انتقل لبنان من السجال حول الانتخابات الرئاسية والخلافات حولها، إلى سجال جديد يرتبط بالدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة. برزت هذه الدعوة، التي جاءت على لسان نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب بما حملته من رمزية لجهة مكان إطلاقها من منبر عين التينة، مقرّ إقامة رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد لقائهما.
لم يكن بإمكان بوصعب إطلاق مثل هذا الموقف بدون تنسيق مع بري، كما لا يمكن إغفال الرسائل والمؤشرات التي يحملها. السبب الرئيسي والمباشر لمثل هذه الدعوة يبدو مفهوماً وسط عجز المجلس النيابي عن القيام بدوره الأساسي والدستوري في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، خصوصاً أن توازنات القوى فيه تظهر أن كل الأطراف لديها مع تحالفاتها قدرة على تعطيل أي جلسة انتخابية. كما يبدو المجلس عاجزاً عن القيام بعمله التشريعي في ظل الشغور الرئاسي، بكل ما في ذلك من ملفات أساسية، مثل «الكابيتال كونترول»، فيما ينحصر عمله ببضع تشريعات مرتبطة بالأمور المعيشية.
تأتي الدعوة إلى الانتخابات المبكرة وسط ظروف الانقسام العمودي الحاد في البلاد، والاختلاف «الوجودي» في وجهات النظر والمقاربات التي يقدمها كل طرف للاستحقاق الرئاسي، لكن الأهم هو ما تتضمنه من رسائل مباشرة أو مبطنة موجهة لرئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل من الثنائي الشيعي، بعد الاختلاف الكبير بين الجانبين حول الرئاسة.
تشير مصادر متابعة إلى أن حزب الله يقول للجميع من خلال هذه الدعوة إن لديه أوراقاً كثيرة للرد على كل محاولات تطويقه، فيما يواصل محاولاته لاستعادة باسيل إلى عباءة التحالف.
وتكشف مصادر مواكبة للعلاقة بين الطرفين، أنه قبل فترة، ولدى بروز نية لدى باسيل بتبني خيار جهاد أزعور للرئاسة بالتعاون مع قوى المعارضة، أوصل حزب الله رسالة إلى رئيس «التيار الوطني الحر» ينصحه فيها بعدم الذهاب إلى المجلس النيابي والتصويت لأزعور، لأن هذا سيعني انتهاء التحالف بينهما، وستترتب عليه نتائج كثيرة، بما فيها عدم استمرار التحالف في الاستحقاقات المقبلة وأبرزها الانتخابات النيابية. ينطلق الحزب في تحذيره هذا من مسلّمة لديه بأن باسيل وبنتيجة التحالف مع الحزب تمكّن من الحفاظ على أكبر كتلة مسيحية، ولولا هذا التحالف لكان قد خسر حوالي 7 نواب من كتلته، بالتالي تحول إلى صاحب كتلة صغيرة.
في حسابات حزب الله أن هذه الدعوة قد تدفع الجميع إلى إعادة حساباتهم، لا سيما باسيل، خصوصاً أن الحزب يعتبر نفسه مستفيداً من أي انتخابات في المرحلة المقبلة، وسيسعى لتحصيل عدد من النواب المسيحيين المحسوبين عليه بدلاً من منح 7 نواب لباسيل، وبذلك يكسر مسألة «الميثاقية» المسيحية، كما سيكون قادراً على تحصيل عدد أكبر من النواب السنّة المتآلفين معه، ويمكن بالارتكاز إلى ذلك أن يحقق أكثرية نيابية.
تستبعد مصادر متابعة أن يذهب البلد قريباً إلى انتخابات مبكرة، لكن الدعوة إليها هي رسالة مباشرة وواضحة من رسائل الحزب إلى باسيل، في سبيل السعي لإعادته إلى عباءته والسير بخيار سليمان فرنجية. وكما جرى التلويح بهذه الورقة، يمكن للحزب أن يُخرج ورقة أخرى أبرزها التلويح بانتخاب قائد الجيش جوزيف عون رئيساً، وهذا ما سيجبر باسيل على المفاضلة بين عون وفرنجية، وسيكون مرجحاً عندها أن يذهب لاختيار الأخير مقابل حصوله على ضمانات من الحزب.
منير الربيع – الجريدة