كتب نقولا ناصيف في “الأخبار”:
قد تقع الحرب الواسعة لأن احد طرفيْها يدعو الآخر الى رقصة يتقنانها معاً وجرّباها اكثر من مرة. وقد لا تقع لانهما يكتفيان باستنفار ذروة ما يملكان من دعاية لفعلٍ لن يحدث.مع انه يقول بتحسّبه لها في اي حين، بيد ان الملاحظات التي يبديها حزب الله تفترض استبعادها في مدى قريب، وقد لا تقع ابداً:
1 – لن يتعدى ما يجري بين الحزب واسرائيل السقف المرسوم والمتفق عليه فوق ارض المعركة، وهو مسافة خمسة الى سبعة كيلومترات في جانبيْ الحدود. بدأ بالقصف لاستهداف المقاتلين والجنود والتجمعات والمقار، ثم راح يطاول المباني والمنشآت، ثم الافراد المدنيين، واخيراً بدآ لعبة تبادل احراق الاراضي. ذلك هو الاقصى. تالياً لا ذهاب الى حرب شاملة.
2 – يتمسّك حزب الله بحججه للمضي في حرب غزة وربط ما يجري في جنوب لبنان بما يجري في جنوب اسرائيل. الساعة الصفر واحدة لدى الجبهتين. ما ان يعلن وقف النار في غزة، يسري للتو في جنوب لبنان. احدى ابرز الحجج المعزوّة الى الاصرار على ابقاء المواجهة مفتوحة مع اسرائيل، سوى الوقوف الى جانب حماس لئلا يكون حزب الله «الثور الابيض» في اليوم التالي، تدني مستوى التشنج الشيعي – السنّي في لبنان والمنطقة منذ اندلاع حرب غزة الى نحو غير مسبوق، للمرة الاولى منذ احتلال العراق عام 2003، واغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 ومشاركة الحزب في الحرب السورية عام 2013، إذ يُنظر الى دوره في حرب غزة كدافع رئيسي لاعادة الاعتبار الى القضية الفلسطينية.
3 – متيقناً من وقف النار في غزة في نهاية المطاف، الا ان لا عودة الى قواعد الاشتباك الحالية النافذة منذ عام 2006. اول عهده فيها، قواعد اشتباك عام 2000 على اثر التحرير وُضعت حينذاك تبعاً لقاعدة موازية: مزارع شبعا في مقابل مزارع شبعا واستهداف مدنيين في مقابل استهداف مدنيين. استقر الخط الازرق ما خلا حوادث في المزارع. بعد حرب تموز 2006 في ظل القرار 1701 اعيد احياء قواعد الاشتباك نفسها وتوازن الردع، الا ان الانتهاكات الجوية الاسرائيلية تفاقمت. سرعان ما ادخل الحزب تعديلات عليها مذ تدخّل في حرب سوريا وانتقال المواجهة بينه وبين اسرائيل الى الاراضي السورية. استهدفت الدولة العبرية مقاتليه وتجمعاته ومراكزه ومخازنه، فأضاف الى قواعد الاشتباك السارية في لبنان: اذا ضُرب في لبنان يرد من لبنان، واذا ضُرب في سوريا يرد من لبنان.
4 – لأن لكل مرحلة عدّة شغلها وقواعد اشتباك خاصة بها متفق عليها، فإن لما بعد الساعة الصفر لوقف النار في الجنوب بالتزامن مع غزة، قواعد اشتباك مُطوِّرة لتلك النافذة منذ عامي 2000 و2006: حدّها الادنى المقبول العودة الى ما كان سارياً بين عامي 2006 و2023، وحدّها الاقصى المطلوب بتّ النقاط الحدودية المختلف عليها بما فيها قرية الغجر ووقف الانتهاكات الاسرائيلية الجوية ذهاباً الى مزارع شبعا. هي محور التفاوض اللاحق مع حزب الله بين الرئيس نبيه برّي والموفد الاميركي الخاص اموس هوكشتاين.
5 – لأنه لم يقلْ مرة منذ صدوره عام 2006 انه يقبل بالقرار 1701 او يرفضه، تصرّف حزب الله حياله على انه ابن المعطيات القائمة عند التوصل الى وقف النار في آب عامذاك. كما اسرائيل، رامَ وقف العمليات العسكرية وهو البند الوحيد المطبق مذذاك في القرار حتى الوصول الى 8 تشرين الاول 2023 غداة اندلاع حرب غزة. وضع القرار 1701 بموافقة المجتمع الدولي والحكومة اللبنانية الغطاء السياسي لقواعد اشتباك كرّستها في ما بعد الممارسة الميدانية ومعادلة المعاملة بالمثل على الارض بين طرفيْ المواجهة. فرضت اسرائيل انتهاكاتها الجوية، ففرض الحزب وجوداً عسكرياً غير منظور في منطقة عمليات قرار مجلس الامن وانتداب القوة الدولية والجيش اللبناني. كلاهما ظلّ يتأهب لمفاجأة ما في مرحلة لاحقة.
6 – المقاربة الحالية لحزب الله للقرار 1701 انه غير موجود. الاشتباكات اليومية تدور من النقطة الصفر التي هي الخط الازرق والحدود الدولية وليس من وراء شمال نهر الليطاني. كاسرائيل يتعامل معه. تالياً ليس قصفه المستوطنات والتجمعات والثكن ومقار القيادات العسكرية الاسرائيلية سوى تعبير عن انتهاكه – هو بدوره – القرار على نحو ما تفعل هي بقصف منطقة عمليات الجنود الدوليين واستهداف المدنيين والبلدات والاحراج.
الى ان يبدأ التفاوض الجدّي، لا وجود في حسبان حزب الله للقرار 1701 ما ان تجاوزه فتح جبهة الجنوب للانضمام الى جبهة غزة.