنان سنة 1993، وتولّى اثنان من قادتها مركز المفوض العام في عاميّ 2005 و و2015. وهي حاليا عضو في الهيئة الإدارية للمفوضية العامة. وبدأت مشاركاتها في المخيمات والمؤتمرات الكشفية العالمية منذ سنة 1995. وفي نيسان 2017 دشنت مقرها العام الجديد على قطعة أرض ممنوحة من الرهبانية الأنطونية مشكورة قرب دير الرئاسة العامة في مار روكز. فتمكّنت الجمعية من استضافة العديد من الشخصيات الكشفية العالمية والعربية والمحلية، ودراسات تدريبية خاصة باتحاد كشاف لبنان وغيره من الجمعيات الكشفية، مع التحديث الدائم لمناهجها الكشفية ومسارها التدريبي وفقًا للسياسات التربوية للمنظمة الكشفية العالمية. وها هي تحمل اسم استقلال وطننا الحبيب وتجعل منه عهدًا عليها”.
وفي عظة قداس “أحد الزيارة”، قال الراعي: “عالمنا عامّة ومجتمعنا اللبنانيّ خاصّة بحاجة إلى إيمان أصيل ملتزم يختلف تمامًا عن مجرّد أيّ إنتماء دينيّ أو طائفيّ أو مذهبيّ، وإلى انفتاح العقل والقلب والضمير لإلهامات الروح القدس. نحن من دون الإيمان وعمل الروح القدس نبقى في عتيقنا وتحجّرنا وحقدنا وإدانة غيرنا مجّانًا. فلي هذا الضوء ثلاث كلمات: الكلمة الأولى تختصّ بالانتخابات النيابيّة في الربيع المقبل لا كاستحقاقٍ دستوريٍّ دوريٍ فقط، إنما كمَحطّةٍ لتجديدِ الحياةِ الوطنيّةِ عبرَ الديمقراطيّةِ والإرادةِ الشعبيّة، وكمُنطلقٍ لولادةِ أكثريّةٍ وطنيّةٍ مسؤولةٍ ومؤهَّلةِ لإنعاش كيانِ لبنان وهُويّتِه ودورِه وخصوصيّتِه، ولحماية مصيره المهدد. لقد حان الوقتُ لانتظامِ الحياةِ البرلمانيّةِ، فتَتنافَسُ القِوى السياسيّةُ تحت سقفِ الدستورِ، من أجل التغيير إلى الأحسن والأفضل”.
وحذّر الراعي من “أيِّ محاولةٍ لإرجاءِ الانتخاباتِ تحتَ ذرائعَ غير منطقيّةٍ وغيرِ وطنيّة، ونُصِرُّ على حصولِـها في مواعيدِها الدستوريّة، حِرصًا على حقِّ الشعبِ في الانتخابِ والتغيير، وحفاظًا على سلامةِ لبنان ووِحدته”.
وتابع: “الكلمة الثانية تختصّ بقرار الهيئة العامّة بالإجماعِ لمحكمةِ التمييزِ الذي ثبّت أحَقيّةِ التحقيقِ العدليّ، فأعاد للقضاءِ اللبنانيِّ جِدّيتَه وهيبتَه ووحدتَه، وأحيا الأملَ باستكمالِ التحقيق في جريمةِ المرفأ بعيدًا عن التسييسِ والتطييفِ والمصالح. إن مصلحةَ جميعِ المعنيّين، بشكلٍ أو بآخَر بتفجير مرفأِ بيروت، تقضي بأن يَستمرَّ التحقيقُ وتَنجليَ الحقيقةُ، فلا تبقى الشكوكُ الشاملةُ والاتّهاماتُ المبدئيّةُ تحومُ فوقَ رؤوسِ الجميع أكانوا مسؤولين أم أبرياء. وحدَه القضاءُ الحرُّ والجريءُ والنزيهُ يُزيل الشكوكَ فيُبرّئ البريءَ ويُدينُ المسَبِّبَ والمرتكِبَ والمتواطئَ والمهمِل”، مضيفاً: “حريُّ بالجميعِ، مسؤولين وسياسيّين وإعلاميّين، أن يحترموا السلطةَ القضائيّةَ ويَكُفّوا عن الإساءةِ المتعمَّدَةِ إليها في إطارِ ضربِ جميع ركائزِ النظامِ اللبنانيِّ، الواحد تلو الآخر”.
أمّا الكلمة الثالثة فتختصّ بانعقاد مجلس الوزراء، متسائلاً: “بأيّ حقّ يُمنع مجلس الوزراء من الإنعقاد؟ هل ينتظر المعطّلون مزيدًا من الإنهيار؟ مزيدًا من سقوط الليرة اللبنانية؟ مزيدًا من الجوعِ والفَقر؟ مزيدًا من هِجرةِ الشبابِ والعائلات وقوانا الحيّة؟ مزيدًا من تدهورِ علاقاتِ لبنان مع دولِ الخليج؟ لا يجوز لمجلس الوزراء أن يبقى مغيَّبًا ورهينةَ هذا أو ذاك، فيما هو أساسًا السلطةُ المعنيّةُ بإنقاذِ لبنان. وكيف يقوم بواجب مستحقّات المؤسسات الإنسانيّة والإجتماعيّة وزيادة سعر الكلفة، وعدد هذه المؤسسات 400، وفيها 25000 موظّفًا، و 50000 مستفيدًا؟ هذه المؤسسات تقوم بعملٍ هو في الاساس من مسؤوليّة الدولة والسلطة فيها”.
وختم الراعي بالقول: “إنّنا نصلّي مع قداسة البابا فرنسيس من أجل لبنان كي يستعيد قاعدته الأساسيّة التي بُني عليها، وهي “الإنتماء إلى دولة لبنان بالمواطنة لا بالدين”. فتتحقّق أمنية قداسته “بأن يتخطّى اللبنانيّون الإنتماءات الطائفيّة، للسير معًا نحو شعور وطنيّ مشترك. ونرفع نشيد المجد والشكر لله، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.