رّد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على مداخلات النواب حول الموازنة. وجاء في كلمته:
“على مدى يومين استمعت الى مناقشات السادة النواب وأرائهم واقتراحاتهم والقسم الأكبر منها بناء ويساهم في تصحيح ما يجب تصحيحه، على قاعدة التعاون المثمر بين الحكومة والمجلس النيابي، لما فيه خير المواطن ومصلحة الدولة وحسن سير عمل المؤسسات. وحبذا لو تستمر المناقشات بهذا النهج البناء، لأن الوطن يخصّنا جميعا، والحكومة والمجلس النيابي هما ضمانة الدولة، وجميعنا في منزل واحد وتحت سقف واحد، اذا تصدّع، لا سمح الله، فسينهار علينا جميعا.
ولكن هناك من يَعتقد أنَّ بقاءَه في المشهد السياسي مرهونٌ بِتَشْغيلِ آلةِ الشَّتْم وقِلَّةِ اللياقةِ وإثارة النعرات، ظنًا منه أنه يستدرجنا للردِّ عليه باللغة نفسها. وقد فاتهُ أنه لا يستحق لا مديحاً ولا هجاء.
دولة الرئيس
اليوم نحن في جلسة مناقشة الموازنة وهي من أهم أولويات الحكومات لأنها تؤمن بالدرجة الأولى الانتظام المالي للدولة ، وإقرارها هو أيضا من اهم مهام المجلس النيابي لتأمين استمرارية المرفق العام وانتظام حسابات الدولة، ولكي يكتمل المسار الديمقراطي السليم.
فهذا العمل البرلماني أصبح أخيراً محطة للمبارزات الإعلامية، خصوصا اذا ما نظرنا بموضوعية الى جوهر التعديلات التي يصار الى اعتمادها خلال المناقشات. فالاختلاف في المنطلقات ووجهات النظر ضمن الإطار المنطقي للمواضيع المطروحة، هو من طبيعة العمل وموجباته، لكن البعض يصنّفه في خانة الاعمال الكارثية ،لكي يبني مجدا زائفا عليها.
ما لفتني خلال المناقشات محاولة البعض تحويل الانظار عن مسؤوليته المباشرة، ومسؤولية السادة النواب بانتخاب رئيس جديد للبلاد، بتوجيه الاتهامات الى الحكومة واليّ شخصيا بمصادرة صلاحيات فخامة الرئيس والانقلاب على الدستور، وهذا أمر لا يمكن السكوت عنه والمرور عليه مرور الكرام، خاصة وأنني اشدد في كل جلسة لمجلس الوزراء على ضرورة إنتخاب رئيس جديد.
السلوك الذي أعتمده في هذه المرحلة بالذات يتوافق مع ما قرره أعلى مرجع دستوري في البلاد، وهو المجلس الدستوري، الذي اصدر قرارا تحت الرقم 6/2023، وحسم بموجبه مسألة دستورية جلسات الحكومة، كما ودستورية الآلية المعتمدة لعقدها، وكيفية اتخاذ القرار في مجلس الوزراء.
دولة الرئيس
إن اي حجة لتعطيل مجلس الوزراء واهية. يقولون إنكم رفضتم مشاريع قوانين من الحكومة التي سميت في حينها بتراء، والاسباب كانت في غياب مكوّن لبنان بأكمله عن مجلس الوزراء. اليوم الحكومة ميثاقية وكاملة، وعندما حاجتهم بذلك قالوا: ليس كل من يصّلب على وجهه مسيحي. وهذا القول معيب ويشكل اهانة للوزراء المشاركين في الحكومة ولحضورهم وللعمل الكبير الذي يقومون به، فيما سواهم يطرح الحجج للتعطيل، ليس الا.
إن مسؤوليّة رئيس مجلس الوزراء تَعني تَحمّل التَبعة، والتبعة مُرتبطة بالـسّلطة، فمن غير المنطق وغير المقبول القول بمسؤولية رئيس الحكومة وغض النظر عن الصلاحيات والسلطة التي منحه اياها الدستور، فالسلطة والمسؤولية مُتلازمتان ويُكمّلان بعضهما البعض.
وفي مقابل المسؤولية التي أتحملها، وبحسب المادة /64/ من الدستور، فإنني رئيس حكومة كل لبنان ومسؤول عن تنفيذ سياسة الحكومة العامة، له حق القيادة والسلطة على مجلس الوزراء والوزراء والإدارات والمؤسسات العامة، ومُراقبة تنفيذ هذه السياسة والإشراف عليها. ولهذا السبب تلقيت السهام الموجهة من بعضهم الى الحكومة بمجموع أعضائها، أي عن كل الوزراء.
ورغم أن اجتماعنا ينحصر بمناقشة مشروع الموازنة ونحن لسنا أمام مناقشة عامة، ولكن ردّاً على ما اثار حفيظة البعض، تطفلاً ومن غير وجه حق، ومن المنطلق المذكور عينه، بادرت، وسأبقى مبادراً، لتوجيه الكُتب اللازمة إلى الوزراء عند الاقتضاء، لحملهم على القيام بواجباتهم، لأن أي تقصير يتحمل تبعاته رئيس مجلس الوزراء.
عوضا من لعن الظلام، المطلوب اضاءة شمعة ، وهذا ما نحاول ان نفعله، ولا نزال عند رأينا أن انتخاب الرئيس أمر ضروري وعاجل لاستقامة عمل المؤسسات الدستورية وانتظامه بالكامل.
وعليه سأستمر بالقيام بكلّ ما هو متاح بحكم الدستور ويمليه عليّ ضميري الوطني والمصلحة العامة وتأمين استمرارية سير المرافق العامة، مع التذكير بأن أي تقصير قد يُرتكب من أي وزير في حكومتي سيَنسحب حُكماً على الحكومة ورئيسها، ويُشكّل اخلالاً بالواجبات المُترتبة عليها.
كما أن هذا الأمر يعرّض الحكومة كلّ الحكومة، رئيساً وأعضاء، للمُساءلة. والمفارقة أنه عند كل ازمة توجه الينا الاتهامات بالتقصير والمطالبات بمعالجة المشكلات ، وعندما نقوم بواجبنا نتهم بالاعتداء على صلاحيات رئيس الجمهورية.
دولة الرئيس
في سياق المناقشات أيضا سمعنا إتهامات للحكومة بتسليم قرار البلد الى أطراف سياسية، وهذا الاتهام غير صحيح على الاطلاق. موقفنا الثابت والمكرر يركز على الإلتزام بكلّ القرارات الدولية والاتفاقات، منذ اتفاق الهدنة الموقع عام 1949 وصولا الى القرار 1701 وكل القرارات الدولية ذات الصلة. كما أننا نكرر مطالبتنا بوقف إطلاق النار في غزة، لكونه المدخل الالزامي لكل الحلول. وهذا الموقف ينطلق من واقعية سياسية تفرض ذاتها، ليس على المستوى اللبناني فحسب، إنّما في البعدين الإقليمي والدّولي.
منذ اليوم الأول لبدء حرب غزة، اعلنت أن قرار الحرب ليس بيدنا بل بيد اسرائيل، وسيعرف المنتقد والمؤيد من اللبنانيين فحوى هذه الرسالة، ونحن طلاب حل ديبلوماسي برعاية الامم المتحدة.
دولة الرئيس
ضمن المراسلات الأخيرة بيني وبين وزير الخارجية الأميركية، وردا على رسالة عاجلة أجبته بالموقف الرسمي الذي يتلخص بالعمل لتحقيق الاستقرار المستدام والطويل الأمد في المنطقة، والذي يمكن تحقيقه، كما اوردت في رسالتي الجوابية من خلال الخطوات التالية:
اولا: فرض وقف دائم للحرب في غزة لتأمين المساعدات الإنسانية لسكان غزة المحاصرين، ما سيسمح بإعادة عقد جلسات التوسط لتبادل الأسرى والمحتجزين.
ثانيا: إعادة عقد اجتماعات ثلاثية لحل النزاعات المتبقية بين لبنان وإسرائيل من خلال تنفيذ كل معاهدات وقرارات الأمم المتحدة، بدءاً من معاهدة وقف إطلاق النار في عام 1949 وصولاً إلى تنفيذ القرار الأممي الرقم 1701.
ثالثا: مبادرة دولية لحل دائم للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي وإحياء مبادرة الدولتين التي ستضمن حقوقا عادلة وشاملة للفلسطينيين وأمنا مستداما للإسرائيليين.
وعليه نحن ملتزمون بأن نبعد الحرب عن لبنان. ويبقى النهج الديبلوماسي والتفاوضي هو المدخل الحقيقي والضامن لتحقيق الإستقرار الدائم بدءاً من وقف العدوان على غزّة والشروع في حلّ عادل ومنصف للقضية الفلسطينية يرتكز بشكل أساسي على إقامة الدولتين. كما أننا نجدد مطالبة المجتمع الدولي بوقف الانتهاكات والاستفزازات والاعتداءات الاسرائيلية على لبنان.
دولة الرئيس في موضوع النازحين:
إن الحكومة لم توفّر جهدا الا واثارت هذا الملف في كل المحافل الدولية، وفي كل جلسة للحكومة نبحث هذا الملف سعيا لإيجاد الحلول المرجوة. فقد وصلتني المعطيات الأخيرة من منظمة الهجرة التابعة للأمم المتحدة وتقوم المديرية العامة بترتيبها ، والقيام بكل الاجراءات الضرورية للتخفيف من هذه المعاناة.
دولة الرئيس
حتما إن هذه الموازنة ليست الموازنة المثالية في الظروف الطبيعية، لكنها موازنة تتماهى مع الظروف الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والدولية التي يمر بها لبنان، من دون أن ننسى المناخات السلبية الاقليمية التي أثرت على مجمل الحركة في البلد وحرمت الدولة الكثير من الموارد والايرادات.
سعينا ولا نزال للإنقاذ ومعالجة الازمات المتلاحقة منذ العام 2019 وابرزها توقف المصارف وكوفيد وانفجار مرفأ بيروت، كما نعمل على حفظ حقوق المودع من خلال المشاريع والاقتراحات التي يجب التعاون بين الحكومة والمجلس النيابي لوضعها على سكة الحل. وهذه المشكلات ورثناها ولسنا نحن من صنعها.
مشروع قانون موازنة 2024 الذي نناقشه، يعالج أولويات الحكومة ويؤسس لبدء التعافي من أثر الازمات الخانقة التي عاشتها البلاد في السنوات الاخيرة، واستكمال ما تم تحقيقه مع موازنة 2022 لناحية توحيد سعر الصرف، تعزيز الواردات وإزالة الضغوطات التمويلية عن المصرف المركزي، وذلك تمكينا للاستقرار المالي والنقدي الذي توصّلنا اليه تدريجيا خلال العام المنصرم رغم الظروف السياسية والامنية الداخلية والاقليمية المعاكسة. فالاستقرار في سعر الصرف مؤخرا ناتج عن زيادة واردات الدولة وسحب السيولة من الاسواق وكذلك امتناع مصرف لبنان عن ضخ السيولة في الأسواق.
نعم، دولة الرئيس، فقط للعلم ان موازنة الدولة عام 2019 بلغت اكثر من 17،2 مليار دولار ، فيما في عامي 2022 ادرنا البلاد بحوالى 800 مليون دولار .
استطعنا وقف الانهيار وبدأنا بالتعافي الجاد، ولدينا في الحساب 36 في مصرف لبنان أكثر من 100 الف مليار ليرة نقدا، ولدينا اكثر من مليار دولار ، منها 150 مليون فريش و850 مليون لولار.
علينا أن نبحث عن الهدر الذي كان يحصل في السنوات الماضية. مثال على ذلك احدى المؤسسات العامة كانت ميزانيتها الشهرية مليون و500 الف دولار أميركي، وقد أدرناها ب28 الف دولار. حققوا بالأموال التي صرفت على مدى السنوات العشر الماضية.
صحيح أن هناك حاجة إلى إصلاحات بنيوية في عدة مجالات كالتهرب الضريبي ومحاربة التهريب والفساد وتحديث بعض القوانين التي مضى عليها الزمن، ولكن هذه الإصلاحات الهيكلية لا تُعطي نتيجة في المدى القريب بل في المدييّن المتوسط والقريب. ولكن في هذه الاثناء هناك ضرورة للإنفاق على الرواتب والأجور والقطاعات الاجتماعية كالصحة والتعليم ومُعالجة مسألة الفقر، وهذه القطاعات في حاجة إلى أكبر نسبة من الايرادات التي وردت في مشروع قانون النفقات الاستثمارية.
نحن الآن نعمل على إصلاحات عدة ومنها إعادة النظر بقانون الإصلاح الضريبي وإصلاح الجمارك وإعادة النظر في قانون المحاسبة العمومية، وكذلك اصلاح الادارة العامة ومكننتها.
دولة الرئيس
في الادارة بداية اشير الى انه في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء، سنطرح كما تعهدنا موضوع اعطاء الحوافز المالية للقطاع العام.
اثار بعض النواب موضوع الادارة عبر المطالبة بإرسال مسح شامل عن الادارة الى المجلس النيابي، وقد لبينا الطلب وارسلنا دراسة من حوالى 200صفحة عن واقع الادارة كاملا، ولم نسمع بعد اي ملاحظة .وللعلم فان الادارة تتناقص، إما بفعل التقاعد او الاستقالة .اما في ما يتعلق بالتكليف او الوكالة في الفئة الاولى عند الشغور، فأقول نعم لدينا 32 وظيفة شاغرة تم تكليف 14 مديرا بالتكليف لسد ثغرة الشغور. ضمن ال14 يوجد من بينهم 8 من الطوائف ذاتها و6 من طوائف غير شاغليها الاصيلين.
بالنسبة لملف الأملاك العامة البحرية:
إن الإيرادات المقدرة سابقاً كانت تناهز 56 مليار ل.ل. فقط، ولكن جراء قيام الحكومة بإصدار المرسوم 11258/2023 القاضي بتعديل إشغال الأملاك العامة البحرية والرسوم المتوجبة على شاغلي هذه الأملاك (أصولاً أو تعدياً) ،فإن الإيرادات المقدرة ضمن مشروع موازنة العام 2024 أصبحت بحدود 2550 مليار ل.ل. أي بزيادة 50 ضعفا عما كانت عليه سابقاً.
كما أن الحكومة ومن خلال وزارة الأشغال العامة والنقل قامت بإبرام مذكرة تفاهم مع مديرية الشؤون الجغرافية في قيادة الجيش لإجراء مسح شامل جديد لكامل إشغالات الأملاك البحرية ومكننة هذه المعلومات.
ومن خلال قراءة أولية لنتائج المسح المذكور تبيّن وجود فروقات كبيرة جداً بين المساحات المصرّح بإشغالها وتلك المشغولة فعلياً من قبل المتعدين على هذه الأملاك مما سيرفع حكماً الإيرادات لأضعاف ما هو متوجب حالياً.
أما بالنسبة لتوحيد سعر الصرف فإن الاتجاه هو لتجنب التقلبات الكبيرة التي برزت خلال الفترات السابقة، ولكن ليست هناك نية لتثبيت سعر الصرف الذي دفعنا أثماناً باهظة نتيجة ربطه بشكل جامد بالدولار الأميركي. ولتنفيذ هذا الهدف يدرس مصرف لبنان كل الوسائل لتحقيق هذا الهدف ولتجنب كل سلبيات يمكن ان تنتج عن ذلك.
شهد الاقتصاد بعض النمو بعد نمو سلبي لعدة سنوات ولكن التعافي الكامل يحتاج الى كل الاصلاحات التي وردت في برنامج الحكومة الاصلاحي، ولكن اي عملية اصلاح تندرج على مدة زمنية ممتدة الى مدى متوسّط الاجل، أمّا الموازنة فتبقى أفاقها عام واحد. فالإصلاحات المرجوة للنهوض بالاقتصاد تمرّ عبر تشريع قوانين مستقلّة عن الموازنة، كانت الحكومة قد أحالت بعضها الى المجلس الكريم بانتظار اقرارها، والبعض الاخر سيرسل الى المجلس النيابي الكريم في الاسابيع المقبلة.
اليوم نناقش الموازنة التي ارسلناها في المهل الزمنية المطلوبة. اما بالنسبة الى مشاريع القوانين المرسلة ، وخطة التعافي فليتها كانت مرتبطة بمهل لكي تكون حافزا للإسراع في درسها في مجلس النواب. ونحن على استعداد لدرسها معا ونقبل باي اقتراح لتمويلها.
فلماذا تحميل الموازنة أكثر من اطارها العملي؟
لكن يبقى الاستماع الى وجهات النظر المختلفة والاقتراحات عملا بناء ويفيد المصلحة العامة اذا أتى بعيدا عن التهويل الشعبوي لمكاسب سياسية.
إن اقرار الموازنة في موعدها الدستوري يصبّ في خطة الحكومة الهادفة الى تمكين الاستقرار ما يؤثر ايجابيا على الاوضاع المعيشية في البلاد ويدعم حركة النهوض والنمو الاقتصادي لمحاربة التضخم ومعالجة مسألة الدين العام وتجنب التدهور في سعر الصرف.
ولا بد من الإشارة ان النجاح في تأمين استقرار سعر الصرف ابتداء من أيار 2023، اتى نتيجة للتحسن الجذري في إيرادات الخزينة من جراء تصحيح الرسوم والضرائب الجمركية وغيرها، وعلى أثر ادارة مالية متحفّظة، وهذا الأمر سمح بلجم التقلّبات الحادّة وباعتماد قواعد واقعية وعلمية في اعداد موازنات 2023 و2024.
لا بد، من اللجوء الى اعتماد قاعدة استثنائية في تأمين تمويل الدولة من خلال سلف خزينة ،من اجل استمرار المرفق العام وتأمين الخدمات العامة الاساسية للمواطنين في غياب الاعتمادات اللازمة والضرورية وفي ظلّ ظروف استثنائية (منها التقلبات الحادّة في سعر الصرف)، ونحن لا نخفي هذا الموضوع او نتنكر له بل طالبنا بما من شأنه أن يؤمن انتظام وضعية تلك السلف من الناحيتين المالية والقانونية ، عبر مشروع قانون أقرته الحكومة وارسل الى مجلسكم الموقّر.
كانت الواردات في حدود 230 الف مليار ليرة عام 2023 وصرفنا منها بما فيه السلف المقرة في مجلس الوزراء 204 آلاف مليار، وقد اضطررنا للقيام بذلك من اجل المصلحة العامة وتسيير الدولة والوفاء بالتزاماتها، مع الحرص على عدم احداث حاجات تمويلية تفوق الامكانات المتاحة، مما ساهم في تحفيز الاستقرار في سعر الصرف واعادة تعزيز الاحتياطي بالعملات الاجنبية.
من أبرز أهداف مشروع موازنة 2024 تمكين القدرة التمويلية للخزينة التي تبقى اليوم ركيزة الاستقرار المالي والنقدي كما والعنصر الاهم لاستدامة الادارات والمؤسسات العامة وتوفير الخدمات للمواطنين واعادة بناء اقتصاد فعّال، ومن شأنها أيضا المساهمة في تعزيز العدالة الاجتماعية ومساندة الفئات المهمّشة من خلال اعادة توزيع المداخيل وتعزيز الانفاق الاجتماعي.
هنا نشير الى انتقاد بعض السادة النواب بشأن “التلاعب في أرقام الموازنة وموازنة عجزها 0%”: نحن على يقين أن الاعتمادات لا تلحظ خدمة الدين المترتبّة فعليا والمتأخرات في هذا المجال، كما وانها لا تلحظ اعتمادات وفيرة للصيانة والانفاق الاستثماري، وبعض المصاريف الملحّة الذي أتى من خارج الموازنة، لكن كما كان الحال في 2023، السلطات المالية قيّمة على عدم استحداث عجز في التمويل يهدد الاستقرار. وان التغيير الذي حصل نتيجة رسالة وزير المال للجنة المال كان انعكاسا لتحسن الايرادات بعد تحويل الى مجلسكم الكبير.
إن التهجم الكبير في ما خص الضرائب والرسوم فيه الكثير من الشعبوية والتجني . فليس هناك من زيادة ضرائب، تذكر، وإن تعديل الرسوم لا يشكل العبء الذي تحدث عنه بعض السادة النواب.
تحدث البعض عن وحدة المعايير بالنسبة للرسوم ولكن لي بالضرورة، وذلك لأنه يجب تعديل بعض الرسوم التي لم تكن بالمستوى المطلوب .
إن رفع الرسوم على الكحول والتدخين والمواد السكرية له هدف اجتماعي وصحي وتنتج عن هذه المواد امراض اصبحت معروفة ولها تكاليف صحية باهظة.
إن السلطات المالية لا تسعى الى فرض عبء ضريبي اضافي على كاهل المواطن، كما حاول البعض تصويره وتضخيمه عبر الايحاء بأن الحكومة تريد السطو على مداخيل المواطنين والشركات ، وطمس واقعة أن السياسات الضريبية المقترحة التي تصب معظمها في سياق تصحيح القيم، لا تدخل السلة الاستهلاكية لذوي الدخل المحدود، فيبقى وقعها محدودا على هذه الشرائح.
تبقى اليوم مسألة غياب قطع الحساب والبيانات المالية وهي من أهم محاور اقرار موازنة، لدعم الشفافية والمساءلة، وهذا ما يجب العمل عليه، وهذه تتطلّب استعادة القدرات البشرية والانظمة الالكترونية في وزارة المال، كما الحال في سائر الادارات العامة والمؤسسات العامة، كما ان استمرارية العمل الاداري والمؤسساتي من أبرز الاولويات للتعافي، والسير بالإصلاحات والنهوض. مع التعهد بأن قطع الحساب سيكون جاهزا قبل درس موازنة العام 2025، علما أن الحكومة ارسلت بتاريخ 22-5-2022 المرسوم 9330 الرامي الى قطع الحسابات للإدارة العامة والموازنات الملحقة حتى العام 2019.
ختاماً
نحن في سعي مستمر للتعاون البناء والايجابي بعيدا عن الشعبوية والتجييش الذي لا يفيد وبالتأكيد ليس اوانه اليوم . ومن يهوى السلبية بالمطلق ليقف متفرجا ويتركنا نعمل ، فالبلد يحتاج الى جهد، ونحن كحكومة تصريف اعمال نقوم بكل ما اوتينا من قوة، لتسيير شؤون المواطنين وتأمين سير المرافق العامة، ونسيّر امور كل الوزارات، حتى التي يقاطع وزراؤها جلسات الحكومة، لأن هدفنا خدمة المواطن ومصالحه.
انتخبوا رئيسا وحلّوا عنا”.