كتب د. طلال حاطوم في الجمهورية
سيدي الامام الصدر
نتناثر على شواطئ الغياب اصدافاً تلملم شوقها
يغسل المطر احلامنا لنستيقظ على وعد العودة،
لنبني الوطن حجراً حجراً على قواعد تعاليمك
طوبى لهذا الوطن الذي أحبّه الامام الصدر وأعطاه من دون منّة او تمييز من حنايا القلب الكبير
سيدي الامام: واثق انك تسمع كل اناتنا ودعواتنا بنورك الفياض،
سيدي: في العام 2004 ضربت لبنان عاصفة ثلجية قلّ ان تتكرر. تقطعت أوصال الوطن والطرقات أغلقت بالابيض بلا حواجز، واحتجز الناس في بيوتهم بلا قرار منع تجول، والموادة التموينية غابت بلا احتكار التجار.
أعطى حامل الامانة الامر: ان انتشروا في اربع رياح الوطن لتكونوا على اهبة الاستعداد الى جانب اهلنا في مناطقهم المعزولة، جهِّزوا فرق الاطباء والدفاع المدني وكشافة الرسالة والادوية، وحمِّلوا مواد تموينية ومازوتاً وانطلقوا الى حيث المنسيين.
كان القرار ان اذهب مع القافلة الى بقاع البقاع حيث الثلوج ترتفع على جانبي الطريق اكثر من ستة امتار في عيون ارغش التي طالما ذكرها الامام الصدر في خطاباته للاستثمار على مياهها، والى دير الاحمر ودار الواسعة واليمونة وقرى تلك المنطقة الغالية.
الوصية التي حملتها: ادخلوا البيوت من ابوابها.
وصلنا الى دير الاحمر واستقبلنا المطران منجد الهاشم (يومها) بالترحاب، نقلنا له تحيات الرئيس نبيه بري وشرحنا هدف الزيارة. وبدأ يحدثنا عن الامام الصدر والرئيس بري بما يزيد على ما نقول، قال: الامام الصدر دافع عن هذه المناطق بعمامته وجبّته ومحرابه، واعتبر ان اي رصاصة تطلق على دير الاحمر وشليفا والقاع إنما تطلق عليه، وتذكر غبطة المطران دعوات الامام الصدر الى وقف الاقتتال والحرب الاهلية والاعتصام من اجل ذلك. (للجلسة والزيارة تتمة لها وقت آخر).
سيدي الامام: كلما سمعت من يتحدث عن الوحدة الوطنية والعيش المشترك ونهائية الوطن لجميع ابنائه ونبذ الطائفية اعود الى نهرك الذي لا ينضب.
سيدي الامام: سماحتك لم تطلق شعارات، بل رسمت نهجاً واضحاً وخططَ عمل لتحقيق الاهداف والغايات التي رميت اليها، فالوحدة الوطنية ليس عنواناً استهلاكياً في خطاباتك، بل هي مقرونة بمقاربات لتحقيقها لم تترك فيها باباً إلا طرقته، فزرت الكنائس والمساجد على مساحة الوطن، وزرعت مفاهيم التقارب والالفة بين الناس، ورفضت العزل والانغلاق، وحملت لواء الحوار، فتبعك المسيحي والمسلم، العامل والفلاح وصاحب المهنة لأنهم وثقوا بكلامك ورأوك منقذاً لهم وللوطن من بؤر الحرمان والاهمال والتغييب في دولة المزرعة والتحاصص والتناتش تحت عناوين (مصالح الطائفي والمذهبي).
دعوت الى الوحدة الوطنية القائمة على العدالة الاجتماعية بين المركز والأطراف لتنبني على أسسها قواعد تأمين الحياة الانسانية الكريمة لجميع المواطنين في جميع المناطق. «رعاية العدل وإحقاق الحقّ ورفع الظلامات عن جميع المغبونين من المواطنين» لأنّ العدالة وكرامة المواطن تشكّلان حزام الأمان للوحدة، اما التمييز فهو عامل إضعاف للوحدة. كلام قاله الامام الصدر وفي اعتباره واليقين أنّ الحرمان حرمان مركّب، مناطقي/طائفي. وانه ليس للظّلم طائفة فالظالمون من كلّ الطوائف والمظلومون من كلّ الطوائف.
والوحدة ليست محصورة في العلاقة بين اللبنانيين كأفراد بل تتعداها الى كونهم مكونات متنوعة لا يجب ان يشعر أيّ منها بالغبن والانتقاص، وهذا مفهوم المساواة في الحقوق والواجبات. فيصبح الأساس لبناء وحدة وطنية متكافئة هو أنّه لا امتياز تاريخياً لطائفة على طائفة في خدمة الوطن والدولة. وهي منطلقات للتعاون وللحوار بين الطوائف.
«فلبنان «ضرورة حضارية» لخلق الحوار، و«ضرورة دينية، يرفع عن الاديان تهمة التعصّب وتقسيم البشر، و«ضرورة ثقافية» ليكون رسالة ونموذجاً بين الشرق والغرب. وما يتطلب التفاعل بين المسيحية والاسلام «وجود الاحترام المتبادل بين أبناء هذا البلد» وعدم الشعور بإمكان الاستغناء عن الآخر لكي لا تتحول الوحدة الى الشكلية المتمثّلة بطائفية النظام والسلطة، فطائفية النظام هي بلاء الوطن والدولة. لذلك ينكر الامام أن تكون ـ الطائفية ـ من الدين.
كان الامام يعرف تمام المعرفة ان أي تغيير جدّي على المستوى اللبناني يستحيل أن يقتصر على طائفة واحدة او على ثنائية طائفية… فالتغيير عمل وطني ممكن بقاعدة وطنية عريضة اساسها المحرومون في كل الطوائف… وهو كان يسعى الى هؤلاء المحرومين الذين يطمح الى توحيدهم بلغة غير طائفية من خلال ما يجمع بينهم… وكانت المسألة الاجتماعية عنصراً أساسياً في هذا الطموح كما كان بناء الوطن على قاعدة الدولة القادرة والعادلة والمدنية. وبهذا المعنى كان الامام يدرك أخطار الطائفية على مشروعه. ولذا، كانت مساهمته الأساسية في اطلاق حملة الحوار المسيحي الاسلامي عبر «منبر الندوة اللبنانية»، وكانت له محاضرات عدة في كنيسة الكبوشية واليسوعية… وكان هدف هذه المحاضرات تعميق اللحمة في البنية الاجتماعية العامة والتركيز على انّ الدين في جوهره هو واحد غايته بناء الانسان وازالة الحواجز التي نصبتها عوالم مفتعلة يبرأ منها دين الله الحق. وهكذا كان تركيز الامام الصدر على انه «عندما نلتقي في الله تكون الاديان واحدة. وخدمة الانسان هي الطريق الى الله، وان القاسم المشترك بين المسيحية والاسلام هو الانسان الذي هو هدف الوجود وبداية المجتمع والغاية منه والمحرك للتاريخ».
وبهذا يكون لبنان كذلك الوجه الحضاري المناوئ لأشكال العنصريات كافّة خصوصاً عنصرية الكيان الصهيوني. يقول الامام الصدر: «… يا اسرائيل اعلمي أنّنا قبلنا أمانة الله وأمانة الانسان التي هي وحدتنا الوطنية…».
ومن كلامه الدالّ على أهمية الوحدة اللبنانية في مواجهة الكيان الصهيوني العنصري: «… أقدس قضيّتين في هذا الشرق القضيّة الفلسطينية وقضية التعايش في لبنان…»، فالتعايش، في رأيه، هو أساس التكوين اللبناني وسلامه… وسلام لبنان، في يقينه، هو أفضل وجوه الحرب ضد اسرائيل، ولهذا سارع الى بناء الوحدة الوطنية لتكون الحاضن لبيئة المقاومة والمسهّل لتكوين مجتمع المقاومة الذي يحدد عدواً واحداً للبنان هو العدو الاسرائيلي. وعليه، وحدة اللبنانيين هي عنوان سياسي وثقافي وأخلاقي تزداد اليوم أهميته بسبب التحدّيات الراهنة محلياً واقليمياً ودولياً… فلبنان يهتزّ من داخل كيانه بفعل ما لدى البعض من نقص في الولاء للدولة والثقة بها، وبفعل ما لدى بعض السلطة من شهوة في الاقصاء والتسلّط… والامام مع الدولة العادلة…
الامام موسى الصدر ليس ملكاً لطائفة، انه إغناء للصيغة اللبنانية، وعلى معادلة «نريد ان نكون مواطنين في وطن لا مواطنين في طوائف»…