لفت العدد المتزايد من قتلى الجيش الإسرائيلي بنيران صديقة، أنظار المراقبين للحرب الجديدة بين إسرائيل وحماس، التي اندلعت بعد هجوم الأخيرة في السابع من تشرين الأول الماضي على إسرائيل.
ومن بين 170 جنديا إسرائيليا قتلوا في غزة حتى نهاية العام 2023، سقط 29 منهم إما برصاص زملائهم الجنود أو ماتوا في حوادث متفرقة تسبب بها الجيش الإسرائيلي، وفقا لبيان سابق للجيش الإسرائيلي تناقلته وسائل إعلام إسرائيلية.
وقُتل جنود إسرائيليون في غارات جوية شنتها الطائرات الإسرائيلية ومنهم من قٌتل إثر إصابته بشظايا متفجرات، كما دهست مركبات مدرعة إسرائيلية بعضا من جنودها دون قصد، وأصيب كثيرون بنيران الدبابات.
وفي كانون الأول الماضي، لقي 13 عنصرا حتفهم بنيران صديقة، في غارات جوية وقصف للدبابات وإطلاق نار”، وفقا لبيانات متفرقة أصدرها، الجيش الإسرائيلي.
وخلال نفس الفترة، قٌتل عنصران في حادث دهس مركبات مدرعة تابعة للجيش، فيما قتل جنديان آخران بعد إصابتها بشظايا لمتفجرات أطلقها الجيش الإسرائيلي.
وقالت شبكة “إن بي سي” الأميركية في تقرير لها تعليقا على هذه الحوادث إن “ما يقرب من 1 من كل 5، أو 17%، من إجمالي خسائر إسرائيل من الأرواح البشرية، لم تأت من حماس”.
كثيرا ما يتسبب القتال في المناطق الحضرية في أخطاء تقنية قد يرتكبها الجنود تتسبب في مقتل زملائهم، لكن أغلب الدول لا تنشر بيانات عن القتلى بسبب النيران الصديقة.
الإذاعة الأميركية العامة “أن بي آر” قالت -في نفس السياق- إن ما يقرب من 20بالمئة من القتلى العسكريين الإسرائيليين منذ بدء الحرب في غزة، كانت ناجمة عن نيران صديقة.
تقرير “أن بي آر” كشف أن 36 قتيلا من أصل 188 قتلوا بنيران صديقة، ونقل عن خبراء قولهم “إنها واحدة من أعلى النسب في التاريخ العسكري الحديث”. فما سبب ذلك؟.
يقول مدير مركز الدراسات السياسية والعسكرية بمعهد هدسون، ريتشارد وايز، إن “السبب الرئيسي وراء ارتفاع عدد القتلى الإسرائيليين بنيران صديقة هو الانتشار المتقارب جدا نظرا للمساحة الضيقة في غزة”.
في اتصال مع موقع “الحرة”، شدد وايز على أن “هذه الظاهرة تتكرر كثيرا عند القتال في مناطق حضرية، بها كثافة سكانية مرتفعة مثل غزة”.
وتبلغ الكثافة السكانية في غزة حوالي 14000 نسمة لكل 5500 كيلومتر مربع، وفق وكالة أسوشيتد برس، التي أكدت في تقرير سابق لها أنه “لا يوجد في القطاع سوى عدد قليل من المساحات المفتوحة، بسبب غياب التخطيط والزحف نحو المدينة”.
واعتبر جيمس ستافريديس، وهو أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق في حلف الناتو، وفق “أن بي سي نيوز” أن “معدل القتلى من النيران الصديقة، مرتفع جدا رغم حدوثه في منطقة حضرية كثيفة للغاية” في إشارة إلى أن هناك أسبابا أخرى غير الكثافة السكانية.
ستافريديس قال أيضا “أعتقد أن الإسرائيليين سوف ينظرون بجدية إلى هذه الحوادث لمحاولة استخلاص الدروس وخفض هذا المستوى من النيران الصديقة”.
وايز كذلك، لم يتوقف عند الكثافة السكانية بل قال لموقع الحرة إن “هناك أسبابا أخرى بينها عامل المباغتة الذي ينتهجه مسلحو حركة حماس التي تصنفها واشنطن على قائمة الإرهاب، عندما يخرجون بشكل مفاجئ من الأنفاق ما يجعل الجنود الإسرائيليين يطلقون النار بعشوائية “تصيب في كثير من الأحيان زملاءهم”.
ويقول تقرير سابق لوكالة أسوشيتد برس إن “متاهة واسعة من الأنفاق، التي بنتها حماس وتمتد عبر أحياء مكتظة بمدينة غزة، تهدف لإخفاء مسلحيها وترسانتها الصاروخية وأكثر من 200 رهينة تم احتجازهم، تمكنهم من مباغتة الجنود الإسرائيليين بشكل مستمر”.
ويرى التقرير أن “تطهير هذه الأنفاق سيكون أمرا حاسما إذا ما كانت إسرائيل تسعى لتفكيك حماس”.
وتعد “حرب الأنفاق” كما وصفها التقرير من أكثر الحروب صعوبة، حيث يمكن للطرف الذي أنشأ الأنفاق أن يختار المكان الذي ستبدأ فيه المعركة، وغالبا ما يحدد كيف ستنتهي، نظرا لخياراته الواسعة في نصب الكمائن.
ويقول وايز إن “نوعية القنابل التي تستخدمها إسرائيل، ربما وراء تصاعد عدد القتلى من جنودها، حيث يتم إطلاقها بطريقة غير دقيقة ما يجعل الجنود الإسرائيليين عرضة لها”.
وتشمل القنابل التي تستخدمها إسرائيل، تلك التي تزن 900 كيلوغرام “الخارقة للتحصينات” والتي قتلت المئات في المناطق المكتظة بالسكان.
وحوادث النيران الصديقة، التي يشار إليها أحيانا باسم “fratricide”، تسجل حتى بالجيوش الأكثر تدريبا في العالم.
ووجدت الكلية الحربية الأميركية في دراسة أجريت عام 1999 أن “حالات القتل بالنيران الصديقة تميل إلى الارتفاع مع التقدم في التكنولوجيا”، حيث تضرب الجيوش أهدافا من مسافات أبعد دون أن تكون قادرة دائمًا على التمييز بين الصديق والعدو”.
ويرى وايز أن “تتم معالجة هذه الإشكالية بتكثيف استخدام تكنولوجيا أدق تسمح بتحديد مواقع الجنود الزملاء، وتحصينهم من النيران الصديقة”.
ويقول: “يجب إيجاد نوع من الأجهزة التي تصاحب المقاتل وتعطي إشارة للقيادة تلقائيا حتى لا يتم استهدافه”.
وايز عاد ليؤكد أن “إيجاد حل نهائي لهذه الظاهرة شبه مستحيل في الظروف الحالية بغزة، مشيرا إلى أن التدابير الاستعجالية تتمثل في توخي الحذر والبناء على التجارب التي حصّلها الإسرائيليون منذ بدء الحرب ولا سيما برا”.
وختم: “أعتقد أن المسألة بحاجة إلى وقت أكثر”.
الحرة