بالوثائق فضيحة تطال اللواء عثمان…

كتبت فتات عيّاد في موقع بيروت تايم

لم يحظَ شمول مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بتمديد السن القانونية لتقاعد قادة الأجهزة الأمنية، بالإهتمام نفسه الذي حظي به التمديد للعماد جوزف عون. وحدهم “عسكر الفرار” في قوى الأمن، كانوا يترقبون التمديد لعثمان بحذر، لارتباط وضعهم الحقوقي بل الإنساني بالمدير العام لقوى الأمن الداخليّ المناط به مباشرة الموافقة على طردهم كمخرج للتسريح. طرد مجمد منذ انهيار عام 2019 مع تجديد قسري لعقودهم، وهو ما تسبب بمآس إنسانية جمة، مثل حرمان من التحق بهم بعمل في الخارج لتأمين حياة كريمة لأهله، رؤيتهم قبل الوفاة، وذلك بسبب ملاحقته بجرم جنحة الفرار التي تطارده بمجرد أن تطأ أقدامه أرض لبنان.

وعلى عكس عثمان، الملاحق قضائياً بتهم فساد وإساءة استخدام السلطة، ويعيش غبطة تأخير تسريحه لعام إضافي، يمدد فيه لـ”حصانته” على رأس المؤسسة الأمنية، كان “عسكر الفرار”، وهم قرابة 1000 عسكري من أصل 26 ألفا، محرومين حقهم بالتسريح ولو بالطرد بعد انهيار رواتبهم، في حين أن اللواء عثمان الذي عبّر عن “خشيته من أن تؤثر السياسة على الأمن”، في تصريح له في آب الماضي، كان طيلة الأزمة يسرّح محظيين في قوى الأمن بوساطات حزبية من تحت الطاولة، تنشر “بيروت تايم” قرارات تسريح عدد منهم بالأسماء، علماً أن آخر القرارات الموقعة كان منذ 11 يوما فقط، أي بعدما مدد لعثمان ونهجه في قوى الأمن الداخليّ.

موازنة 2019 أو “الموازنة اللعنة”

العام 2019 بدأت مأساة العسكر في لبنان. فالسلطة لم تكتفِ بوضع العناصر من جيش وقوى أمن داخلي في مواجهة الانتفاضة وحسب، بل كان عليهم أيضاً خوض مواجهة من نوع آخر. فعلى وقع خسارة الليرة اللبنانية 95% من قيمتها، تدهورت رواتب عناصر قوى الأمن إلى حدود دنيا، بلغ راتب العسكري 130 دولارا، فلم يعد يكفيه للمأكل حتى لأيام، فكيف بالطبابة التي ما زالت تؤمنها مؤسسة الجيش حتى بعد الانهيار، على عكس قوى الأمن الداخليّ؟

المواجهة استتبعت بتحميل العسكر عبء تسيير الأمن في أوج الإنهيار المالي بما سيعرف لاحقا بالمادة 78 من موازنة 2019، والتي ستجبرهم على البقاء في السلك سواء كانوا متطوعين يرفضون تجديد عقودهم (تجدد العقود يحصل كل عامين أو 3 أعوام بموافقة العسكري)، أو مستحقي التقاعد، ممن أتموا 18 عاما من الخدمة( لتصبح 23 عاما).

ونصت المادة 78 من القانون رقم 144 بتاريخ 31/7/2019 التي ستحدد مصير العسكر، على أنه خلافاً لأي نص خاص أو عام، تجمد طلبات الإحالة على التقاعد، في ما خلا حالة بلوغ السن القانونية والحالات التي ترعاها أحكام المادة 39 من نظام الموظفين والحالات التي يرعاها قانون الدفاع الوطني، المادة 51 البندان 2 و3 بالنسبة للضباط والمادة 57 البندان 4 و6 بالنسبة للرتباء والأفراد لمدة ثلاث سنوات من تاريخ نفاذ هذا القانون”.

وفي حين استثني الضباط الذين يسرحون بمرسوم من وزير الداخلية، كان العسكر من أفراد ورتباء، ذوو الرواتب الدنيا، والذين يشكلون 80% من قوى الأمن، الذين يسرحون بقرار من اللواء عثمان، الضحايا المباشرون للانهيار. فحتى بعد انقضاء مدة الثلاث سنوات التي حددتها المادة عام 2022، ورغم عدم تطرّق الموازنات اللاحقة إلى المادة 78، إلا أنه ما زال يعمل بها إلى اليوم برفض تسريح العسكريين الفاريين، مقابل تجديد عقودهم “غيابيا”.

وترافقت المادة 78 مع المادة 80، والتي تنص على “وقف التوظيف والتعاقد في الإدارات والمؤسسات العامة”. فكان لتغني السلطة بالأمن الممسوك (نسبيا)، كلفة باهظة على العسكر، حيث سجلت حالات انتحار في قوى الأمن الداخلي (5 حالات خلال العامين الأخيرين)، وفرّ قرابة 1000 عسكري (منذ العام 2019). والفرار من الخدمة يعني حكما الوقوع في عقوبة “جنحة الفرار” وتحويل العسكري لمحكمة عسكرية، وكسر رتبته أمام مجلس تأديبي. لكن ما الذي يحصل على أرض الواقع؟ وكيف يتم الطرد الاستنسابيّ؟

كيف يحصل الطرد الاستنسابي؟

ويحوّل عسكر الفرار إلى المحكمة العسكرية، حيث يصدر بحقهم قرار غيابي بالسجن، لارتكابهم جنحة، فيحالون بعدها الى المجلس التأديبي ثم الهيئة التأديبية حيث يتم كسر رتبتهم.

ووفق مصادر “بيروت تايم”، يحصل الطرد الاستنسابي، لدى تحويل العسكري للمجلس التأديبي. فإذا صدرت عقوبة بكسر رتبته درجة لا الطرد، يقوم اللواء عثمان باستئناف القرار، فبمجرد الاستئناف، يأتي القرار دائما بالطرد. والطرد هو أحد مخارج التسريح وفق المادة 17 من قانون قوى الأمن.

أما العسكر غير “المحظيين”، فما زالت عقودهم تجدد غيابيا، وترفض استقالاتهم مرارا، ويؤجل تحويلهم للمجلس التأديبي، بهدف تأخير عقوبة الطرد، فيبقون بالإسم في مؤسسة قوى الأمن، لكنهم لا يقومون بالخدمة فعليا، إلا أن مصيرهم يظل مربوطا بقرار طردهم المعلق من قوى الأمن الداخليّ.

هكذا يقع الأفراد والرتباء تحت رحمة اللواء عماد عثمان: فعلى قاعدة ناس بسمنة وناس بزيت، من تتوسط الأحزاب له لدى عثمان، يسرّح بعقوبة الطرد ومن لا “واسطة” لديه لدى عثمان، يبقى أسير جرم الفرار.

الوساطة أعلى من القانون

استنسابية عثمان بطرد عساكر على حساب آخرين، وهو تعسّف باستعمال السلطة كما يصفه محامون متابعون لملف عسكر الفرار، يضاف برأيهم للتفسير الخاطئ للمادة 78 التي نصت عليها في موازنة العام 2019. ففي ظل انتهاء مدة الثلاث سنوات لوقف التسريح، ما زال يعمل بها إلى يومنا هذا.

لكن وبالعودة إلى هذه المادة بالتحديد، يتضح أن عثمان نفسه لم يطبقها خلال مهلة نفاذها قانونيا إلا “على ناس وناس”، وهو ما يثبت أن المعيار الوحيد للتسريح عبر الطرد لدى عثمان، هو الوساطة، ولو على حساب القانون.

تظهر المستندات التي حصلت عليها بيروت تايم بالأسماء والتواريخ ورود قراري تسريح خلال تلك المدة، قرار عام 2020 وقرار عام 2021.
وفي حالة القرار رقم 702 بتاريخ 9/10/2020: طرد من الخدمة في قوى الأمن الداخلي العريف ماريو حميد كيروز رقم 40453 من فوج التدخل السريع. وكذلك في القرار رقم 278 بتاريخ 17/5/2021، طرد من الخدمة في قوى الامن الداخلي الرقيب مخايل غناطوس رقم 49224 من مخفر ضهور الشوير.

فكيف تم تسريح كيروز وغناطوس عبر الطرد، في ظل سريان المادة 78؟ وكيف يقبض عثمان على مصير قرابة 1000 عسكري تحت حجة تطبيق هذه المادة التي سقطت مفاعيلها منذ العام 2022؟ فيما هو نفسه لم يطبقها خلال نفاذها قانونيا؟ وهنا يتضح أن عثمان لم يستنسب بقرارات الطرد وحسب، بل أيضا بتنفيذ القانون!
عثمان الممدد له عبر مجلس النواب، سائر على خطى الوساطة الحزبية في قرارات الطرد. ووفق معلومات “بيروت تايم”، فللأحزاب “كلها” حصة في قرارات الطرد، وآخرها، قرار الطرد رقم 22 بتاريخ 15/1/2024 أي منذ 11 يوما فقط للرقيب الأول جيرار جريج رقم 51027 أحد رتباء مكتب مكافحة الإرهاب في الشمال.

الأحزاب: كلها يعني كلها

وفيما يلي قرارات الطرد الأخرى التي حصلت عليها “بيروت تايم”:

قرار رقم 427 بتاريخ 17/6/2022، طرد الدركي جورج لبوس رقم 51162 من سرية السجون المركزية،
قرار رقم بتاريخ 19/10/2022، طرد الرقيب أول حسن غندور رقم 50851 من مخفر ضهور الشوير.
قرار رقم 37، بتاريخ 17/1/2023، طرد الدركي كيفورك خاجي رقم 37633 من فوج الاطفاء اعتبارا من تاريخ صدور هذا القرار.
قرار رقم 58، بتاريخ 27/1/2023 طرد المؤهل طوني فرنسيس رقم 28591 من قسم المباحث العلمية.

الواسطة… دخولا وخروجا

وكما الوساطة الحزبية كانت عاملا حاسما في إدخال عناصر إلى قوى الأمن على حساب الكفاءة، فالوساطة أيضا هي العامل الحاسم اليوم في تسريح العسكر عبر الطرد. وللمفارقة، فالأحزاب نفسها التي دمرت الإدارة، وجعلت الوظيفة العامة عبئا على أصحابها، تسرّح بالوساطة أزلامها على حساب عسكر لا وساطة حزبية له.

وفي حين يعتبر التجديد القسري للعسكر ورفض استقالاتهم مساً بحقوق الإنسان ومبدأ حرية التعاقد وهي من صلب الحقوق الدستورية… تصبح المظلومية مضاعفة بتسريح عسكري فار، على حساب آخر، لم يكن ليفرّ ربما لولا أن هناك فاسدين دمروا القطاع العام، أو لو أتى تأجيل تسريحهم في حالات الحرب أو إعلان الطوارئ كما يلحظ قانون الدفاع الوطنيّ. أما وقد أتى “احتجازهم” كمخرج للمنظومة لتسيير مؤسسات الأمن في عز الانهيار الذي تسبب به فاسدون، فهي طعنة أخرى للعدالة في لبنان.

فأن يحاكم بجرم الفرار من اضطر للفرار على وقع الأزمة، ويمنع عنه الطرد ممن يرأس قوى الأمن، وهو نفسه لا يمثل أمام القضاء بتهم فساد وسوء استخدام سلطة موجهة إليه، وجديده الاستنسابية في تطبيق قوانين الطرد، لهو تثبيت بأن القانون في لبنان لا يقو إلا على الضعيف، وبأن الضعيف في لبنان، هو المواطن الذي لا حزب له.

شاهد أيضاً

عصابة سلب ونشل وسرقة تنشط في العاصمة..أوقفتها مفرزة استقصاء بيروت..

صدر عن المديريّة العامّة لقوى الأمن الدّاخلي – شعبة العلاقات العامّة البلاغ التّالي: في إطار …