كتبت جويل الفغالي في “نداء الوطن”:
بعدما تحوّل القطاع السياحي في السنوات الأخيرة إلى بوابة لدخول العملة الصعبة إلى البلاد في ظل شحّ الدولار في المصرف المركزي، وتحقيق موسم صيف 2023 عائدات بلغت نحو 6,5 مليارات دولار، غيّرت الحرب الإسرائيلية على غزّة بعد عملية «طوفان الأقصى» المشهد. فبرز القطاع السياحي من أولى القطاعات التي أصابته شظايا تلك الأحداث، ما انعكس سلباً على المؤسسات السياحية كافة. كيف تأثرت المنتجعات السياحية اليوم؟ وكيف سيكون الحال عليه في موسم الأعياد؟
تراجع حركة المطاعم
اعتبر رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان طوني الرّامي أن «موسم الصيف حقّق نجاحاً لافتاً، فهندس القطاع المطعمي صيفاً ناجحاً ما جعله يدرج مجدداً على الخريطة السياحية بعد اربع سنوات من الأزمات المتراكمة، مع العلم أن لا سياحة مستدامة في لبنان ويمكن وصفها بسياحة اغتراب موسمية بغياب المصالحة مع دول الخليج، وكذلك أهمية مساهمة القطاع السياحي بالاقتصاد الوطني، كنا نتحضر لإستقبال موسم الأعياد، وإذ نتفاجأ أن لبنان اصبح «ساحة» وليس سياحة». ويشير الرامي إلى أن «هناك نوعَين من الحروب: الباردة والساخنة، اليوم، نعيش الحرب الباردة التي هي دون أفق وتشكل استنزافاً يومياً للقطاع السياحي الذي يتكبد كلفة تشغيلية يومية من طاقة وتشغيل للمؤسسة ما ينهك أصحاب العمل».
وأضاف: «أدت الأحداث والتوترات إلى تراجع نسبة الاشغال في المنتجعات السياحية، إذ نشهد هبوطاً دراماتيكياً في المبيعات في منتصف الاسبوع يصل إلى نحو 80 في المئة بإستثناء يوم الأحد، وهذا الأمر يشمل المطاعم والمقاهي والملاهي والفنادق وبيوت الضيافة وشركات السياحة والسفر. فالقطاع السياحي خسر اليوم موسم الأعياد الذي يعوّل عليه لإنعاش البلد ولمتابعة الانجاز الذي حققه في موسم الصيف، وإذا تفاءلنا بالخير وانتهت الحرب بأسرع وقت ممكن، فالقطاع بحاجة إلى نحو 4 أشهر لاستعادة نشاطه. أمّا في حال دخل لبنان الحرب الساخنة، فستؤدي إلى تدمير البنى التحتية السياحية بكاملها، ما يعني أن البلد سيصبح كلياً خارج الخريطة السياحية حتّى الاغترابيّة منها. فلبنان لن يحتمل «شَتوة» واحدة، فكيف عليه أن يحتمل حرباً، خصوصاً أن هناك اشارة مهمة جداً لفترة الاعياد، إذ في سنة 2006 كان هناك منفذ لدى المغترب اللبناني عن طريق سوريا، ولكن اليوم ذاك المنفذ البرّي مقفل وفي حال تمّ تهديد المطار سيصعب استقطاب أي مغترب لبناني خلال هذه الفترة».
نسبة إشغال الفنادق تتراوح من 0 إلى 5%
من جهته، يشدد رئيس إتحاد النقابات السياحية في لبنان ورئيس نقابة الفنادق بيار الأشقر، على أننا «كنا سندخل إلى موسم خريف واعد جداً يكون تكملة للجهود التي قام بها القطاع الخاص من تسويق للبنان في الخارج، إلى الجهود التي بذلت لاعادة وضع لبنان على الخريطة السياحية، حيث استطعنا ابراز جدّية ومثابرة العاملين في القطاع السياحي ووصلنا إلى صيف ناجح. وكانت الوتيرة مستمرة وشهدنا نمواً بقدوم المغترب اللبناني الذي لبى النداء للسنة الثانية على التوالي، إضافة إلى عدد من السيّاح الذين دخلوا البلد، كما وقدمنا لهم أفضل الخدمات بجودة ممتازة التي تدفعهم إلى زيارة لبنان مرة أخرى. ولكن مع بدء الحرب على غزة تغيرت الاتجاهات ودخلنا من جديد في مرحلة الركود». وعلى هذا الاثر، يقول الأشقر «تمّ إلغاء كامل الحجوزات من اليوم ولمدة شهر للافراد والمجموعات ورجال الأعمال والمؤتمرات والمعارض. فالإلغاء لا يقتصر فقط على السياح والمجموعات السياحية، انما شمل أيضاً الغاء قدوم المغتربين اللبنانيين، وخصوصاً بعد التطورات التي تشهدها حدود لبنان الجنوبية والحرب على غزة، إضافة إلى التحذيرات التي أطلقتها دول عدة حيال عدم السفر إلى لبنان واخذ الحذر في حال التواجد فيه». كما ويشير الأشقر إلى «تراجع نسبة الاشغال في الفنادق، في بعضها هي صفر في المئة، وما بين 3 إلى 5% في المؤسسات الكبرى، فيما بعض المؤسسات خارج بيروت أقفلت أبوابها لأنها عادت مؤسسات موسمية ولم تعد قادرة على تحمل المصاريف الباهظة، كتوليد الطاقة وشراء المياه وغيرها من المصاريف التشغيلية. ويضيف: «على سبيل المثال، هناك صاحب أحد الفنادق الذي يمتلك 5 فروع، قرر اليوم اقفال فرعين والترقب لما سيحصل في الأيام المقبلة، وفي حال استمرت الاضطرابات والأوضاع على حالها سيتوجه إلى تشغيل فرع واحد من أصل 5».
القطاع السياحي يصرف من أرباح فصل الصيف
ويتابع الاشقر: «خسائر كبيرة سيتكبّدها القطاع السياحي اللبناني جرّاء الحرب الدائرة في غزة وتطوّر الأحداث في جنوب لبنان، كما ومن المبكر الحديث عن أي تقديرات لخسائر المؤسسات السياحية ولا يمكن إحصاء الخسائر إلا مع نهاية هذه الأحداث وتواصل المؤسسات والنقابة مع بعضهما البعض، ولكن بالطبع بدأ اليوم القطاع في مرحلة الخسائر، وبدأ يصرف من أرباحه التي حقّقها من موسم الصيف، وفي حال انتهاء الحرب، يحتاج القطاع السياحي إلى ما بين 3 إلى 4 أشهر لمعاودة نشاطه وهذا طبعاً بعد العمل على إقناع المغتربين والسيّاح إلى زيارة لبنان من جديد والعمل على التسويق للبنان في الخارج ومحاولة تغيّر صورة المنطقة التي أيضاً يمكن أن تستغرق بعض الوقت».
وختم الأشقر بالقول: «إن هذا الواقع ليس على مستوى لبنان فحسب بل على المستوى الإقليمي، إذ إن دولاً أخرى تعاني ايضاً من الواقع عينه كالأردن مثلاً الذي انخفضت نسبة الإشغال فيه إلى 70 بالمئة وكذلك مصر».
مرحلة ما بعد الحرب
وفي السياق، أشار الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية في لبنان جان بيروتي إلى أن «الأجواء اليوم سلبية والقطاع السياحي في حالة موت سريري لحين انتهاء هذه الحرب واستعادة النشاط السياحي وتسويق البلد من جديد. فالإيرادات التي جناها القطاع السياحي في الـ60 يوماً التي مضت استُنزفت جراء الجمود الحاصل، ولكن ليست هنا المشكلة، فالأهم من ذلك العمل على وضع رؤية مستقبلية وخطة لإعادة النهوض بالقطاع بعد ذلك. هذه الحرب ستكلف الاقتصاد أثماناً غالية لأن لبنان بلد مفلس من الأساس حيث لا تعمل الدولة لصالح قطاعاتها الانتاجية والاقتصادية. ولكن لن ننكر أن لبنان بلد جبّار وتمكن من النهوض من أزمات عدة وآخرها انفجار 4 آب». ويؤكد بيروتي أنه «اليوم وفي حال توقفت الحرب، من السهل إعادة السياحة اللبنانية وإقناع المغترب اللبناني بزيارة بلده، أما بالنسبة الى السياحة الأوروبية فهي ستستغرق وقتاً أطول من 3 إلى 4 أشهر للعمل على إقناعهم بتجديد زيارتهم إلى لبنان».
لا شك في أن أجواء الحرب أثرت على كافة القطاعات الاقتصادية في البلد، فمن يمتلك اليوم قدرة شرائية مقبولة يفضل استهلاكها على الضروريات والترقب لما سيحصل في الأيام المقبلة. لبنان المنهار على جميع الاصعدة الاقتصادية والمالية والنقدية لا يتحمّل أي حرب أو أي توترات أمنية إلى جانب التوترات السياسية والاقتصادية التي يعيشها من الأساس.