وضعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تصنيف ائتمان الولايات المتحدة تحت المراقبة من أجل خفض محتمل، مما يزيد المخاطر مع اقتراب مفاوضات رفع سقف الدين الأميركي من اللحظات الحاسمة.
ووضعت فيتش تصنيف البلاد البالغ “AAA” تحت المراقبة السلبية تمهيدا لخفض محتمل إذا فشل المشرعون في زيادة المبلغ الذي يمكن أن تقترضه وزارة الخزانة قبل نفاد أموالها.
وفي عام 2011 خلال مفاوضات مطولة حول سقف الديون، خفضت وكالة ستاندرد اند بورز التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، لكن وكالة فيتش لم تفعل ذلك.
وقال توني سيكامور المحلل في آي.جي ماركتس في سيدني بأستراليا “هذا ليس بالأمر المفاجئ تماما في ضوء الفوضى التي تشهدها مفاوضات سقف الدين”.
ووصلت إدارة الرئيس جو بايدن والجمهوريون في الكونغرس إلى طريق مسدود بشأن رفع سقف الديون الفيدرالية البالغ 31.4 تريليون دولار، مع اعتبار كلا الجانبين مقترحات الطرف الآخر مبالغا فيها بشدة.
وفي بيانها أكّدت فيتش أنّها “تتوقّع” قراراً صائباً من جانب الولايات المتّحدة في الوقت المناسب، لكن مع ذلك فإنّ الخبراء يعتقدون أنّ هناك “ارتفاعاً في مخاطر عدم رفع سقف الدين أو تعليقه في الوقت المناسب، وأن تبدأ الحكومة بالفشل في سداد بعض المدفوعات”.
كما حذّرت من أنّ “الفشل في التوصّل إلى اتّفاق (…) سيكون علامة سلبية على صعيد الحوكمة بشكل عام ورغبة الولايات المتّحدة بالوفاء بالتزاماتها في آجالها المحدّدة”.
وقالت فيتش إن تصنيف البلاد قد يُخفض إذا لم ترفع الولايات المتحدة حد الدين أو تعلقه في الوقت المناسب.
وأكّدت الوكالة أنّها ستراقب عن كثب تطوّرات وضع سقف الدين العام الأميركي، مشيرة إلى أنّه إذا لم تدفع الولايات المتّحدة ديوناً تستحقّ في 1 أو 2 يونيو، فسيتم اعتبارها متخلّفة عن السداد، وستصبح الديون اللاحقة التي تستحقّ في غضون 30 يوماً “بالغة المخاطر” ما يعني أنّ درجة هذه الديون ستصبح “سي سي سي”.
أمّا بالنسبة إلى بقية الديون فقالت فيتش إنّ تصنيفها سيظلّ بدون تغيير، إذ إنّ الولايات المتّحدة تمتلك أكبر احتياطي من الأموال في العالم.
وتشير “مراقبة التصنيف” إلى أن هناك احتمالا متزايدا لتغييره، وتختلف عن “النظرة المستقبلية” التي تشير إلى الاتجاه الذي يرجح أن يتحرك فيه التصنيف خلال فترة تمتد عاما أو عامين.
ماذا حدث في 2011؟
بعد عملية مخاض صعبة، أقر الكونغرس في اللحظات الأخيرة وتحديدا في 2 أغسطس 2011 اتفاق ينص على رفع سقف الدين العام بمبلغ 2.1 تريليون دولار، مما يسمح للخزانة الأميركية بتلبية مدفوعاتها حتى عام 2013 وتخفيض الإنفاق بمقدار 2.4 تريليونات دولار على مرحلتين على مدى عشر سنوات.
غير أن هذا الاتفاق لم يتح تجنب تخفيض التصنيف السيادي للولايات المتحدة؛ حيث خفضت وكالة “ستاندرد آند بوز” للتصنيف الائتماني يوم 5 أغسطس 2011 التصنيف الائتماني للولايات المتحدة على المدى الطويل من الدرجة الممتازة (AAA) إلى الدرجة (AA+)، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة بسبب مخاوف بشأن العجز المتفاقم في الميزانية الحكومية وارتفاع أعباء الدين، معتبرة أن هذا الاتفاق غير كاف، وسيكون له تداعيات خطيرة على الاقتصاد العالمي وعلى الاستثمارات الأجنبية، وبالأخص على سندات الخزانة الأميركية.
وبحسب تقديرات بنك “غولدمان ساكس” فقد تراجع مؤشر “ستاندرد آند بوزر 500” بحوالي 15 بالمئة خلال أزمة سقف الدين عام 2011.
في غضون ذلك، أدت سياسة حافة الهاوية حول رفع سقف الدين خلال 2011، في ارتفاع تكلفة التأمين ضد مخاطر التخلف عن السداد لتصل إلى 80 نقطة أساس على سندات الخزانة لمدة عام واحد و65 نقطة أساس على سندات الخزانة لمدة خمس سنوات، في حين أنها في الأوقات العادية تكون أقل من 5 نقاط أساس و30 نقطة أساس لكليهما على التوالي.
وبما أن سندات الخزانة الأميركية اعتُبرت خلال العقود الثلاثة الماضية ضمن أكثر أشكال الاستثمار سلامة وعائداً ثابتاً، فإن كافة البلدان الغنية والبنوك المركزية في العالم تقريباً استثمرت مئات المليارات في هذه السندات التي لم تكن محلّ شك في يوم من الأيام.
وبالإضافة إلى استثمارات البلدان الصناعية المتقدمة، كبريطانيا وألمانيا وفرنسا واليابان، فقد انضمت أيضاً وبصورة مكثفة البلدان الصاعدة، كالصين والبرازيل وروسيا والبلدان المصدرة للنفط، إلى قائمة المستثمرين في سندات الخزانة الأميركية، بل إن بعض البلدان الصاعدة تجاوزت البلدان الصناعية في حجم الديون المترتبة لها على الولايات المتحدة.
من هنا تكمن خطورة تخفيض التصنيف السيادي للولايات المتحدة الأميركية أو عجزها عن سداد هذه القروض؛ إذ إن ذلك سيؤثر على كافة الاقتصادات الفاعلة في العالم، الأمر الذي دفع المديرة السابقة لصندوق النقد الدولي “كريستين لاغارد” في ذلك الوقت إلى وصف ذلك التطور “بالحدث الخطير جداً جداً”.
أما صحيفة الشعب الصينية الرسمية، فقد عبّرت بعد الخفض عن مواقف بكين بهذا الشأن قائلة: إن تعامل واشنطن مع أزمة الديون غير مسؤول وغير أخلاقي، واتهمت الصحيفة السياسيين الأميركيين بالتضحية بمصالح الشعوب الأخرى في سبيل حفنة من الأصوات، في حين قال فلاديمير بوتين والذي كان حينها يشغل منصب رئيس الوزراء الروسي إن واشنطن تتطفل على الاقتصاد العالمي وتعيش على الديون وليس على قدراتها الاقتصادية.
سكاي نيوز عربية