توحي كل المواقف والتطورات الداخلية والخارجية الايجابي منها والسلبي انّ الاستحقاق الرئاسي بدأ يقترب من الانجاز في وقت ليس ببعيد، لأنّ المناخات والانعكاسات التي تركها الاتفاق السعودي ـ الايراني لن تستثني على ما يبدو اي بؤرة من بؤر التأزّم او التوتر في المنطقة ومنها لبنان، بما سيؤدي حتماً إلى قيام نظام اقليمي جديد.
يقول سياسي مخضرم عبر “الجمهورية” انّ الخطوات السعودية والايرانية المتلاحقة على ساحة المنطقة لتحصين الاتفاق السعودي ـ الايراني تستهدف تأمين شبكة أمان لهذا الاتفاق، تتمثل بإنهاء الأزمات التي كانت في شكل او آخر ساحات مواجهة او خصومة بين الرياض وطهران، خصوصاً انّ البلدين اقتنعا بقوة في انّ التطور والصعود اللذين ينشدانهما على كل المستويات، لا يمكن ان يتحققا لكليهما اذا لم تتوافر لهما البيئة الآمنة وتصفير المشكلات التي يواجهانها بوجوهها الداخلية والخارجية.
ويؤكّد هذا السياسي، انّ اللقاء المقرّر في طهران قريباً بين وزير الخارجية الايراني امير حسين عبد اللهيان ونظيره السعودي الامير فيصل بن فرحان سيشكّل محطة مهمّة، ليس على مستوى تطبيع العلاقات بين البلدين فقط، وانما على مستوى معالجة الأزمات الاقليمية، في الوقت الذي سيزور الرئيس الايراني السيد ابراهيم رئيسي سوريا، في خطوة تسبق زيارته المقرّرة للسعودية تلبية لدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وتسبق ايضاً انعقاد القمة العربية المقرّرة في الرياض في 19 ايار المقبل، الامر الذي يدلّ الى انّ الجانبين السعودي والايراني يوليان سوريا اهمية كبرى في سعيهما لتصفير الأزمات الاقليمية خصوصاً انّ دمشق كانت استقبلت اخيراً وزير الخارجية السعودي، الذي نقل الى القيادة السورية رؤية المملكة لحلّ الأزمة السورية وعودة سوريا الى مقعدها في جامعة الدول العربية.
ويرى السياسي نفسه، انّ لبنان سيستفيد تلقائياً من اي ترتيب للعلاقة السورية ـ السعودية وللعودة السورية إلى العرب وعودة العرب اليها، وهذه الاستفادة يرجح ان تُترجم في الثلث الاخير من ايار المقبل، وإن كان البعض لا يستبعد ان تكون قبل انعقاد القمة العربية لكي يتسنّى للبنان المشاركة فيها بوفد يرأسه رئيس الجمهورية الجديد.
ويكشف السياسي ايّاه، انّ هناك مؤشرات إلى تحرّك سعودي وشيك في اتجاه لبنان بعد عودة سفير خادم الحرمين الشريفين وليد البخاري من عطلة عيد الفطر الى بيروت، وهي عودة تزامنت مع زيارة وزير الخارجية الايرانية، الذي حرص على اعلان موقف من استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية، لا يختلف في مضمونه وخلفياته عن الموقف السعودي، وهو انّ طهران تدعم ان يتمّ انتخاب الرئيس العتيد بالاتفاق بين اللبنانيين. وقد اعلن عبداللهيان هذا الموقف امام رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وكذلك امام رؤساء الكتل النيابية وممثليها الذين اجتمع بهم في مقر السفارة الايرانية، بعدما استمع الى آرائهم وافكارهم حول الاستحقاق الرئاسي وكذلك حول الاتفاق السعودي ـ الايراني وتداعياته على المنطقة، ما أضفى على زيارته الطابع الاستطلاعي الذي يسبق لقاءه مع نظيره السعودي الذي سيزور طهران ملبياً دعوته اليها. وعلى الارجح، انّ رئيس الديبلوماسية السعودية سيلبّي دعوة نظيره الايراني في العاشر من ايار المقبل او قبله، حيث تنتهي مهلة الشهرين التي حدّدها الجانبان لتدشين عودة العلاقات الى طبيعتها بينهما وفق الأسس التي نصّ عليها «اتفاق بكين»، وقد وصف البعض هذه المهلة في حينها بأنّها لاختبار النيات.
على انّه وفي سياق متصل، تترقب اوساط سياسية تتبّع خطوات «اتفاق بكين» وتداعياته الاقليمية والدولية، حصول تواصل على مستوى ما بين الرياض و»حزب الله»، من شأنه ان يؤسس لفتح صفحة جديدة في العلاقة بين الجانبين، خصوصاً مع تلاحق الخطوات لحلّ الأزمة اليمنية التي كانت السبب الرئيسي في تدهور العلاقة بينهما، والجميع يتذكر هنا انّ الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله كان قال في «حوار الاربعين» لمناسبة الذكرى الاربعين لتأسيس الحزب، أن لا مشكلة بينه وبين الرياض الّا قضية اليمن فقط، وها هي هذه القضية تمضي قدماً الى الحل، في ضوء المفاوضات الجارية بين المعنيين وما يرافقها من خطوات عملية لإنهاء الأزمة برمتها.
وقيل في هذا المجال، انّ المرشح الرئاسي رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية يملك معطيات ايجابية حول ما سيكون عليه مستقبل العلاقة بين الرياض و»حزب الله»، وقد عرضها مع الجانب الفرنسي أثناء زيارته الاخيرة لباريس التي أبلغت الى اكثر من جهة معنية بالاستحقاق الرئاسي، ارتياحها الى أجوبته عن مجموعة من الاسئلة التي وجّهتها اليه حول الاستحقاق الرئاسي وما هو مطروح في شأنه من التزامات وضمانات بوجهيها الداخلي والخارجي. وقد نقل الفرنسيون اجواء هذه المعطيات إلى الجانب السعودي الذي يستعد للقاء قمة مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي سيزور الرياض قريباً، وعلى الأرجح قبل القمة العربية المقرّرة في 19 ايار، وسيتصدّر لبنان مواضيع البحث بين الرئيس الفرنسي والمسؤولين السعوديين لجهة مساعدة الأفرقاء السياسيين اللبنانيين على إنجاز الاستحقاق الرئاسي في اقرب وقت ممكن وقبل دخول لبنان في فراغات داهمة في مواقع ادارية حساسة تتصدّرها حاكمية مصرف لبنان التي تنتهي ولاية من يتولاها مطلع تموز المقبل، حيث انّ هذا الموقع وغيره لا يتحمّل اي تأجيل، ويوجب ان يكون للبنان رئيس جديد وحكومة جديدة تتخذ القرارات العاجلة لمنع اي فراغ، وتقود الورشة الاصلاحية المطلوبة داخلياً وعربياً ودولياً، لإنقاذ لبنان من الانهيار الذي وصل اليه.