كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
يكفي رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط أن يطلق تغريدةً عبر وسائط التواصل الإجتماعي لتذليل الكثير من المغالطات وحسم العديد من الملفات أسوةً بالأسلوب الذي انتهجه بعد أحداث 7 أيار وانكفائه عن قيادة «14 آذار». وعند كل منعطف مصيري في تاريخ لبنان، لا يتردد زعيم المختارة في إشهار موقفٍ يرى فيه خدمةً للإستقرار والمصلحة الوطنيّة. وذلك قبل أن تترك إطلالته المتلفزة مساء الإثنين المنصرم، انطباعاً لدى العديد من المتابعين أن ساعة الحسم الرئاسي لم تُقرع، وسط إصرار رئيس «الإشتراكي» على إظهار ترفّعه عن المبادرات والإصطفافات والتقوقعات الرئاسيّة الهشّة!
في الخيارات الكبيرة لا يفرّط وليد جنبلاط في مواقفه. جازماً كان بموقفه من خذلان العرب لأنفسهم والشعب السوري، كما اعتباره أنّ «حزب الله» ليس عربياً ولن يكون بطليعة المدافعين عن القضيّة العربيّة لإمتلاكه مشروعاً آخر قابلاً للطرح مع إنهيار المشروع العربي… أما في الشقّ الداخلي، ورغم إنقضاء ما يقارب الـ7 أشهر على شغور سدّة الرئاسة الأولى، فترك جنبلاط الباب مفتوحاً أمام خياراته الرئاسيّة، إنطلاقاً من تموضعه في الصف الواقعي رغم اللامبالاة التي حظيت بها مبادرته، ودعوته إلى التسوية حول مرشّح يمتلك رؤية إجتماعية إقتصادية يضع البلد على الخط الجديد… فما الذي ينتظره «الإشتراكي» للخروج من المنطقة الرماديّة؟ وهل يكفي الإبقاء على رسائل الودّ مع الشركاء المسيحيين في الجبل، كما مع «الثنائي الشيعي» عبر صديقه الرئيس نبيه بري؟
بعد تلميح «الإشتراكي» الى استخدام الورقة البيضاء في وجه طروحات التحالفات الثنائيّة المستجدة التي تتجاهل الشراكة الفاعلة مع «اللقاء الديمقراطي»، تشير أوساط «اللقاء» لـ»نداء الوطن» إلى أنّه لا طموح لنواب «اللقاء» في لعب دورٍ مرجّحٍ في صناعة الرئيس مع فريق في وجه فريق آخر، خلافاً لسعيهم إلى لعب دور فاعل في حلّ الأزمة الوطنيّة المستعصيّة على صعيد البلد، بعيداً عن الحسابات المرتبطة بهذا الفريق الرئاسي أو ذاك. واعتبر أنّ التلميح الى استخدام الورقة البيضاء يعدّ من الخيارات المطروحة بوجه الطروحات الرئاسيّة التي يسعى البعض إلى فرضها، وسط تعذّر التوافق على طرح رئيسٍ «وسطي» قادر على تلبية حاجات المرحلة السياسيّة الأساسيّة، بعيداً من التهديد والمشاركة بتعطيل النصاب، كما يفعل الآخرون، ما يؤكّد موقف اللقاء الديمقراطي البعيد عن المشاركة في تعطيل المؤسسات الدستوريّة.
ومع إعادة تأكيد «الإشتراكي» موقفه الداعي إلى وصول رئيس يملك رؤية إقتصادية دستوريّة يعيد انتخابه الإطمئنان والثقة إلى البلد والأصدقاء في الخارج، أشارت أوساطه إلى أنّ الإتصالات مع المعارضة تندرج في إطار التواصل مع الجميع، في الداخل كما الخارج، وذلك بهدف الإستفادة من المناخ الإقليمي المستجد، للإسراع في إنتاج تسوية وطنيّة ينجم عنها اختيار رئيس توافقي يشكّل إنتخابه مدخلاً لإنقاذ البلد من الوضع الذي وصل إليه. وذلك بعيداً عن الدخول في الأسماء ومنها تلك التي تضمنتها المبادرة التي أطلقها رئيس الإشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط. ما يؤكّد أن «الإشتراكي» ثابت على موقفه الرافض المشاركة في انتخاب رئيسٍ يشكلٍ تحدياً لأي طرف. وتحت هذا العنوان، لا يحبّذ الاشتراكي الانضمام إلى تلاقي المعارضات مع «التيار الوطني الحر» فيما لو حصل، حول اسم جهاد أزعور، لكونه سيصير في هذه الحالة مرشح تحدٍ في وجه الثنائي الشيعي.
في الغضون، وجد آخرون في مواقف «الإشتراكي» محاولة لترك باب التفاهم غير المباشر مفتوحاً مع «الثنائي الشيعي» من خلال مجاراته في تأمين النصاب القانوني، مقابل إبعاد «اللقاء» عن الحسابات العددية التي يعوّل عليها «الثنائي» في معركة إيصال مرشحه إلى بعبدا… على أن يترك خيار الإقتراع مفتوحاً أمام أعضاء «اللقاء الديمقراطي»، بما يراعي هواجس وحسابات رئيس «اللقاء» النائب تيمور جنبلاط التواق إلى ملاقاة «الجيل الشاب» وتفادي مواجهة «الجو المسيحي» في الجبل، الرافض عبر «أحزابه المسيحيّة» ترئيس سليمان فرنجيّة راهناً. وهذا ما من شأنه إطالة الأزمة الرئاسيّة المرتبطة بتمسّك «حزب الله» باعتباره أن معايير الرئيس الجيّد للجمهورية تنطبق حصراً على رئيس «المرده» سليمان فرنجيّة، رغم مواقف رئيس الإشتراكي الذي أطلّ من موقع «المرشد» المتحرر من المبادرات والخلافات كما المقاربات الرئاسيّة الصغيرة المطروحة والمتداولة.
بالنتيجة، عاد جنبلاط إلى مربّعه الوسطي. «لا مع سيدي ولا مع ستي». بانتظار تطور ما قد يحمله من مطرح إلى آخر. فهل يكون هذا التطور، بعض الضمانات الدولية التي تطمئن باله وتدفعه إلى وضع ورقة تأمين النصاب في خدمة فرنجية؟