كتب خالد ابو شقرا في نداء الوطن :
الترشيد يطال البنزين للمرّة الثالثة في أقلّ من 4 أشهر واستنزاف احتياطي الدولار مستمرّ
“العز” للمازوت المهرّب… والشرعي “شنق حالو” بـ”حبل” رفع الدعم المُموّه
نام اللبنانيون مساء أمس الأول على تأكيد وزير الإعلام عدم مقاربة الحكومة لمسألة رفع الدعم عن المحروقات، ليصبحوا البارحة على زيادة 50 ألف ليرة في سعر البنزين، و”اختفاء” المازوت الرسمي عن جدول تركيب الأسعار.
هل رفع الدعم؟ ومن اتخذ القرار إن كانت الحكومة منه براء؟ وهل تمّ الكشف على خزانات المحطات لتأكيد خلوها من المواد المدعومة قبل زيادة الأسعار؟ هل كان تحرير سعر المازوت بالتزامن مع دخول المازوت غير الشرعي مجرد صدفة أم أمراً مقصوداً لكي لا يخسر “حزب الله” بمازوته ملايين الدولارات؟
الضبابية تغلّف قرارات الحكومة
أسئلة كثيرة جوابها الوحيد هو “الضبابية”، التي يظهر أن الحكومة ستغلف بها كل قراراتها المصيرية المتعلقة بهموم المواطنين وظروفهم المعيشية. فصحيح أن الدعم لم يرفع رسمياً، إلا أن “استيراد المشتقات النفطية سعّر على أساس 12 ألف ليرة للدولار”، بحسب الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، وذلك بدلاً من 16 ألف ليرة تحملها المواطنون مع الحكومة مناصفة منذ 22 أب ولغاية 8 أيلول. وعلى هذا الأساس ارتفع سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان من 126400 إلى 174300. فيما ارفع سعر صفيحة 98 أوكتان من 130500 إلى 180000 ألف ليرة. أما المازوت فلم يحدد سعر مبيعه في الجدول، لتنحصر إمكانية استلامه لكل من يدفع بين 550 و590 دولاراً للطن الواحد، إما بالدولار الطازج وإما بسعر صرف السوق الموازية. وبحسب شمس الدين فان “ما يجري هو إجراء تدريجي لرفع الدعم. حيث لم يعد يتحمل مصرف لبنان إلا فرقاً بسيطاً يقدر وسطياً بـ2000 ليرة للدولار الواحد اذا اعتبرنا ان سعر السوق الموازية 14 ألف ليرة”.
لا خطّة واضحة
لا شك بأن “الرفع التدريجي للدعم يخفف من صدمة تحرير الأسعار دفعة واحدة، ويكون وقعه على المجتمع والمواطنين أخف”، تقول عضو المجلس الإستشاري للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز “LOGI”، والخبيرة في شؤون حوكمة الطاقة ديانا القيسي، “إلا أن هذه الإجراءات التي لم تأت من ضمن خطة متكاملة تعوض عن انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين من جهة، وتضع آلية عملية وفورية لتوفير وتطوير قطاع المواصلات من الجهة الثانية، ستخلق كارثة اجتماعية، ولن تؤدّي الهدف منها”. وبحسب القيسي فانه “مقابل فاتورة المحروقات التي كانت تكلف مليارات الدولارات سنوياً، بالامكان تخصيص مبالغ أقل بكثير لكل المواطنين من أجل مساعدتهم على الصمود”.
رفع الدعم مواربة يصبّ في مصلحة المازوت الإيراني
رفع الدعم مواربة، وتحديداً عن المازوت، تزامن بالصدفة أو عن سابق تصميم مع دخول المازوت الإيراني غير الشرعي الذي سيوزع مجاناً ويباع بأسعار أقل. الأمر الذي ترى فيه قيسي “تمريرة لحزب الله، ومن يقف خلفه للسيطرة على سوق المحروقات وتغذيته بالزبائنية والمنفعية، ليكبر ويتطور على حساب الاقتصاد”. فـ”قبة باط” الدولة، واستقالتها من مهامها تدفع، بحسب القيسي، إلى احتمال من ثلاثة: “إما الشراء بأسعار مخفضة، وتغذية المجموعة الجديدة التي انضمت إلى المافيا، أو الدفع بالسعر الرسمي، أو التنقل مشياً وتوقف ماكينات الإنتاج والاشتراكات في المولدات الخاصة”.
المشكلة بتخفيض الدعم للمرة الثالثة على التوالي في ظرف أقل من 4 أشهر أنها لا تحمي الاحتياطي في مصرف لبنان ولا توفر المادة ولا تحد من تهريبها وتخزينها. لاءات ثلاث ستؤدي من وجهة نظر القيسي إلى “استمرار اصطفاف المواطنين في الطوابير أمام المحطات. حيث سيستمر مصرف لبنان في التقطير في فتح الاعتمادات، وسيبقى سعر البنزين أرخص من سوريا، ولن يوقف أصحاب المحطات التخزين بانتظار رفع الأسعار مرة جديدة وتحقيق أرباح كبيرة”.
إستنزاف الدولار مستمر ّ
من الناحية النقدية الصرف يرى رئيس لجنة الرقابة على المصارف سابقاً سمير حمود أن “هناك فرقاً كبيراً بين الدعم وبين بيع مصرف لبنان للدولار على أي سعر كان. فالدعم هو عندما تطلب الدولة بيع سلعة ما بأقل من سعرها الحقيقي وتتحمل هي الفرق من خزينتها. وبالتالي تكون السوق هي مصدر عملة الاستيراد، وليست المصارف وبالتالي أموال المودعين لدى مصرف لبنان. أما ما يحدث اليوم على صعيد المحروقات فهو أن مصرف لبنان يستمر في بيع الدولار سواء اشترى مقابله كميات أقل أو أكثر من الليرات. وعليه، فان بيع سعر صفيحة البنزين على أساس 12 ألف ليرة للدولار، أو أقل، بدلاً من السعر الذي يحدده مصرف لبنان وفقاً لسعر السوق مثلاً 16 ألف ليرة، يجب ان يحملها مصرف لبنان لخزينة الدولة. علماً أن هذا لا يغير من استنزاف الدولار لدى مصرف لبنان. إنما يمكن أن يصبح الاستنزاف بوتيرة أقل، لتوقع استهلاك المحروقات او تهريبها بدرجة اقل مقارنة مع سعر 3900 ليرة للدولار.
ومهما كان احتياط “المركزي” كبيراً سوف يصل إلى مرحلة ما، وينفد”. وهذا دليل حسي بحسب حمود على “أين ذهب جزء كبير من احتياطي العملة الصعبة طوال السنتين الماضيتين. فطالما نحن ندفع ثمن السلعة بأقل من سعرها الحقيقي وبالاتكال على مصرف لبنان لتغطية الفرق، نكون نستنفد الاحتياطيات ويستمر التهريب وانقطاع السلع”. وبحسب حمود فان “مصرف لبنان ربما لا يسجل نتيجة هذه العمليات أي خسائر على دفاتره، لانه ربما يسجل ارباحاً في بيعه الدولار أعلى من 1500 ليرة أو 3900 ليرة. لكنه يسجل مراكز قطع مدينة تتحول خسائر ضخمة، اذا ما تم تقويمها على اساس السعر الحالي وفقاً للاصول المحاسبية الدولية”. هذا التحليل يجب أن ينعكس سلباً على سعر الصرف وليس ايجاباً، كما حدث مؤخراً، ما يدل على أن هبوط سعر الصرف “لم يكن منطقياً”، بحسب حمود. “إذ انه كيف لليرة أن تتحسن وماكينة الانتاج متوقفة، ولا توجد محروقات، ولا كهرباء، ولا دواء ولا طحين…”. وبرأي حمود فانه “فور ما يتوقف مصرف لبنان عن تأمين الدولار لزوم استيراد المحروقات، أو غيرها من السلع، ستباع المواد بالدولار النقدي”. الأمر الذي سيزيد الطلب على الدولار ويؤدي إلى ارتفاعه مجدداً مقابل الليرة. أما عن المنصة الذي سعر صرف الدولار عليها 12800 ليرة، فاعتبر حمود أن “هذه المنصة تعكس حجم العرض من مصرف لبنان أكثر مما هو حجم الطلب او السوق، وهي محكومة بالمبالغ التي يقرر مصرف لبنان بيعها. ويجري تحديدها وفقاً لمراكز وادارة الخزينة للقطع الاجنبي لدى المركزي”.
غياب الشفافية
نقطة أخيرة تتطلب الشفافية التوقف عندها، وهي مصير الاعتماد بقيمة 225 مليون دولار المخصص لدعم المحروقات الذي اتخذ القرار بفتحه بعد اجتماع بعبدا في 21 آب الماضي. فهل صرفت جميع الاموال المسجلة ديناً على الخزينة في غضون نصف شهر تقريباً، وفي ظل أوسع عملية تقنين لفتح اعتمادات للبواخر من مصرف لبنان؟ وهل تحملت الدولة 8 آلاف ليرة من فاتورة الاعتماد المفتوح منذ يومين للبواخر السبع والتي ستباع للمواطنين على أساس سعر 12 ألف ليرة للدولار؟ أسئلة على المعنيين الإجابة عنها بصراحة والتأكيد إن كان الدعم سيرفع كلياً نهاية أيلول أم سيبقى إلى أجل غير محدود على سعر 12 ألف ليرة للصفيحة.
يبلغ سعر صفيحة البنزين نحو 12 دولاراً، أي 144000 ليرة على سعر صرف 12 ألفاً. يضاف اليها حوالى 5000 ليرة جمارك و6000 ليرة عمولة محطة و2200 ليرة بدل نقل ليصبح السعر 157200، إضافة لـ11% ضريبة القيمة المضافة فيصبح السعر النهائي 174300 ليرة.