كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”:
حالة من «الهلع» أصابت مستخدمي فايسبوك وسارع معظمهم إلى «نسخ ولصق» منشور وصل إليهم ليضعوا حداً لتمادي «ميتا» في انتهاك خصوصياتهم وتحديد عدد المتابعين الذين يمكنهم رؤية منشوراتهم، لا سيما أن اليوم (غير المحدد لا بإثنين ولا بثلاثاء ولا بأربعاء…) هو الموعد «النهائي» قبل استغلال الشركة للبيانات…لم يسأل أحد عن مصدر المنشور أو تاريخ الموعد النهائي بل سارعوا إلى لصقه، في تصرف هو أقرب إلى السذاجة التي صارت سمة تعامل الكثيرين مع مواقع التواصل لا سيما في زمن الحرب التي نعيشها.
رغم سيطرتها شبه التامة على حياتنا إلا ان الأكثرية الساحقة من مستخدمي مواقع التواصل لا تزال تجهل الكثير عن خباياها وخلفياتها وتتعامل معها من دون طرح اي تساؤل. ومع حرب غزة ولهفة التضامن مع فلسطين على هذه المواقع برزت عدة إشكاليات حول حظر المحتوى وتجميد حسابات وتحديد عدد المتابعين، كان بطلها «الخوارزميات» مع كل ما تخفيه هذه الكلمة من اسرار. وفي المقابل ظهرت موجة جديدة من اساليب التحايل على الخوارزميات صار الكل خبراء بها فجأة. الحقيقة خلف الخوارزميات يعرفها المختصون بالتحول الرقمي وتكنولوجيا المعلومات فيما الخرافات تنتشر وسط المستخدمين اسرع من البرق.
أسئلة كثيرة أردنا بدورنا الاستفسار عنها حتى لا نتّهم بالأميّة الإلكترونية. هل صحيح انه من الممكن كسر الخوارزميات؟ وهل صحيح أن التضامن مع فلسطين يعرض منشوراتنا للحظر؟ وهل وهل وهل…الخبيرة بالتحول الرقمي وتكنولوجيا المعلومات جيسي طنوس أجابت عن كل تساؤلاتنا ورسمت للواقع الافتراضي صورة واضحة بدأتها بشرح معنى الخوارزميات التي كثر الحديث عنها مؤخراً.
مراقبة المحتوى واجب قانوني
«تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي الخوارزميات لفحص المحتوى الذي ينشر على صفحاتها وفقاً لسياساتها الخاصة المتعلقة بخطاب الكراهية والعنف والمحتوى الضار الذي لا يتماشى مثلاً مع حقوق الإنسان أو يتعلق بنشر صور لدماء وجثث أو دمار. وبعد جائحة كورونا وما رافقها من فيض هائل للأخبار الكاذبة والنظريات التي لا اساس لها من الصحة فرض الاتحاد الأوروبي على المنصات إجراء المزيد من الرقابة للحد من هذه الأخبار. وتعمد المنصات بعد فحص المحتوى الى حجب المنشورات التي تعتبر ضارة او حجب المستخدم الذي يقوم بنشرها بحيث لا يراها المتابعون. لمراقبة المضمون والسيطرة عليه تعمل هذه الخوارزميات التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي على تحليل المحتوى المنشور والسلوكيات المتبعة لكي تفهم المواضيع والمفردات والعلاقة التي تربط بينها وبين المستخدمين. وتستخدم الخوارزميات المنشورات الحالية والسابقة للمستخدم لفهم اهتماماته ومن ثم عرض الإعلانات التي تتماشى مع اهتماماته. كما تعمل الخوارزميات على تحديد الاتجاهات وتوجيه المستخدمين ليحظوا بالمزيد من التفاعل والشعبية على مواقع التواصل. ويبقى أحد ابرز أدوارها الكشف عن المحتوى الضار أو المخالف لسياسة المنصة ومنع وصوله الى المتابعين. والجدير ذكره ان الخوارزميات تتطور باستمرار لتحسن تجربة المستخدمين».
وسائل التواصل إذاً تسلط على منشوراتنا سيف المراقبة اللصيقة وقد زادت حدة هذه الرقابة اليوم بحيث أن أي منشور يتضامن مع غزة او فلسطين يتم حجبه او إزالته بشكل أوتوماتيكي. وتتصاعد أنواع الحظر وفق ما تشرح جيسي طنوس الخبيرة في التحول الرقمي إذ يمكن الحد من وصول المنشور الى المتابعين وحصره بعدد قليل منهم أو تجميد الحساب لوقت معين أوحظره بشكل نهائي. ويتم قبل ذلك إرسال إنذارات الى صاحب الحساب وفرض بعض العقوبات عليه مثل منعه من البث مباشرة او تحديد عدد معين من الـ»ستوريز» عليه الاكتفاء بها. فالخوارزميات قادرة على السيطرة على المحتوى بشكل شبه كامل لا بل هي مضطرة لفعل ذلك بعد أن اصدر الاتحاد الأوروبي عقب جائحة كورونا وما رافقها من فيض للأخبار الكاذبة قانوناً يعرف باسم Digital Sevice Act حمل مواقع التواصل مسؤولية نشر الأخبار الكاذبة وفرض عليها غرامات تصل الى 6% من أرباحها في حال لم تلتزم بقوانين مراقبة المحتوى ومنع انتشار هذه الأخبار. وتعتبر هذه النسبة مرتفعة جدا وقد أجبرت المواقع على تحمل المسؤولية وفحص المحتوى بشكل جدي للحد من كل ما يتنافى مع القوانين. ولم يعد المستخدم وحده المسؤول عن نشر محتوى كاذب او خطر على صفحته بل يتحمل الموقع جانبه من المسؤولية ايضاً.
دعماً ل-ف-ل-س-ط-ي-ن
في مواجهة عمالقة التواصل والخوارزميات يحاول البعض إيجاد وسائل للتحايل عليها بغية التهرب من الحظر والتمكن من نشر المحتوى لا سيما الذي يختص بدعم غزة. «نشهد اليوم تقول جيسي طنوس وسائل تحايل عديدة مثل استخدام الكلمات باللغة العربية بلا نقاط،او وضع فواصل بينها (ج-ر-ي -م-ة-ح-ر-ب) أو استخدام أحرف أجنبية فيها ( شH يد مثلاً)، كما سرت أخبار أنه باستخدام صور شخصية ومن ثم اتباعها بمحتوى خاص بغزة يمكن بذلك تضليل الخوارزميات وتمرير هذا المحتوى. لكن ما نشهده اليوم تقول طنوس ان الشركات الكبرى المشغلة لمواقع التواصل لم تعد تكتفي بالذكاء الاصطناعي لمراقبة المحتوى بل توظف اشخاصاً لمساعدة الخوارزميات وذلك للسيطرة على المحتوى ومراقبته بشكل أكثر فاعلية. من جهة أخرى أصبحت الخوارزميات وبفعل تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها قادرة على كشف النص داخل الصورة والفيديو والمحتوى الصوتي الذي يخل بالقوانين ليتم حجبه. من هنا يمكن القول ان محاولات التحايل هذه ليست دائماً ناجحة فالصورة الشخصية مثلاً قد تصل الى 1000 متابع ولكن ما إن ينشر المستخدم محتوى متضامناً مع غزة يمنع منشوره من الوصول إلا الى عدد محدود من الأشخاص».
في هذا السياق نسأل كيف يمكننا كمستخدمين أن نكون أكثر وعياً في تعاملنا مع وسائل التواصل فلا نكون من جماعة النسخ واللصق بلا تفكير؟ أولاً تقول جيسي طنوس «علينا أن ندرك أن ليس كل ما ينشر على وسائل التواصل صحيح ودقيق وثمة أخبار كثيرة تنشر بلا مصداقية او وعي وهذا ما لاحظناه بشكل كبير في خلال جائحة كورونا. دورنا ألا نساهم في إعادة نشر هذه الأخبار ( كما حصل مع منشور الفايسبوك مؤخراً) ولا نعمد الى سياسة النسخ واللصق دون تدقيق. ومن المهم جداً تنزيل التحديثات المقترحة للتطبيقات التي نستخدمها لحماية حساباتنا و منع الـ bugs عنها وللحد من وصول الأخبار القديمة والكاذبة إلينا. واليوم من الأفضل تفادي نشر أي فيديو يحمل صور دم او دمار او موت وتفادي استخدام الهاشتاغ المتضامنة مع غزة وحتى الحد من التفاعل مع منشورات متضامنة مع غزة لأن ذلك كله قد يؤدي الى حجب منشوراتنا وإزالتها بشكل أوتوماتيكي لا سيما أن وسائل التواصل مضطرة للالتزام بالقوانين المفروضة عليها.تحايل أم تضليل؟
مستخدمو وسائل التواصل حاولوا استخدام شعارات وصور ترمز الى فلسطين دون الإشارة إليها بالتحديد مثل استخدام شرحة البطيخ التي تشير بألوانها الى العلم الفلسطيني او استخدام وسوم او هاشتاغات متعاطفة مع إسرائيل مع المنشورات المعادية لها او التي تعكس ما يحدث في غزة من جرائم وهو الأمر الذي نصحت به الإعلامية منى ابو حمزة التي استطاعت بهذه الطريقة إيصال منشوراتها الى عدد أكبر من البلدان والناس دون ان يتم حظر محتواها المتضامن منع فلسطين او حظر حسابها على إنستغرام.
جهات عدة مدنية وعلمية تعمل على نشر الوعي بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بغية الحد من الاستخدام الساذج او الضار لها. في هذا السياق يقول ميغال حدشيتي وهو صحافي ومدقق معلومات على منصة «صواب» إن ثمة فئة غير مسؤولة تنشر عبر حساباتها عن قصد او غير قصد، عن وعي او سذاجة أخباراً كاذبة ومضللة. ولا بد من بذل المزيد من الجهود لتوعية هذه الفئة وحثها على التعامل بمسؤولية على مواقع التواصل لا سيما في أوقات الأزمات التي تتكاثر اصلاً فيها الأخبار الكاذبة وغير المؤكدة بفعل التدفق الكبير للأخبار قبل أن يتم التثبت من صدقيتها.
من وجهة نظر مدققي المعلومات تسبب هذه الفئة من المستخدمين غير المسؤولين مشكلة كونها تستعمل صوراً معينة في غير سياقها او تركب أخباراً عليها أو تستخدم فيديوات قديمة او وسوماً لا علاقة لها بموضوع المنشور. في الأوضاع العادية قد لا تشكل هذه المنشورات المضللة خطراً على السلم الأهلي مثلا او على أشخاص معينين، لكن في زمن الأزمات والحروب المسلحة تتحول الى أدوات لزيادة التوتر الموجود أصلاً في المجتمع. من هنا الوعي مطلوب جداً وعلى كل مستخدم أن يدرك أنه مسؤول عن منشوراته وعليه عدم المسارعة الى نشر أو إعادة نشر اية معلومات قبل التأكد من صحتها وهذا ما تقوم به صواب لمتابعة الأخبار غير المؤكدة قبل ان تنتشر على مواقع التواصل بشكل كبير. ومعروف ان الأخبار الكاذبة تنتشر دوماً اسرع بكثير من الأخبار الصحيحة ولا سيما في أوقات الازمات التي تحمل الكثير من الشحن العاطفي.
كادر: للسياسة دورها
بعيداً عن التكنولوجيا، نفتح هلالين على السياسة العالمية إذ لا بد من فهم خلفية كل تطبيق لمعرفة السياسة التي يتبعها فتطبيق تيليغرام مثلاً يساعد المستخدم على تجنب المراقبة لا سيما في ما يتعلق بالمحتوى الخاص بفلسطين لأن مؤسسه روسي لكن تبقى قدرته محدودة على المساعدة والحماية ولا يصل الى أعداد كبيرة من المستخدمين. أما شركة ميتا بتطبيقاتها المختلفة مثل فايسبوك وإنستغرام وثريد وواتساب فلديها 4 مليارات مستخدم وهي الأكثر تأثيراً في ما يختص بالرأي العام لكن كونها شركة أميركية فهي تتبع القوانين الأميركية ومعروف رئيسها التنفيذي مارك زوكربرغ بميله الى إسرائيل لذلك فإن تطبيق القانون على منصاته يبقى منحازاً. فيما تطبيق X اليوم وبوجود إيلون ماسك على راسه بدأ يتعاطف مع القضية الفلسطينية مثيراً بذلك سخط الولايات المتحدة. اما تطبيق تيك-توك الصيني فلم يخضع لعمليات الضغط التي مارستها الحكومات الغربية لإجباره على عدم نشر المحتوى المتضامن مع فلسطين.
للسياسة دورها
بعيداً عن التكنولوجيا، نفتح هلالين على السياسة العالمية إذ لا بد من فهم خلفية كل تطبيق لمعرفة السياسة التي يتبعها فتطبيق تيليغرام مثلاً يساعد المستخدم على تجنب المراقبة لا سيما في ما يتعلق بالمحتوى الخاص بفلسطين لأن مؤسسه روسي لكن تبقى قدرته محدودة على المساعدة والحماية ولا يصل الى أعداد كبيرة من المستخدمين. أما شركة ميتا بتطبيقاتها المختلفة مثل فايسبوك وإنستغرام وثريد وواتساب فلديها 4 مليارات مستخدم وهي الأكثر تأثيراً في ما يختص بالرأي العام لكن كونها شركة أميركية فهي تتبع القوانين الأميركية ومعروف رئيسها التنفيذي مارك زوكربرغ بميله الى إسرائيل لذلك فإن تطبيق القانون على منصاته يبقى منحازاً. فيما تطبيق X اليوم وبوجود إيلون ماسك على راسه بدأ يتعاطف مع القضية الفلسطينية مثيراً بذلك سخط الولايات المتحدة. اما تطبيق تيك-توك الصيني فلم يخضع لعمليات الضغط التي مارستها الحكومات الغربية لإجباره على عدم نشر المحتوى المتضامن مع فلسطين.