السجن لمنتقدي إسرائيل وعقوبة أشد لمن يعادي الصهيونية..

مشروع قانون مثيرٌ للجدل وغير مسبوق ذلك الذي قدمه مشرعان في مجلس الشيوخ الفرنسي والذي يهدفان من خلاله إلى تجريم وسجن وتغريم كل من يجرؤ على انتقاد إسرائيل أو معاداة السامية والصهيونية، وتصل العقوبات المقترحة إلى السجن 7 سنوات وغرامة تصل إلى 100 ألف يورو.

مشروع القانون قدمه عضو مجلس الشيوخ عن حزب الجمهوريين ستيفان لو رودولييه في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2024، ويهدف بحسبه إلى “تشديد مكافحة معاداة السامية ومعاقبة معاداة الصهيونية”. وحمل مشروع القانون الذي ساهم في إعداده السيناتور عن نفس الحزب روجي كاروتشي عنوان “تكريس مكافحة معاداة السامية”.

لماذا هذا المشروع الآن؟

في مذكرته التفسيرية، يؤكد لو رودولييه أنه “بات من الضروري إجراء تغيير جذري في الرؤية من خلال اقتراح إعادة كتابة كاملة للقانون الجنائي المتعلق بالأفعال المعادية للسامية”، وهو خطاب يتوافق مع ما تتبناه الحكومة الفرنسية والرئيس إيمانويل ماكرون.

وأشار عضو الشيوخ الفرنسي، ستيفان لو رودولييه، إلى أن “معاداة السامية قد تطورت، حيث تختفي غالبًا تحت غطاء معاداة الصهيونية، وغالبًا ما تتسلل بين شباك ترسانة قوانيننا. لذا يجب أن تتكيف هذه القوانين مع التهديد”.

هذا التعريف مستوحى من ذاك المستخدم لدى التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، (IHRA) والذي تبنته دول كثيرة رغم معارضته بشكل واسع.

ويقترح النص المعروض أيضًا فرض عقوبات أكثر صرامة ضد التحريض العلني على معاداة السامية، بما في ذلك تلك المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتوسيع الجرائم الجنائية لتشمل التصريحات الملتبسة أو التي لا يشملها القانون الحالي.

على سبيل المثال، سيتم تشديد العقوبات على الإهانات والتشهير ذي الطابع المعادي للسامية، وكذلك على الخلط بين المجتمع اليهودي ودولة إسرائيل.

يقول واضعا النص في افتتاحية لهما نشرها موقع “Le Journal du Dimanche” اليمينية إن خطوتهما جاءت “استجابة لانتشار معاداة الصهيونية التي تُعتبر محفزًا لمعاداة السامية”، وهو أمر أكده وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، عندما قال إن “معاداة الصهيونية غالبًا ما تستخدم كغطاء لمعاداة السامية”.

حماية إسرائيل وقمع المعارضين

هذه الفكرة الخاصة بتعزيز مكافحة معاداة السامية من خلال تجريم معاداة الصهيونية أصبحت تُطرح بانتظام من قبل بعض السياسيين الفرنسيين في السنوات الأخيرة، وقد ازداد التركيز عليها في سياق الحرب على غزة وتصاعد التوترات بالشرق الأوسط.

هذا الوضع عزز مخاوف كثيرين من اتخاذ ذلك ذريعة لقمع حرية التعبير وما قد ينجم عنه من انحرافات وتأويلات تعد بمثابة تجريم لتيار فكري ورأي سياسي معارض، خاصة تلك المنتقدة للاحتلال الإسرائيلي ولسياسة الفصل العنصري التي يتبناها.

من بين مخاوف المعارضين لمشروع القانون زيادة الرقابة على الأصوات المعارضة لسياسة إسرائيل، إذ يرون أن بعض البنود قد تُستخدم لتجريم النقاشات السياسية والنقد المشروع.

بالإضافة إلى ذلك، هناك قلق من أن يتم استغلال القانون ضد المجتمع الإسلامي في فرنسا أو التيارات اليسارية التي تنتقد السياسات الإسرائيلية. كما يخشى البعض من عدم وضوح التعريفات المستخدمة في القانون، مما قد يتيح مجالًا لتفسير فضفاض ومتعسف.

سجن وغرامات غير مسبوقة

يرتكز المقترح على عدة محاور رئيسية، أولها تبني تعريف قانوني موسع لمعاداة السامية بالاستناد إلى نص التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA)، والذي يوضح أن معاداة الصهيونية قد تُعتبر أحيانًا شكلًا من أشكال معاداة السامية، إذا تم استخدامها للتشكيك في حق اليهود في دولة خاصة بهم.

في هذا السياق، تجرم المادة الخامسة إنكار أو معارضة وجود دولة إسرائيل أو حق شعب إسرائيل في العيش تحت سلطة سياسية وعلى أرض محددة، وتعتبر ذلك معاداة للصهيونية يستوجب السجن ولغرامة قدرها 45000 ألف يورو.

كذلك، يرمي النص المقترح إلى تشديد العقوبات على جرائم معاداة السامية، إذ يتضمن فرض عقوبات أشد على من يرتكب جرائم كراهية ضد اليهود أو يقوم بالتحريض على معاداة السامية، سواء عبر الإنترنت أو في الفضاء العام، هذه العقوبات تشمل الغرامات المالية والسجن.

وتعتبر مكافحة الخطاب المعادي للسامية عبر الإنترنت من أهم بنود النص المقترح، من خلال محاربة ما يقول إنه انتشار واسع للكراهية ضد اليهود على وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال تعزيز التعاون بين السلطات الفرنسية ومنصات الإنترنت لضمان حذف المحتويات المعادية للسامية بشكل أسرع.

يتضمن المقترح أيضًا نصًا يدعو إلى تعزيز حماية المواقع والمؤسسات اليهودية، مثل المدارس والمعابد، من خلال تعزيز الموارد الأمنية لحمايتها من أي هجمات محتملة، ثم التوعية بضرورة مكافحة معاداة السامية، عبر إدراج تعليم ذلك ضمن المناهج الدراسية، لضمان نشر الوعي حول هذه القضية منذ سن مبكرة.

مسار تشريعي معقد

يُرتقب أن يتم دراسة المقترح في الأيام القليلة المقبلة، ثم مناقشته في جلسة عامة أمام أعضاء مجلس الشيوخ لتقديم الملاحظات، قبل أن يُعرض للتصويت، وإحالته إلى الجمعية الوطنية في حال الموافقة عليه، حيث يتم إجراء تعديلات عليه قبل التصويت النهائي.

نظرًا لتركيبة مجلس الشيوخ الحالية، فإن حظوظ تمرير المقترح تبقى قوية اعتبارًا للحضور الوازن للحزب الجمهوري، وإمكانية اعتماده على دعم حزب النهضة الذي لا يُرجح أن يعارض مضمون النص المعروض، خاصة في ظل السياق الحالي.

في الجمعية الوطنية، حيث تكون الكلمة الأخيرة، يعتمد إقرار النص على التعديلات والملاحظات التي يمكن أن تقدمها أحزاب اليسار وحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف.

إذ رغم امتلاك الجمهوريين وحزب النهضة قاعدة دعم قوية، فإن معارضة تحالف الجبهة الشعبية الجديدة الداعم للقضية الفلسطينية والذي يملك أكبر عدد من النواب للمقترح، قد يُجهض تمريره.

توظيف سياسي لمشروع القانون

فرنسا ليست الأولى التي تستخدم مؤسساتها التشريعية لحماية مصالح إسرائيل تحت غطاء مكافحة السامية، بل سبقتها إلى ذلك عدة دول على رأسها الولايات المتحدة التي اتخذ مجلس نوابها شهر أبريل/نيسان 2024، الاحتجاجات الطلابية ذريعة لإقرار مشروع قانون يرمي إلى توسيع التعريف المعتمد في وزارة التعليم لمصطلح معاداة السامية.

الخطوة التي جاءت قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية، أثارت جدلًا واسعًا وتحذيرات من توظيفها سياسيًا لقمع الحقوق والحريات ومنع انتقاد المسؤولين الإسرائيليين. ويُعد قانون الحقوق المدنية في الولايات المتحدة أحد الأسباب التي تجعل التمييز بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية أمرًا في غاية الأهمية.

واستنادًا إلى المادة السادسة منه، إذا كانت الاحتجاجات مناهضة للصهيونية “لا غير”، فلا يهم مدى تداعياتها. في المقابل، لا يذكر قانون الحقوق المدنية أي شيء عن التمييز على أساس وجهة النظر السياسية.

وبموجب النص، فإن معاداة السامية فقط هي التي يمكن أن تستوجب التدخل الفيدرالي. ومن هنا جاء التشريع الذي أصدره مجلس النواب والذي يحث وزارة التعليم على استخدام تعريف موسع لمعاداة السامية.

حتى اليوم، أقرت ثماني دول أوروبية تعريف التحالف الدولي لذكرى المحرقة لمعاداة السامية، هي رومانيا، والنمسا، وألمانيا، وبلغاريا، وسلوفاكيا، وإيطاليا، والمملكة المتحدة وأيضًا مقدونيا من خارج الاتحاد الأوروبي.

استغلال معاداة السامية والصهيونية

منذ اندلاع حرب غزة، سعت إسرائيل جاهدة لترميم صورتها التي تضررت بشكل كبير جراء الانتقادات التي وجهها إليها الحلفاء قبل الخصوم، حيث باتت في موقف محرج أمام المنتظم الدولي والمؤسسات القضائية المستقلة التي اتهمت بعض سياسييها بارتكاب انتهاكات جسيمة.

هذا ما دفع إسرائيل إلى لعب ورقة المظلومية واستغلال ذلك لدى داعميها للدفع باتجاه إقرار قوانين تجرم انتقاد إسرائيل وتقيد الأصوات المعارضة لقادتها. في هذا السياق، يأتي مشروع القانون الفرنسي لمواجهة المد الشعبي الداعم لفلسطين والتعتيم على الوعي الجمعي بعدالة قضيتهم.

وفق مراقبين، فإن هذا الاستغلال المغرض لقضية معاداة السامية وضرورة مكافحتها في خدمة الإفلات من القانون من طرف دولة تنتهك يوميًا القانون الدولي مسألة بالغة الخطورة، من شأنها تقويض الديمقراطية الغربية في العمق.

سيرة “سيئة” لصاحبي مشروع القانون

بمجرد إعلان لو روديلييه وكاروتشي عزمهما تقديم مشروع القانون المثير للجدل، تناسلت الانتقادات بشأن مدى أهلية عضوي مجلس الشيوخ في ممارسة العمل التشريعي، بل وشكك كثيرون في خلفيات وسياق طرح القانون وسط مخاوف من وقوف إسرائيل عبر لوبياتها بفرنسا وراء الخطوة، ما يعد تدخلًا في عمل مؤسسة دستورية لدولة ذات سيادة.

في هذا السياق استحضر البعض فضيحة ستيفان لو روديلييه، حول تزوير وتضخيم سيرته الذاتية ورسالة الدكتوراه الخاصة به، إضافة إلى توظيفه لمساعد برلماني متورط في قضايا قضائية عديدة.

في يوليو 2022، كشف تحقيق أجرته صحيفة “Le Monde” الفرنسية أن رسالة الدكتوراه التي حصل عليها لو روديلييه تتضمن فقرات منسوخة (أي سرقة علمية)، وهو أمر يعتبر مخالفًا للأخلاقيات الأكاديمية. وقيل أيضًا إنه قام بتضخيم سيرته الذاتية بشكل غير دقيق وملائم ليظهر أكثر احترافية مما هو عليه في الواقع.

كما تعرض لو روديلييه لانتقادات حادّة بسبب توظيفه مساعدًا برلمانيًا كان متورطًا في قضايا قانونية، بما في ذلك شبهات حول تسهيل عمليات عقارية مشبوهة لصالح أقارب المساعد.

هذه الفضائح أثرت على سمعة السيناتور الذي كان يُعتبر من الوجوه الصاعدة في حزب الجمهوريين وكان قد تولى مهام رئيسية، مثل شغله وظيفة المتحدث الرسمي لزعيم الجمهوريين السابق إريك سيوتي خلال حملة ترشحه لقيادة الحزب في 2021.

من جانبه، لا يعد مسار روجيه كاروتشي أكثر نظافة، فالشخصية اليهودية ذات الأصول المغربية المعروف بقربه من الساسة الإسرائيليين، اشتهر بدفاعه الحثيث عن إسرائيل ومصالحها، إذ كان له دور في تعزيز الحوار بين فرنسا وإسرائيل، رغم إظهاره التمسك بالموقف الفرنسي التقليدي المتمثل في دعم حل الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

أدوار المشرع تعكس بجلاء تأثير اللوبي اليهودي بفرنسا لصالح دعم إسرائيل والدفاع عن مصالحها.

وواجه السيناتور فضائح أثرت على سمعته، أبرزها التضليل المالي في عام 2021، حين تم الكشف عن معاملات مشبوهة تتعلق بمشاريع عقارية. كانت هذه المعاملات محل تدقيق من قبل السلطات المالية، وتم الاشتباه في أنه قام بعمليات تضليل مالي تستهدف تحقيق مكاسب شخصية غير مشروعة.

تضمنت التهم الموجهة إليه إدارة أموال بطريقة غير قانونية، بالإضافة إلى استخدام منصبه لتحقيق مصالح شخصيّة. وُجهت إليه انتقادات حول كيفية إدارة الأموال العامة، حيث كان يُعتقد أنه استغل مركزه السياسي في هذه المعاملات.

عربي بوست

شاهد أيضاً

اتفاق لبنان وإسرائيل: مفاوضات في الظل بين نتنياهو وهوكستين وترقّب لدور ترمب

جاء في صحيفة “الشرق الاوسط” : على الرغم من اللقاءات الكثيرة التي أجراها، آموس هوكستين، …