كتبت يولا هاشم في “المركزية”:
أقرّت الحكومة في جلستها الأخيرة، بالإضافة إلى الزيادة السابقة بدفع راتبين إضافيين، دفع أربعة أضعاف الراتب الذي يتقاضاه موظفو القطاع العام والمتعاقدون والأجراء، من مدنيين وعسكريين، بما فيها السلك القضائي والمجلس الدستوري والجامعة اللبنانية والمستشفيات الحكومية والبلديات وكل من يتقاضى راتباً أو أجراً أو مخصصات من الأموال العمومية، وتُسمى تعويضاً مؤقتاً يسدّد اعتباراً من نهاية شهر أيار المقبل.
وتعطي الزيادة 4 أضعاف الراتب الذي يتقاضاه موظفو الملاك في القطاع العام والمتعاقدون والأجراء ومن المفترض ألا يقلّ هذا التعويض المؤقت عن ثمانية ملايين ليرة شهرياً. أما الموظفون السابقون، فتبلغ زيادتهم 3 أضعاف راتب التقاعد. ويضاف 50 في المائة على بدل الساعة للمتعاقدين في التعليم الأساسي والتعليم المتوسط والتعليم الثانوي والتعليم المهني والتقني والتعليم الزراعي الفني الرسمي. كما قرّرت دفع ثلاثة أضعاف الراتب الأساسي ومتمّماته الذي تتقاضاه الأسلاك العسكرية، على أن لا يقلّ هذا التعويض المؤقت عن سبعة ملايين ليرة شهرياً. كما تم تعديل بدل النقل إلى 450 ألف ليرة يومياً، مع اشتراط عدد أدنى من أيام الحضور إلى العمل (14 يوماً). كذلك أقرّت الحكومة رفع الحدّ الأدنى للأجور في القطاع الخاص إلى 9 ملايين ليرة و250 ألف ليرة لبدل النقل.
وتسعى الحكومة من هذه الزيادات إلى إعادة تشغيل عجلة القطاع العام الذي توقفت معظم إداراته منذ أوائل شباط الماضي، مع إضراب موظفي الإدارات العامة. وتتوقع الحكومة، في حال إعادة تفعيل مؤسسات الدولة الإنتاجية، من تحقيق نسبة جباية مرتفعة لصالح الخزينة، وتزيد إيراداتها المالية من المؤسسات والقطاعات التي تضخ يومياً الأمولا في المالية العامة كدائرة تسجيل السيارات ودفع رسوم الميكانيك والدوائر العقارية، إضافة الى عائدات الدولار الجمركي الذي تمّ رفعه الى 60 ألف ليرة، ثم الى سعر المنصة الشهر المقبل، والرسوم “الزهيدة” المنوي جبايتها من شاغلي الأملاك البحرية وغيرها… فتتمكن بذلك، وزارة المال من تغطية كلفة الزيادات على الرتب والرواتب.
إلا أن هذه الخطوات قابلها اعتراض من قبل العسكريين المتقاعدين وموظفي القطاع العام الذين اعتبروا ان الزيادة لا تساوي شيئاً تجاه المعيشة الصعبة والأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد. لذلك، يتحضّر العسكريون لتحرّكات مقبلة بالتنسيق مع رابطة موظفي القطاع العام والمتضررين كافة. وتوازياً أعلنت رابطة موظفي الإدارة العامة الاستمرار بالتوقف عن العمل حتى 5 أيار. فما تداعيات كل ذلك على الوضع العام في لبنان؟
الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين يؤكد لـ”المركزية”، أن “موظفي القطاع العام اعتبروا الزيادة غير كافية، لأن إذا تمّ احتسابها على الدولار تبقى أقل من الراتبين اللذين كان يتقاضاهما الموظف، والخوف يكمن في ارتفاع سعر الدولار مما يؤدي الى تآكل الزيادة قبل بدء مفعولها. فكل موظف في الدولة بات يتقاضى سبعة رواتب، راتبه + 6 (راتبين سابقاً زائد أربعة أضعاف حالياً) إضافة الى بدل النقل 450 الف ليرة لبنانية. إلا أن كل هذه الزيادة، في حال كان الموظف يتقاضى مليون ليرة لبنانية والتي كانت تساوي 700 دولار أميركي، أصبحت المليون ليرة تساوي 7 مليون ليرة (أقل من 100 دولار اميركي) اي أدنى من راتبه سابقاً. لهذا يعتبر الموظفون ان هذه الزيادة لا تعيد لليرة قيمتها التي خسرتها”.
ورداً على سؤال عما إذا كانت هذه الزيادة تشمل النواب والوزراء والرؤساء، يشير شمس الدين الى ان “القانون نصّ في المرة الماضية عندما تقاضوا راتباً مقابل راتب آخر، على ان يشمل كل من يتقاضى راتبا عاما شرط ألا يزيد عن 12 مليون ليرة، وبالتالي إذا اعتمدنا السيناريو الماضي نفسه، من المفترض ان تشملهم الزيادة”، لافتاً الى ان “كلفة الرواتب التي تبلغ اليوم 36 ألف مليار ليرة، تصبح نحو 85 ألف مليار ليرة، اي بزيادة تبلغ نحو 50 مليار ليرة.
أما عن مصدر تغطية هذه الكلفة، فيؤكد شمس الدين “ان الحكومة لن تتمكن من تغطيتها من أي مكان، بل سيتم طبع عملة جديدة، لأن كل هذه الخطوات، من زيادة الجمارك او الاملاك البحرية، لا تؤمّن هذه الزيادات، خصوصا وان عمليات التهريب والتهّرب ستزيد، وبالتالي سيصار الى طباعة العملة والتي ستؤدي بدورها الى التضخم”.
أما عن انعكاسها على وضع الخزينة وعلى الوضعين المالي والاقتصادي وهل ستؤدي الى اعلان افلاس لبنان، فيجيب شمس الدين بـ”أنها ستؤدي الى مزيد من الانهيارات والتضخم”.
وعما إذا كان يمكن تشبيه ذلك بما حصل في عهد الرئيس ميشال سليمان عندما أصرّت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي على سلسلة الرتب والرواتب رغم تحذيرات المصرف المركزي من تداعيات الخطوة على الوضعين المالي والاقتصادي لانها غير مدروسة وتأتي في ظل ركود اقتصادي، والتحذير من الانهيار ورغم تحذيرات الهيئات الاقتصادية وطلب حاكم مصرف لبنان اقرارها على ثلاث مراحل، ما أدى الى انهيار خزينة الدولة. وما الذي سيحل بها اليوم، هنا يجيب شمس الدين: “هذه أخطر والانهيار أكبر، لأننا في تلك المرحلة لم نكن نزيد، وكانت ما زالت هناك دولة وايرادات. اليوم لا إيرادات. كل ايرادات الدولة ممكن ان تُحصّل 60 ألف مليار ليرة، في حين ان الرواتب لوحدها أصبحت تكلّف 85 ألف مليار ليرة”.
ويضيف: “التضخم منذ بداية الأزمة حتى اليوم بلغ 1800 في المئة. مع الزيادة سيرتفع التضخم أكثر وترتفع معه الاسعار وتزيد الاجور ولا ننتهي من الدوامة، وندخل في حركة جهنمية”.
هل الحل بانتخاب رئيس وتشكيل حكومة، يقول: “نعتبر ان الأزمة سياسية وليست اقتصادية وبالتالي من المؤكد ان عندما تُحلّ في السياسة تحلّ في الاقتصاد. 90 في المئة من مشكلة لبنان سياسية، و20 في المئة اقتصاد، لذلك حكماً عندما يحصل انتخاب رئيس واتفاق على تشكيل حكومة، يتحسّن الوضع، وأهمها ان الدولار قد ينخفض. ومع انخفاضه تعود الامور الى الاستقرار والى وضعها الطبيعي”.