كتبت كارولين عاكوم في “الشرق الأوسط”:
تبدي الأحزاب المسيحية في لبنان امتعاضها من طريقة مقاربة فرنسا للملف الرئاسي، رغم أن باريس كانت تعتبر «الأم الحنون» بالنسبة إلى اللبنانيين عموماً، والمسيحيين خصوصاً، لكنها تظهر اليوم وكأنها داعمة لفريق دون آخر، وتحديداً لصالح «حزب الله» ومرشحه رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية. وهذا ما عبّرت عنه معظم الكتل النيابية المسيحية بشكل مباشر وغير مباشر، معتبرة أن دعم فرنجية يعني تكريساً لواقع سيطرة «حزب الله» على لبنان.
وفيما يبدو واضحاً أن دعم باريس لفرنجية، الذي استقبلته الأسبوع الماضي، يتعارض مع توجهات معظم الأحزاب المسيحية، وأبرزها حزب «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» وحزب «الكتائب اللبنانية»، فإن المشكلة تكمن أيضاً في أن هذا الدعم ينسجم مع توجهات «الثنائي الشيعي» ويتجاهل ما تطمح وتسعى له القوى المعارضة للحزب.
وبعدما كان رئيس «القوات» سمير جعجع قد شنّ هجوماً مزدوجاً، وإن كان بشكل غير مباشر على فرنسا وفرنجية، خلال وجود الأخير في باريس وبعد عودته منها، عبر إعلانه رفض دخول «رئيس ممانع» إلى القصر الرئاسي، فإن النائب في «الكتائب» نديم الجميل كان مباشراً في رسالته إلى باريس، داعياً إياها إلى التخلي عن دور «السمسار». وقال الجميل، يوم أمس، في تغريدة له على «تويتر»: «للأسف في السنوات الأخيرة لم تر فرنسا في لبنان سوى مصالح وصفقات، من التنقيب عن النفط وصولاً إلى المرفأ والبريد، وذلك على حساب مصلحة اللبنانيين». وأضاف: «على فرنسا أن تعود إلى دورها الطبيعي، دور الداعمة والأم الحنون للبنان، لا لأزلام إيران، وأن تتخلى عن دور السمسار الذي لا يليق بها وبتاريخها».
ومع حرص مصدر مسؤول في «التيار الوطني الحر» على عدم التوجه بالانتقاد المباشر إلى فرنسا، يتحدث عن رفض ما يعتبره تدخلاً خارجياً في الملف اللبناني، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة إلى التيار، فإن الاستحقاق الرئاسي لبناني سيادي بامتياز، وكل تدخل خارجي يجب أن يكون بطلب من كل اللبنانيين»، ويضيف: «المجتمع الدولي ممثلاً بأي دولة يمكن أن يساعد لبنان عندما يتوصل اللبنانيون إلى اتفاق حول البرنامج الإصلاحي، لكن الدخول في تفاصيل هوية المرشح هو انتقاص للسيادة الوطنية».
وفيما يذكّر المصدر بورقة الأولويات الرئاسية التي وضعها «التيار» وبحث بشأنها مع معظم الكتل النيابية باستثناء «القوات» نتيجة رفضها هذا الأمر، يعتبر أن المواصفات التي أدرجت في هذه الورقة لا تنطبق على فرنجية، وتحديداً ما يتعلق بالسلوك والنهج، ويقول في الوقت عينه: «انطلاقاً من تجربتنا مع الرئيس ميشال عون، فإننا نؤكد على أهمية البحث في هوية المرشح، وأيضاً صورة العهد بأكملها، التي يجب أن تتضمن الرئيس ورئيس الحكومة وبرنامج الحكومة، وبالتالي فإن أي محاولة لإعادة المنظومة والعقلية نفسها ستؤدي بنا إلى الأزمات نفسها».
ولا تختلف وجهة نظر «القوات» عن تلك التي يقدمها «التيار» مع تأكيد مصادره بأنهم لا يقاربون الأمور من زاوية مسيحية، إنما من زاوية وطنية. ومن هنا، تقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «مأخذنا هو على أي دولة تريد تكريس الواقع القائم والانهيار لولاية جديدة، لذا ننظر بعين الخشية لتكريس أمر واقع فاسد ومسلح أدى بنا إلى ما وصلنا إليه، في وقت نثمن فيه دور المملكة العربية السعودية انطلاقاً من حرصها على تطبيق اتفاق الطائف، ورفضها استمرار الوضع القائم من خلال ممارسات فريق الممانعة الذي يؤدي إلى تعليق الدستور، ويمنع قيام الدولة الحقيقية».
وفيما تؤكد المصادر على أنه يفترض أن يكون اللبنانيون مولجين بأمورهم الداخلية، تقول: «نريد من المجتمع الدولي أن يتدخل في لبنان لتطبيق القرارات الدولية، انطلاقاً من المصلحة اللبنانية العليا، وارتباط لبنان كعضو مؤسس للجامعة العربية، وفي الأمم المتحدة».
وبدا لافتاً منذ زيارة فرنجية إلى باريس ولقائه مسؤولين فرنسيين، التصعيد في مواقف حزب «القوات»، ولا سيما رئيسه سمير جعجع، الذي أكد العمل على بذل كل الجهود لمنع أي مرشّح أو ممثل لمحور «الممانعة» من الوصول إلى سدّة الرئاسة، معتبراً أن «وصول أي مرشّح من محور الممانعة أياً يكن اسمه يعني استمرار الأزمة الحاليّة لفترة 6 سنوات إضافيّة بشكل أعمق وأصعب».