تتواصل المباحثات الثنائية بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في باريس، حيث يطغى عليها ملفا الحرب الدائرة في أوكرانيا وأزمة الرئاسة في لبنان. وهذه ثاني زيارة لبن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة النفطية الثرية، لفرنسا في أقلّ من سنة، بعد زيارة أولى أثارت غضب ناشطين حقوقيين واليسار الفرنسي على خلفية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 داخل قنصلية بلاده في أسطنبول.
إستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الجمعة، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في باريس، حيث تجري مباحثات ثنائية بين الرجلين، يتقدمها ملفا الحرب في أوكرانيا وأزمة الرئاسة في لبنان.
وتسلّط زيارة ولي العهد البالغ 37 عامًا، الضوء على العلاقة الجيّدة التي تربط باريس والرياض، وتأتي بعد أقلّ من سنة على زيارته السابقة إلى قصر الإليزيه التي أثارت غضب ناشطين حقوقيين وقسم من اليسار الفرنسي، على خلفية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 داخل قنصلية بلاده في اسطنبول.
وأعلنت الرئاسة الفرنسية، أن المباحثات بدأت اعتبارًا من الساعة 11,15 ت غ، وستركّز على العلاقات الثنائية وكذلك على “تحديات الاستقرار الإقليمي”. ويتطرّق الرجلان إلى “المسائل الدولية الكبرى، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على سائر دول العالم”.
وتنأى السعودية بنفسها إلى حدّ ما في الملف الأوكراني، وقد دعت إلى إنهاء الحرب.
وحضر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الشهر الماضي، جانبا من قمة جامعة الدول العربية التي استضافتها المملكة في مدينة جدّة، في أول زيارة له إلى الشرق الأوسط منذ بدء الغزو الروسي لبلاده. حينها، وضع ماكرون طائرة حكومية فرنسية بخدمة زيلينكسي أقلّته إلى جدّة ثمّ إلى اليابان للمشاركة في قمة مجموعة السبع.
وكانت الرياض صوّتت لصالح قرارات مجلس الأمن المندّدة بالغزو الروسي وضمّ موسكو مناطق في شرق أوكرانيا، لكنّها في الوقت نفسه واصلت التنسيق بشكل وثيق مع روسيا حول السياسات النفطية. وتوسّطت في عملية تبادل للأسرى بين كييف وموسكو.
ويسعى ماكرون علناً إلى إقناع دول غير منحازة على غرار الصين والهند وكذلك السعودية، بالضغط على موسكو لإنهاء حربها على أوكرانيا.
ورأى الرئيس الفرنسي، أن زيارة زيلينسكي لجدّة سمحت “بالحصول على دعم واضح جدًا من السعودية وقوى كبرى أخرى في المنطقة”.
وخلال وجوده في فرنسا، يُشارك بن سلمان في القمة “من أجل ميثاق مالي عالمي جديد” التي ينظّمها ماكرون في باريس في 22 و23 حزيران.
ويناقش الرئيس الفرنسي، مع ضيفه، التحضيرات لهذه القمة الهادفة إلى “جمع التمويل الخاص والعام وتركيزه، حيث تشتد حاجة العالم والناس إليه لمحاربة الفقر وقيادة التحوّل المناخي الضروري وحماية التنوع البيولوجي”، حسب ما أوضح الجانب الفرنسي.
ويملك ولي العهد دارا فخمة قرب فرساي في المنطقة الباريسية، صمّمها أحد أقرباء خاشقجي على طراز القصور الفرنسية الملكية.
على صعيد آخر، يُتوقّع أن يطلب الرئيس الفرنسي من ولي العهد أن يستخدم نفوذ السعودية في لبنان لكسر الجمود السياسي الذي أدّى إلى فشل البرلمان مرارًا في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، كان آخرها الأربعاء، وسط انقسام سياسي يزداد حدّة بين حزب الله وخصومه وينذر بإطالة الشغور الرئاسي، على وقع انهيار اقتصادي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.
وعيّن الرئيس الفرنسي وزير الخارجية السابق جان-إيف لودريان “مبعوثًا خاصًا إلى لبنان” لمحاولة المساعدة في التوصل إلى مخرج للمأزق السياسي. ويُتوقع أن يزور السياسي المخضرم بيروت قريبًا.
ويشير الباحث ديني بوشار المستشار لشؤون الشرق الأوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (Ifri)، إلى أن الرياض قد “تلعب دورًا للتخفيف من حدّة موقف حزب الله وذلك من خلال إيران، للتوصل إلى حلّ وسطي” بشأن الرئاسة في لبنان. ويضيف “المسألة هي معرفة ما إذا كانت مصالحة السعودية وإيران يمكن أن تساهم في تهدئة الساحة السياسية في لبنان”.
وأعلنت السعودية وإيران في آذار الماضي استئناف علاقاتهما الدبلوماسية في اتفاق مفاجئ أُبرم برعاية الصين، ما أثار آمالا بحلحلة ملفات إقليمية عدة.
وأثارت الزيارة السابقة لولي العهد إلى باريس انتقادات كثيرة في فرنسا من جانب منظمات حقوقية ومعارضين يساريين، اتهموا ماكرون بالتضحية بحقوق الإنسان لصالح “البراغماتية” إزاء ارتفاع أسعار الطاقة.
وكان تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، خلُص إلى أنّ ولي العهد “أجاز” عملية قتل خاشقجي، لكنّ الرياض تنفي ذلك.
ورغم الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي نفّذها الأمير محمد بن سلمان في بلاده، إلا أنه يتعرّض لانتقادات بسبب حملة قمع للنشطاء والمعارضين، حتى من قلب العائلة الحاكمة.
وأساءت جريمة قتل خاشقجي إلى صورته كإصلاحي على الساحة الدولية.
كما يشارك بن سلمان، الاثنين المقبل، في حفل استقبال رسمي تنظمه المملكة بمناسبة ترشّح الرياض رسميًا لاستضافة إكسبو 2030، وهي مسألة ترغب الرياض في الحصول على دعم فرنسي فيها.
فرانس24