كتبت بولا أسطيح في “الشرق الأوسط”:
تسعى الحكومة جاهدة لإلقاء أي مسؤولية عن كاهلها بما يتعلق باستيراد المحروقات الإيرانية، فبعد إعراب رئيسها نجيب ميقاتي عن حزنه لـ«انتهاك سيادة لبنان» من خلال العملية التي نفذها «حزب الله» وشملت في مرحلتها الأولى استيراد 4 آلاف طن مازوت من طهران عبر معابر غير رسمية، سارعت مصادره أمس إلى التأكيد مجدداً أن «الحكومة لم تطلب أي شحنة وقود من إيران»، وذلك بعد ما تردد عن أن الخارجية الإيرانية أعلنت أن شحنة الوقود المرسلة إلى لبنان عبر سوريا «كانت بطلب من السلطات اللبنانية».
إلا أن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة عاد وأوضح أن إرسال الوقود الإيراني إلى لبنان «جاء وفق عملية شراء عادية وطبيعية تماماً من قبل التجار اللبنانيين»، لافتاً إلى أنه لو أرادت الحكومة اللبنانية أیضاً شراء الوقود من إيران فإنها ستضعه تحت تصرفها على الفور. وقال خطيب زادة رداً على تصريحات ميقاتي، إن «الجمهورية الإسلامية الإيرانية ملتزمة دوماً دعم أصدقائها والحكومات الصديقة لها». وتابع أن «السلام والأمن والاستقرار في لبنان أمور مهمة لنا أكثر من أي شيء آخر ونحن نساعد الحكومة اللبنانية كي تحقق النجاح في هذا المسار».
ومن المرتقب أن تصل شحنات جديدة من المازوت والبنزين من إيران إلى لبنان عن طريق سوريا، كما كان قد أعلن «حزب الله». وهو ما دفع كثيرين لمطالبة الحكومة الجديدة باتخاذ موقف واضح من الموضوع باعتبار أن ذلك يعرض سيادة لبنان وعلاقاته الخارجية للخطر.
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نعيش في لبنان في ظل حالة أمر واقع متمثلة بـ(حزب الله) وسلاحه ودوره والتدخل الإيراني بالشؤون الداخلية اللبنانية، إن كان دعماً للحزب وتسلحه على حساب الدولة والسيادة اللبنانية وإن كان عبر الاستعراض الأخير من خلال النفط الإيراني الذي شكل انتهاكاً للسيادة باعتباره لم يمر عبر مفاوضات مع الدولة إنما عن طريق حزب سياسي».
واعتبرت أن «التمادي في خرق السيادة حصل في السنوات الأخيرة في ظل عهد الرئيس ميشال عون وغطائه كما في ظل حكومة حسان دياب، وهذا أدى إلى ضرب علاقات لبنان بالدول الخليجية بعد تحوله منصة لاستهدافها».
وطالبت الحكومة الجديدة بـ«اتخاذ الموقف المناسب على مستوى حماية السيادة اللبنانية والحفاظ على علاقات لبنان الخارجية». وأضافت «تم تمرير هذه المحروقات عن سابق تصور وتصميم ما بين التأليف وقبل الثقة كي لا تكون للحكومة أي مسؤولية عنها ما يحصر المسؤوليات برئيس الجمهورية. لكن من لحظة نيلها الثقة ستصبح مواجهتها برلمانياً ضرورية. نحن في نهاية المطاف نعيش في ظل أمر واقع في حال لم تتم مواجهته سيبقى لبنان في حالة عزلة وستبقى السيادة منتقصة والدولة مغيبة».
أما رئيس «مركز الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري» رياض قهوجي فاعتبر أن الحزن الذي عبر عنه الرئيس ميقاتي «هو شعور وليس بموقف لدولة باعتبار أن موقف الدولة يصدر بشكل رسمي عن الحكومة، إما بالسماح أو بالرفض لاستيراد النفط الإيراني. ورئيس الحكومة يأخذ قراره بناء على مصالح الدولة ولا يعبر فقط عن مشاعر لا تعني شيئا في العلاقات بين الدول».
وقال قهوجي لـ«الشرق الأوسط»: «كان هناك قرار واضح بأن لا يكون هناك موقف للدولة وبإبقاء الموضوع مبهماً لأن كل ما يجري هو نتاج أمر واقع». ولفت إلى أن رئيس الحكومة «يدرك أن طلب النفط الإيراني بشكل رسمي ومن دون موافقة مسبقة أميركية سيؤدي لفرض عقوبات عليه وعلى الحكومة. المهم معرفة كيف ستتصرف أميركا وفرنسا إذا ما استمر (حزب الله) باستيراد النفط الإيراني على هذا الشكل ومن دون موقف للحكومة».
من جهته، وضع الكاتب والمحلل السياسي المتخصص في شؤون «حزب الله» قاسم قصير مواقف الرئيس ميقاتي من المحروقات الإيرانية في خانة «تسجيل موقف اعتراضي مبدئي من دون أن يعني ذلك أي جانب عملي طالما أن المازوت دخل ويتم توزيعه، وهو بهدف إرسال رسالة بأن الحكومة ليس لها علاقة بما جرى».
وقال قصير لـ«الشرق الأوسط» إنه «يمكن أن يتوسع الاستيراد في حال كانت هناك أسباب ضرورية وإذا استمرت الأزمة وكذلك في حال تم التوصل إلى اتفاق أميركي – إيراني لرفع العقوبات. لكن حالياً سيستمر الاستيراد عبر الصيغة التي يرعاها (حزب الله)، ويمكن لاحقاً دخول أطراف أخرى على الخط».