تصريحات بعض النواب هذا المساء في اطار زيارة لصندوق النقد الدولي تُثير الريبة!

بقلم المحامي كارول سابا

وهم قالوا انهم وافقوا على تطبيق خطة صندوق النقد الدولي بالكلية ! غريب ! هل سمع هؤلاء النواب المقابلة مع السيد مُنير راشد، الخبير السابق بالصندوق الدولي على الم تي في منذ ايام، الذي لديه باع كبير في خطط صندوق النقد وتداعياتها…؟

أنا ادعوهم بمَوَدَّة، لسَماع هذه المقابلة، حيث يتكلم مُتخصِّص يَعرف ما يقول عن خُطط صندوق النقد وتقنياتها، يتكلم بمنهجية وعلم وينتقد خطة صندوق النقد الدولي بصراحة، على عدة مستويات وينتقد تعابيرها والتسميات المستعملة بها والتي لا تتوافق مع القانون والدستور اللبناني، و بالأخص في ما يتعلق “بشطب” الودائع التي تتضَمَّنها الخطة التي وافق عليها الوفد النيابي بالامس، من حيث يدري او لا يدري، والتي تُعتبر سرقة ثانية بعد الاولى، تضرب بقدسية ودستورية الودائع كملكية خاصة مَحمية من الدستور !

وكان في الحلقة ذاتها، مُداخلة للاستاذ اكرم عازوري، محامي جمعية المصارف في لبنان، اثنى فيها وأكَّد على ما قاله السيد منير راشد، حول قدسية الودائع على انها “إلتزامات” قانونية وليست “خسائر” كما يقول صندوق النقد وخُطط التعافي الحكومية (واليوم مع الاسف بعض نواب المعارضة) وذلك لتلبيس المودعين الذين سُرقوا مرة، تلبيسهم هذه الخسائر التي لم يُشاركوا بها، والتي لا ناقة ولا جمل لهم في قرار إستعمالها غير المشروع من قبل مصرف لبنان والسلطة التنفيذية السياسية (والتشريعية المتواطئة معها) في لبنان.

وهذه حرفية ما قاله الزميل عازوري حرفياً في المداخلة في المقابلة : “ان الجمعية (اي جمعية المصارف اللبنانية) قدَّمت منذ سنة دعوى امام مجلس شورى الدولة ضد الدولة اللبنانية والحكومة اللبنانية لتُعارِض موضوع شَطب الودائع، لان الودائع هي مُقدَّسة وهي بحماية الدستور، ولا تقدر السلطة التنفيذية لا بطريقة مباشرة ولا بطريقة مُلتوية، ان تقول انا لا اريد ان اردّ الودائع، التي، اصلاً، كان إستيلاءها على الودائع هو مخالف للدستور، والدعوى لا تزال قيد النظر بمجلس شورى الدولة” !

هل هناك كلام جَليّ اكثر من هذا الكلام ؟ فكيف يقبل ألنواب بعكس ذلك ؟ فعلى ماذا وافق أصدقاؤنا النواب بالامس بعد لقاءهم مع السيد ازعور ؟ هل هم مع ما تضمنه تقرير بيان خبراء الصندوق بعد زيارة السيد راميريز الى لبنان بمارس الماضي !؟ هل يوافقوا على كلام الاخير في مؤتمره الصحفي في بيروت الذي قال فيه، على ما يبدو (حسب ما قالته صحافية الم تي في، في مسار الحلقة) “ان اللبنانييين تعودوا على العيش منذ ثلاث سنين بدون ودائعهم !” اي بما معناه انهم سيتعودوا على شكلها ! اذا كان هذا التصريح صحيح، فهو مُعيب ولا يُشرِّف النواب الذين كان عليهم ان يتعرضوا في واشنطن على هكذا تصاريح، لا ان يقبلوا ويثنوا على خطة مجحفة !

هل هم مع تدجين القطاع المصرفي (ليقرؤوا بنود الاصلاح المالي في التقرير) ؟ هل هم مع الإعتراف “بالفجوة”، وهي كلمة تظهر وكأنها بريئة من كل عيب، بينما هي عنوان لسرقة الودائع مرة ثانية من قِبَل السلطة التنفيذية والتشريعية، في حال أقرت السلطة التشريعية هكذا قوانين كابيتال كونترول همجية معارضة للدستور والقوانين ؟ هل هم مع نظرية “الخسائر” التي يتضمنها التقرير كمقدمة لتحميل المودعين هذه الخسائر، بينما الودائع هي “إلتزامات” قانونية تعاقدية للمصارف تجاه المودعين، وهي تأتي ضمن “عقد” خاص بين المصرف والمودع، لا دخل ولا قدرة للمصرف المركزي ولا للسلطة التنفيذية او التشريعية حرية التدخل به ! وهي محمية من الدستور اللبناني، الذي لا يفرق بين وديعة كبيرة، متوسطة و/ او صغيرة، ولا يستطيع نائب او حتى برلمان بكليته ان يقرر عكس ذلك، لان قراره سيكون غير دستوري؟ فالخطة التي يبدو ان نوابنا وافقوا عليها، تتكلم عن حماية “صغار المودعين” ! هل النواب الذين قبلوا بالخطة بعد لقاءهم مع السيد ازعور، قبلوا بهذا التصنيف الغير قانوني؟ في حين ان القانون اللبناني لا يفرق بين صغار ومتوسطي وكبار المودعين ! المودع مودع يا سادة لا اكثر ولا اقل !

اما استعمال كلمة “صغار المودعين” في التقرير (وهذا أتى بشكل صريح في التقرير النهائي تحت عنوان “لبنان: بيان خبراء الصندوق في ختام بعثة مشاورات المادة الرابعة لعام ٢٠٢٣ – ٢٣ مارس ٢٠٢٣”) فليس الا غطاء كلامي “لشطب الودائع” فوق ال ١٠٠ الف ؟ وهذا ما قاله الرئيس ميقاتي في المجلس للجان ولم يُقدِّم لحينه، على حد علمي، تأكيد خطي للنواب على ما قاله ! بالطبع، قال ا اولا ٢٠٠ الف ومن ثم ١٠٠ الف وكل هذا غير مستند لاية اسس قانونية، وهو مُنافي للدستور، وهذا ما رفضه النواب في اللجان، ويبدو انهم قبلوه اليوم في صندوق النقد بالامس …

اين هؤلاء النواب من كل هذا ؟ هل قرؤوا البيان الختامي للتقرير اعلاه وما يتضمنه من فخاخ تكبل الاقتصاد اللبناني وتجعله اقتصاد غير حر.وتحت المراقبة والتقييد والتكبيل؟ فمثلا هذا ما يتضمنه التقرير: “وعلى وجه التحديد، ينبغي أن يتاح للجهات المعنية الاطلاع على البيانات المتعلقة بمعاملات الأفراد وودائعهم المصرفية”. هل هذا اقتصاد حر ام اقتصاد مُراقَب. بالطبع نحن مع كل منهجيات مناهَضَة تمويل الإرهاب وتبييض الاموال ولكن لا يمكن الدخول الى خصوصية العلاقات الفردية و الافراد في بلد اقتصاد حر ويحمي الحريات الاساسية التي من ضمنها السرية المصرفية النوعية، بهذه الطريقة العامة والخطرة بدون ضوابط ليكون هذا الاستثناء وليس المبدأ !

والجدير ذكره ان السيد منير راشد شرح كيف ان هذا التقرير لم يَصِل بعد على شكل خطة نهائية الى “مجلس التنفيذيين” في الصندوق، وكيف ان هذا المجلس، وليس الخبراء الذين وقعوا مع الحكومة البنانية، هو الوحيد المُقرِّر النهائي للخطة، وليس الخبراء التقنيين ! الم نرى ونقرأ مقالات وتقارير كيف اخطؤوا هؤلاء الخبراء التقنيين بالماضي بحق دول ومجتمعات، وبعضهم اخطؤوا بحق لبنان اخيرا (خطأ فادح يرتقي ربما الى مستوى الخيانة الوطنية التي الى الان بقيت بدون محاسبة) عندما نصحوا حكومة ر. دياب، بالتعثر عن الدفع اليوروبوند الخارجي في حين كان لدينا ٤٠ مليار دولار حينها كانوا لا يزالوا باليد ! بالطبع، حسب قول السيد راشد، مجلس التنفيذيين يُمكن ومرجح ان يرفض هذه الخطة بالكلية ليس بسبب عدم دقتها القانونية تعارضها مع الدستور بل ايضا بسبب تداعيات الاجتماعية والسياسية التي قد تخلق ثورة في لبنان في حال شُطبت الودائع بعد اكبر سرقة لها من قبل دولة !

كيف يقول هؤلاء النواب انهم مع تطبيق كامل لخطة صندوق النقد ؟ ألم يسمعوا تصريحات السيد راميريز في اطار زيارته لبيروت ؟ عن شطب الودائع وان القطاع المصرفي يجب تحجيمه ووو، وان المودعين تعودوا العيش دون الودائع … ؟ ومن قال ان لبنان بحاجة لخطة صندوق النقد هذه التي ليست الا سيطرة دولية على اقتصادنا وتحجيمه وتكبيله ربما لخدمة اقتصاديات إقليمية ؟ هناك سوابق معروفة عالميا لدول تضرر اقتصادها وانكمش على سنوات طوال من هكذا خطط تكبيلية للإقتصادات !

اذا كان لدى النواب الذين وافقوا على الخطة بالكامل لديهم تفاصيل اكيدة لهذه الخطة، غير ما اشرنا اليه اعلاه وهو موثق في التقرير، فلينشروها للرأي العام … ويقولوا على ماذا وافقوا !

ثم، كيف لهؤلاء النواب الاصدقاء ان يوافقوا على هذه الخطة، وهم كانوا من ينتقد خطط التعافي الحكومية التي قدمها الرئيس دياب والتي أعاد التأكيد عليها الرئيس ميقاتي، و التي هي ليست الا تطبيق لخطة الخبراء هذه في الصندوق !؟ في حين، ان مجلس التنفيذيين في الصندوق لم يقل كلمته بعد على الخطة، التي لم تقدم له بعد نهائيا (فكيف يوافق النواب على شيء ليس نهائي بعد) وبينما لجان مجلس النواب رفضت خطط التعافي الحكومية المستندة الى خطة الصندوق هذه، وفي حين ان الخطط الحكومية لم تقدَّم بعد رسميا للمجلس النيابي اللبناني !

نهاية، كيف يوافق النواب على الخطة بالكلية التي تتضمن شطب الودائع، في حين ان اللجان المشتركة التي شاركوا بها، اقرت مؤخرا مشروع قانون “لحماية” الودائع وعدم التفريق بين ودائع صغرى متوسطة او كبرى !؟

غريب !! ولا بد للاصدقاء النواب من التصويب وتصويب الوجهة نحو الاستدارة الصحيحة والدستويرة ! كل تفريط بالكلمات ومعناها القانوني يُنتج أبشع الهرطقات!

شاهد أيضاً

هوكشتاين في بيروت: تقدّم نحو هدنة رغم الخلافات حول الحدود

بات الحل لوضع حد للحرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان “في متناول اليد”، بحسب …