كتب العميد المتقاعد جورج نادر في جربدة النهار :
يا سيد الكلمة والحق والتاريخ يا كلمة الله وروحه، جئت إلينا من ألفي عام، لتنير ظلمات المعتقد وتقوم اعوجاج الإيمان، فولدت في مزود للحيوانات، لأنه لم يكن لك فراش يحويك، ولا سقف يؤويك. عشت بسيطاً وديعاً، لكنك كنت سيف الحق والحقيقة، ودائم الحذر من دعاة بنوّة الله دون سائر البشر، لأنك كنت تعرفهم حقاً، وتدرك نياتهم، ومتأكداً من أنهم قتلة الأنبياء والمرسلين.
جلدوك، أهانوك، صلبوك وطعنوك، فكنت الشهيد الأول والأعظم. طلبت إلى الآب السماوي مسامحتهم لأنهم لا يدرون ما يفعلون أحقاً لم يكونوا يدرون ما يفعلون، أم أن فيض نقائك أظهر لك ذلك؟ أحقاً أن قيافا لن يكن يعرف أنك كلمة الله، وروح الله، وابن الله ؟ لكنك قمت من الموت، وفقأت عيون الصالبين، الذين ما برحوا إلى الآن يصلبون كل من ينادي باسمك، أو ينتمي إلى أرض ميلادك اليوم يا سيدي ممنوعة عليك أرض الميلاد، ممنوع أن تأتي بيت لحم حيث ولدت ولا أن تجول في قرى الجليل مبشراً، مطرود أنت من أورشليم / القدس وأريحا، وليس مسموحاً لك الاقتراب من نهر الأردن حيث عمدك يوحنا ابن زكريا حتى في غزة، أغاظهم منظر صليبك المرفوع على قباب الكنائس، فدمروه وقتلوا كل من لجأ ليحتمي تحته.
يا سيدي.
لقد وصفت منذ ألفي عام أورشليم بقاتلة الأنبياء والمرسلين، وأنت لا تقصد المكان وسكانه فحسب، بل كل تلك العصابة التي خطفت الله واستأثرت به ووظفته في خططها اليهوهية، فأمعنت في القتل والذبح لكل من يخالفها، وما زالت، تنشر في كل أرض الحقد والموت والكراهية يعتقدون أنهم المختارون، وما عداهم بهائم حلال ذبحها وقتلها.
يا سيدي
يا سيد الحياة والموت والزمن الآتي أنت قهرتهم بقيامتك المجيدة، وكسرت عقائدهم المجوفة، لكنهم لم يستكينوا، دعني أؤكد لك أنهم يدرون ما يفعلون ففي عام 1994 ، أقدم أحد أحفاد قيافا، المدعو باروخ غولدشتاين على قتل وجرح أكثر من مئة وخمسين شخصاً، كانوا راكعين يصلون في الحرم الإبراهيمي في الخليل بدم بارد ووعي كامل، فأوقف وقدم إلى المحاكمة، وعند مثوله عرض محامي الدفاع تقارير طبية تثبت “جنون” المتهم وعدم مسؤوليته عن أفعاله، لكن المجرم انبرى مخاطباً المحكمة : لا ، أنا لست بمجنون، والمحامي زور المستندات، لقد نفذت ما أمرني به الكتاب، وقرأ من سفر يشوع بن نون أقتل كل من في البلدة، الرجال والنساء والأطفال والشيوخ ، حتى الحيوانات لا تدع نفساً تتنفس… فأسقط في يد القضاة، وهم أيضاً قيافيو الدم والعقيدة.
وبعد عامين، في قانا الجليل، حيث أجريت أولى عجائبك في العرس فحولت الماء خمراً، عمد أحفاد قيافا إلى قصف البلدة وأجران الخمر، فلجأ الأهلون إلى مركز قوات الأمم المتحدة، معتقدين أن الإجرام الإسرائيلي يحترم ولو بالحد الأدنى، شعاراً أممياً. فحصدت القذائف الحاقدة أكثر من مئة بين شهيد وجرح تنفيذاً لأوامر إلهية ليشوع بن نون، وقد أجرت صحيفة أوروبية حديثاً مع الضابط آمر سرية المدفعية التي تولت القصف والقتل، سائلةً: لقد أمرت بقصف مركز للأمم المتحدة لجأ إليه مدنيون عزل فقتلت وجرحت المئات، ألم تكن تدري من تقصف ؟ أجاب القيافي المجرم بكل ثقة وصرامة بالطبع كنت أعرف، ولهذا أعطيت الأمر بالرمي…
واليوم يا سيدي، ما زال هؤلاء القتلة يمعنون في ذبح الأبرياء أطفالاً ونساءً وشيوخاً، يدمرون المباني على رؤوس ساكنيها، يقصفون المدارس التي تحميها شكلاً ، شعارات الأمم المتحدة ويلجأ إليها الخائفون، فيقتل منهم المئات، بل الآلاف، وهؤلاء يعرفون تماماً ما يفعلون.
يا سيدي،
بعد أيام ستحل ذكرى ميلادك، ونحن، بالرغم من قذائف الحقد والكراهية، ومنظر أشلاء الأطفال في غزة وقانا الجليل، ورغماً عن آلة القتل والدمار، سنحيي الذكرى المقدسة نضيء الشموع فوق مزود الحيوانات الذي يسمونه مغارة الميلاد، لعل روحك القدّوس يضيء قلوب أصحاب القرار فيوقفوا القتل والدمار على أرضك المقدسة، وسنطلب إلى الطفل، روح الله وكلمته، أن يخاطب أباه السماوي يا أبتاه، لا تغفر لهم، لأنهم يدرون ما يفعلون.