كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
لم تحدث زيارة رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية الخرق المرجوّ بالإستحقاق الرئاسي. لم يكن متوقّعاً أن تقلب الموازين والمعطيات لكنّها بالشكل نقلت فرنجية الى موقع المرشح المطلوب التعرّف إلى تصوّره للقضايا المصيرية المختلف عليها متى انتخب رئيساً. لم يعد فرنجية من فرنسا خالي الوفاض. صحيح أنّه لم ينل دعم فرنسا لترشيحه بصريح العبارة لكنه لم يسمع كلاماً معارضاً. خلال إجتماع ضمّهما نقل فرنجية إلى «حزب الله»، تفاصيل ما بحثه مع المستشار الرئاسي باتريك دوريل واستنتاجاته التي خرج بها من الزيارة وما يمكن البناء عليه. خلافاً لكل ما تمّ تداوله، لم يذهب فرنجية إلى فرنسا ليتبلّغ موقفاً فرنسياً معارضاً لترشّحه ولا لصدّ الباب في وجه حظوظه الرئاسية. في الأساس لم تبد فرنسا موقفاً من ترشيحه سلباً أو إيجاباً. كل ما جرى أنّ دوريل أراد الإستماع إلى تصوّر فرنجية الرئاسي في حال انتخابه وموقفه من بعض القضايا المهمة.
قصد فرنجية فرنسا ليستكمل الحوار الذي كانت فرنسا بدأته معه. قبل سفره عقد جلسة مطوّلة مع السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو التي طرحت معه جملة مواضيع حسّاسة لاستيضاح موقفه بشأنها. فاتحته بشأن موضوع سلاح «حزب الله»، وموقفه من العلاقة مع سوريا، وعمّا إذا كان بوارد زيارتها في حال انتخب رئيساً للجمهورية.
أبلغها فرنجية أنّ سوريا جارة لبنان ولا يمكن القبول بشرط يحدّد شكل العلاقة معها خاصة أنّ كل الدول أعادت الإنفتاح عليها، أمّا لناحية سلاح «حزب الله» فقال: إذا كانت أميركا وإسرائيل عجزتا بعد حرب 2006 عن نزع سلاحه فهل المطلوب أن يقدّم رئيس جمهورية لبنان ضمانات القيام بذلك؟ بعد هذا اللقاء أرسلت فرنسا تطلب لقاء فرنجية وتعيد طرح المواضيع ذاتها ولكن بتفصيل أوسع فأثارت معه إلى سلاح المقاومة وتصوّره لشكل العلاقة مع سوريا، ملف إتفاق الطائف فأبدى تمسّكه بهذا الإتفاق نصاً وروحاً وقال إنّ تعديله يستلزم نقاشاً مستفيضاً. تؤكد مصادر مطلعة أنّ فرنسا لم تبلغ فرنجية أي موقف من ترشيحه بل إكتفت بالنقاش معه حول مواضيع الساعة في لبنان وهي وإن كانت استقبلته فهذا بحد ذاته إعتراف بترشيحه خاصة أنّ السفيرة الفرنسية سبق وتبلّغت من «حزب الله» دعمه المطلق لفرنجية والعمل نيابياً لتأمين انتخابه رئيساً.
تؤكد المصادر أنّ كل ما أثير حول زيارة فرنجية لم يلامس الواقع وأنّ الزيارة لم تحدث أي تغيير في موقف «حزب الله» من دعمه، وهو وإن كان استمع من فرنجية لكل نقاشاته في الإليزيه فلا يزال يعتبره المرشح الأوفر حظاً للرئاسة وأنّه لا بدّ من فتح النقاش حول ترشيحه داخل لبنان ومع الدول المعنية. لا يرى «حزب الله» مرشحاً آخر غيره للرئاسة وهو بانتظار نضوج الأجواء المناسبة ليحدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري جلسة انتخاب، سيستبقها فرنجية بإعلان ترشيحه عمّا قريب ويستتبعها بجولة على رؤساء الأحزاب والقيادات السياسية. كل ما وعدت به فرنسا المرشح الرئاسي هو فتح قنوات الحوار مجدّداً مع السعودية. تحاول أن تؤدي دور الوسيط من دون أن تملك سلطة القرار بالرئيس المقبل وتتمنى لو تحدث خرقاً في الموقف السعودي الرافض ترشيح فرنجية حتى الساعة.
تعوّل على أن يحدث الإتفاق السعودي- الإيراني تبدلاً في هذا الموقف، ولو أنها تلتقي مع «حزب الله» على أنّ هذا الإتفاق لم يتجاوز العلاقات الثنائية والملف اليمني ولم يتطرق إلى لبنان من قريب أو من بعيد. مرتاح «حزب الله» للخطوة الفرنسية من ناحية كونها سلّمت بوضعية فرنجية كمرشح رئاسي رسمي وبدأت التعامل معه على هذا الأساس ومثلها يتعاطى الجميع سواء داخل لبنان وخارجه بدليل إعلان معارضته وصوله إلى بعبدا. في تقديره أنّ فرنسا قد تؤدي دورها المرجوّ في اجتماع باريس الخماسي المقرّر عقده بعيد عيد الفطر وهو ما يأمله الموفد القطري الذي حضر إلى لبنان مستطلعاً الأجواء الرئاسية ولم يحمل في جعبته أي جديد أو مبادرة رئاسية.
وتنقل مصادر واكبت زيارته وصولاً إلى لقائه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، أنّ الزيارة قد تهدف إلى تحقيق عاملين إثنين: إمّا أنّها تسعى إلى جولة إستماع لتبني عليها وتعود في زيارة ثانية أو أنها تمهّد لمبادرة ما في وقت تحدّده بالإتفاق مع دول أخرى، ولو أنّ المعنيين ينفون وجود مسعى لعقد إتفاق دوحة جديد أو أن يكون الموفد القطري قد بحث خطوة مماثلة مع «حزب الله» أو خاض في أسماء المرشحين علماً أنّ «الحزب» أبلغه دعمه المطلق ترشيح فرنجية.
بقدر إرتياحه إلى الخطوة الفرنسية تجاه فرنجية بقدر ما يؤكد «حزب الله» أنّ الأفق لم يتوضّح بعد وأنّ الرئاسة في لبنان لم تحقّق التقدّم المرجوّ. هو أيضاً يعوّل على إتفاق السعودية مع إيران وعلى التغييرات التي تشهدها المنطقة العربية وإعادة الإنفتاح العربي على سوريا والتسابق لاستقبال الرئيس السوري بشار الأسد. بحسبه كل تلك المستجدّات ستصبّ حكماً في مصلحة لبنان وانتخاباته الرئاسية والمسألة مسألة وقت ليس إلا.