أرسلتْ إسرائيل قوات خاصة إلى شمال لبنان، في إنزالٍ على شاطئ البترون، لتخطف قبطانَ سفينة تجارية بحرية يُدعى عماد أمهز.
وأثارتْ هذه العملية تساؤلاتٍ حول الأساليب المستخدَمة لتنفيذها، بما في ذلك كيف أَمْكَنَ إسرائيل استخدامَ غواصةٍ طراز «دولفين» لتَجَنُّبِ إحراج دوريات «اليونيفيل» البحرية المنوط بها تطبيق القرار الرقم 1701 في المياه اللبنانية.
وفي المعلومات، أن العملية نفّذها فريقُ خطف أساسي – تم التقاط 17 عميلاً فقط بالكاميرا أثناء المهمة – مع فريق ثانوي كان مولجاً تأمين الشاطئ.
لكن السؤال يبقى: كيف كان بإمكانهم تنسيق انسحابهم؟ وهل كان بإمكانهم الاعتماد على الدعم الجوي للمراقبة أو الاستخراج في حالات الطوارئ إذا واجهوا حزب الله؟
هذه الاعتبارات التكتيكية تعكس التعقيدَ والدقةَ في عمليةٍ حصلت في بيئة خاضعة للمراقبة وغير مُوالية.
وتعتقد مصادر عسكرية قريبة من حزب الله ، قامت بالتحقيق في انتهاك إسرائيل للسيادة اللبنانية، أن غواصةً «دولفين» استُخدمت لنقل ونشْر فريق القوات الخاصة سِراً لتنفيذ العملية العالية الدقة في البترون.
وهذه الغواصة بُنيت على تصميمات الغواصات الألمانية وعدّلتها تل أبيب، وهي واحدة من أكثر المكوّنات تقدماً في بَحريّتها وتلعب دوراً حاسماً في عملياتها الرادعة والإستراتيجية.
صُممت غواصات «دولفين» للعمل في بيئاتٍ عالية الخطورة، بما في ذلك المناطق المعادية أو الخاضعة للمراقبة الشديدة. وتُعتبر أصولاً رئيسيةً لجمْع المعلومات الاستخبارية والتسلّل لدعم قوات العمليات الخاصة مثل «شايطيت 13»، وحدة الكوماندوس البحرية النخبوية، مع القدرة على نشْر الغواصين سراً قرب شواطئ العدو، وهو أمر يكاد يكون مستحيلاً مع الطراد طراز «ساعر»، بسبب خطر اكتشافه.
وباستغلالِ قدرات التخفي التي تتمتّع بها، تجاوزت «دولفين» طرق الدوريات البحرية الرئيسية التي تراقبها «اليونيفيل» البحرية. وبفضل معرفتها لجدول دوريات القوة الدولية في البحر، من المرجح أن الغواصة حدّدت توقيت عمليتها ليتزامن مع فجوةٍ في هذه الدوريات، واختارت فترةً أكثر هدوءاً لتقليل احتمال اكتشافها بواسطة رادارات الجيش اللبناني.
وربما تضمنت العملية أيضاً تكتيكات حرب إلكترونية متقدّمة لمراقبة أو حتى تعطيل أنظمة الرادار التي تَستخدمها الأصول البحرية اللبنانية و«اليونيفيل».
وثمة كلامٌ في دوائر قريبة من «الممانعة» عن أن القوة البحرية الألمانية التابعة لـ «اليونيفيل» في لبنان تتبادل بيانات الاستخبارات العسكرية بشكل مباشر مع إسرائيل، وهو ما يشكّل في رأيها انتهاكاً للسيادة اللبنانية ويقلّل من خطر اكتشاف النزول الإسرائيلي على الساحل اللبناني ويَسمح بمراقبة المجال الجوي والمياه الإقليمية اللبنانية وحتى المَناطق المدنية بواسطة رادارات «اليونيفيل»، ثم نقْل المعلومات إلى إسرائيل من دون مشاورة لبنان، وهو ما من شأنه تقويض الحياد المفترَض من القوات الدولية.
وبحسب هذه الدوائر، تُستخدم المعلومات الاستخباراتية التي تقدّمها «اليونيفيل» عادةً للتخطيط للعمليات أو تحديد الأهداف داخل لبنان، وتدعم العمليات العسكرية الإسرائيلية بشكل مباشر. ونتيجة لهذا، أصبح الوضع الأمني في لبنان محفوفاً بالمَخاطر بشكل متزايد وقد يستدرج ردات فعل من الجماعات اللبنانية، أي «حزب الله»، التي يمكن أن ترى في تَبادُل البيانات هذا تهديداً استخباراتياً خطيراً.
وبموجب القانون الدولي، وفق هؤلاء، يُحظّر على قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة الانخراط في أنشطة قد تخدم طرفاً واحداً في الصراع. وتالياً فإن تقديم معلومات استخباراتية لإسرائيل ينتهك تفويض «اليونيفيل» ويشكل تجاوزات قانونية خطيرة تستدعي مساءلة القوة الدولية والدول المساهمة، وبالأخص ألمانيا، حيال تبادل المعلومات الاستخبارية وانتهاك المبادئ التي تحكم عمليات حفظ السلام.
ووفقاً للمصادر العسكرية القريبة من حزب الله التي قامت بالتحقيق في انتهاك السيادة اللبنانية، فقد أرسلت تل أبيب فريقاً أولياً يضم نحو 17 شخصاً لتنفيذ عملية الخطف ومن المرجّح أن يكونوا من وحدة «شايطيت 13»، والتي تم تدريبها على التسلل البحري.
ولدعم المهمة، تم وضْع فريق حماية إضافي يضمّ ما بين 8 و10 عملاء على الشاطئ أو بالقرب منه كمحيطٍ أمني، ما يرفع العدد الإجمالي للعملاء إلى ما بين 25 و27 من القوات الخاصة. وقد وجد المحققون أدلةً على هبوطِ الفِرَق على الشاطئ.
ونزل الفريقُ الأساسي من الغواصة باستخدام غواصات أصغر حجماً، ما سمح بالاقتراب من الشاطئ.
وكان الفريق الثانوي ينشئ محيطاً على طول منطقة الشاطئ لتأمين مكان الهبوط ومنع المدنيين المحليين أو القوات الأمنية من التدخل. وكان هذا الفريق مزوداً بنظّارات الرؤية الليلية والأسلحة الكاتمة للصوت ومعدات الاتصالات لتوفير التحديثات في الوقت الفعلي والحماية من المواجهات غير المتوقَّعة.
وبمجرد تحديد موقع الهدف، الكابتن أمهز، نفّذ الفريقُ الأساسي عملية الخطاف بسرعة، باستخدام عامل المفاجأة مع الدقة لتجنّب حزب الله أو الشهود غير المرغوب فيهم.
وبعد احتجاز الهدف، عاد الفريقُ الأساسي إلى نقطة الاستخراج الآمنة، بدعمٍ من الفريق الثانوي الذي حافَظَ على الوعي الظرفي. وعاود الصعود إلى الغواصات ونَقل الهدف والعاملين إلى «دولفين» المنتظِرة وذلك بحدّ أدنى من الضوضاء لتجنُّب اكتشافِه بواسطة رادارات السواحل اللبنانية.
وقد استخدموا قوارب مطاطية خفيفة الوزن وخفيّة ذات هيكل صلب أتاحت لهم أن يقطعوا بسرعةٍ المسافةَ القصيرةَ بين الشاطئ والغواصة الأمّ.
ومن المرجَّح أن تكون المراقبةُ الجويةُ أحد الجوانب الرئيسية لهذه المهمة، عبر المُسيّرات أو الطائرات المتمركزة خارج المجال الجوي اللبناني، ولكن على مقربة كافية لتوفير المعلومات الاستخباراتية في الوقت الحقيقي، وذلك في إطار التحسُّب لأي مقاومة غير متوقَّعة، إذ تتيح «المسيَّرات» المزوّدة بالتصوير الحراري تَتَبُّعَ أي قواتٍ لبنانية معادية تقترب وتوفير المراقبة الطارئة إذا تعرّضت عملية الاستخراج للخطر.
وإذا واجَه فريق القوات الخاصة مقاومةً، فلا يُستبعد أن يكون التحوّطُ لهذا الاحتمال اشتمل على إعدادٍ مسبَق لاستخراجٍ طارئ بواسطة مروحيات لابد أنها كانت في وضْع الاستعداد في الأراضي الإسرائيلية، وقادرة على الوصول إلى المياه اللبنانية في غضون دقائق لتوفير الغطاء الجوي أو المساعدة في الاجلاء إذا لزم الأمر.
وبمجرد أن يَصل الفريقُ بأكمله، بما في ذلك أمهز، يفترض أن تكون الخطة اشتملت على أن تغوص «دولفين» لتجنُّب أنظمة الرادار و«اليونيفيل».
وبمجرد غمْرها بالكامل تحت الماء، لا بدّ أن تكون الغواصة لجأت الى «الجري الصامت» بما يقلل من الضوضاء من خلال إغلاق الأنظمة غير الضرورية تلافياً لأي إشاراتٍ يمكن أن تشكل جرسَ تنبيه للأصول البحرية اللبنانية.
وبعدها، من المرجّح أن تكون اتجهت خارج المياه اللبنانية إلى عمق البحر المتوسط، مع الحفاظ على الصمت اللاسلكي وسلوكِ مسارٍ غير مباشر لتجنُّب الاعتراض، باستخدام تكنولوجيا الكشف المضادّ لإخفاء موقعها حتى تصل إلى المياه المفتوحة.
وفي سياق تغطية كل الاحتمالات وأسوأها، يُفترض أن تكون الخطة لحظتْ أنه إذا لزم الأمر، يمكن للأصول السطحية الإسرائيلية الانخراط في مناورات وهمية، باستخدام إشارات الراديو والرادار لمحاكاةِ نشاطٍ إسرائيلي إضافي وتحويل انتباه «اليونيفيل» واللبنانيين بعيداً عن طريق خروج الغواصة، ليس خوفاً من القدرات الضعيفة اللبنانية ولكن للتدريب على عملية مشابهة في أراضٍ معادية تملك قدرات عالية.
وثمة مَن يَعتقد أن مستقبلَ وجود «اليونيفيل» الآن على مفترق طرق. فمهمتها لابد أن تحترم بشكل صارم دور الحياد، وأن تتجنّب أي تعاون يمكن تفسيره على أنه دعم للعمليات ضدّ لبنان.
ومن المرجّح أن يؤدي أي تبادل استخباراتي إضافي مع تل أبيب إلى مزيد من تقويض الثقة في التزام «اليونيفيل» بحفظ السلام، وإثارة الشكوك حول تفويضها، وربما تعريض دورها المستقبلي في المنطقة للخطر.
الراي الكويتية