كتبت كارولين عاكوم في “الشرق الأوسط”:
يتقاذف الأفرقاء السياسيون في لبنان مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية بعد حوالي ستّة أشهر على الفراغ، فيما يبدو التوافق أو حتى قدرة أي فريق على إيصال مرشحه شبه مستحيلة حتى اللحظة نتيجة الانقسام العامودي في مقاربة الموضوع وعدم امتلاك أي فريق الأكثرية النيابية. وفيما يعتبر البعض أن المشكلة مسيحية – مسيحية كما قال أخيراً رئيس البرلمان نبيه بري، يؤكد معارضو «حزب الله» أن المشكلة هي بين مشروعين مختلفين ولا تنحصر في طائفة دون غيرها.
وفي وقت تبذل فيه البطريركية المارونية جهوداً لتقريب وجهات النظر بين القيادات والكتل المسيحية الكبرى ومنها أخيراً دعوة البطريرك بشارة الراعي النواب المسيحيين إلى خلوة في 5 نيسان المقبل للصلاة من أجل لبنان حيث سيكون الاستحقاق الرئاسي حاضراً، تكشف مصادر في كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها بري، لـ«الشرق الأوسط»، أن الأخير سيدعو إلى جلسة لانتخاب رئيس بعد إعلان الوزير السابق سليمان فرنجية ترشيحه رسمياً، بعدما سبق لكل من أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله وبري أعلنا دعمهما له، علماً بأن الجلسة الأخيرة كانت قد عقدت قبل حوالي شهرين. وربط بعدها رئيس البرلمان الدعوة الجديدة بالاتفاق على مرشح. لكن الربط بين الأزمة الرئاسية والخلاف المسيحي – المسيحي، يرفضه النائب في حزب «القوات اللبنانية» غياث يزبك رفضاً قاطعاً، ويرى فيه «محاولة لتشويه الحقائق والوقائع»، وهو ما لا يختلف معه الحزب «التقدمي الاشتراكي» على لسان النائب بلال عبد الله، معتبراً أن المشكلة في النظام الطائفي والانتخابي.
ويقول يزبك لـ«الشرق الأوسط»: «بات هناك نوع من الاستسهال عبر تحميل الأخطاء للمسيحيين والقول إنه إذا اتفقوا تحل الأزمة، لكن الواقع ليس كذلك، وهذا الكلام هو نوع من ذر الرماد في العيون ورمي مشاكل الممانعة (حزب الله وحلفاؤه) على المسيحيين».
ويشدد يزبك على أن «الخلاف منذ سنوات هو بين مشروعين سياسيين وبين نموذجي حياة، حيث يبدأ بالاجتماعي ويصل للسياسي العام»، موضحاً أن «مشروعنا لا يقتصر فقط على المسيحيين إنما يضم شركاء من المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وهو الذي يدعم ويؤيد فكرة الرئيس السيد الحر المستقل الذي لا بد أن يوحي بالثقة للخارج لعودة الاستثمار إلى لبنان».
ويلفت يزبك إلى أن الرئيس عرفاً هو ماروني لكنه هو رئيس لكل لبنان، مؤكداً على ضرورة أن يتفق عليه المسيحيون والمسلمون على حد سواء. ويقول: «نحن نرفض أن يختار المسيحيون الرئيس المسيحي لأننا نرفض أن نعود في الحياة السياسية إلى القرون الوسطى حيث مفهوم العشيرة والطائفة وكل مذهب ينتخب مذهبه، في وقت يقومون هم عن قصد أو عن غير قصد بتعميق الفوارق الطائفية».
ويرمي يزبك كرة التعطيل إلى الفريق الآخر، قائلاً: «هذه الاتهامات سببها أن فريق الممانعة غير قادر اليوم على إيصال مرشحه الوزير السابق سليمان فرنجية بعدما عمد في المرحلة السابقة إلى التعطيل 11 جلسة لأنه لم يكن متفقاً على مرشح، وهو اليوم يدعو إلى الحوار والتلاقي لقناعته بهذا الواقع».
ويؤكد يزبك في المقابل، أن المشكلة لا تكمن مع فرنجية كشخص إنما مع ما يمثله من جهة سياسية تجمع بدورها كل الطوائف، تريد لإيران أن تسيطر على لبنان وتأخذه نحو الشرق».
ولا يختلف كثيراً موقف النائب في «اللقاء الديمقراطي» بلال عبد الله عن «القوات»، معتبراً أن تحميل هذه الطائفة أو تلك المسؤولية هو استحضار للاعتبارات الطائفية لتنخر بوحدتنا الوطنية. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «المشكلة هي في جزء منها مسيحية لكن في جزئها الأكبر وطنية، وخيارات سياسية بين من يريد أن يبقي البلد في عزلته وبين من يحاول العمل على تسوية داخلية تعيد الوحدة الداخلية المطلوبة للسير بالإصلاحات التي لا يمكن تنفيذها من دون رئيس للجمهورية وحكومة مكتملة الصلاحيات».
لكن كل ذلك، برأي عبد الله «يبقى مرتبطاً بالنظام الطائفي والانتخابي الذي أتى بهذا المجلس حيث لا أكثرية ولا أقلية، ويؤدي إلى حشر كل نائب في بيئته الطائفية والمذهبية».
ويتفق كل من يزبك وعبد الله على رفض القول إن الكلمة الفصل هي للمسيحيين في الانتخابات الرئاسية. ويذكر يزبك بالانتخابات الأخيرة عند انتخاب ميشال عون، حيث لم يقبل رئيس البرلمان نبيه بري بانتخابه رغم اتفاق أكبر كتلتين مسيحيتين، فيما يقول عبد الله: «الكلمة الفصل هي لـ128 نائباً (لكل البرلمان) لأن هذا الرئيس هو رئيس لكل لبنان وليس لطائفة دون أخرى»، مذكراً في الوقت عينه بأنه وإن اتفق النواب المسيحيون أو أكبر كتلتين مسيحيتين فهم لن يتمكنوا من تأمين النصاب المطلوب بـ86 نائباً إذا لم يترافق بموافقة الأفرقاء الآخرين، من هنا يجدد التأكيد على ضرورة الاتفاق على مرشح والابتعاد عن أي شخصية قد تشكل تحدياً للآخرين.
لكن في المقابل، تصر مصادر نيابية في كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها بري، على اعتبار أن أزمة رئاسة الجمهورية هي في جزء كبير منها متعلقة بموقف المسيحيين، مع تشديدها على أن رئيس البرلمان ليس الشخصية التي تعطل، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «لم ننتخب ميشال عون رئيساً، لكننا لم نعطل الجلسة، وساهمنا في تأمين النصاب».
وتوضح: «إذا حصل توافق بين المسيحيين، نكون قطعنا أكثر من منتصف الطريق، ونكون اقتربنا كثيراً من سلوك مسار انتخاب رئيس للجمهورية… لكن المشكلة في أنهم يرفضون كل أشكال الحوار والتوافق، وتحديداً أكبر فريقين مسيحيين (أي التيار والقوات)».
وتؤكد في المقابل أن «الدعوة إلى التوافق لا تعني الخروج عن إجراء الانتخابات بطريقة ديمقراطية»، كاشفة أنه «عندما يعلن فرنجية ترشيحه رسمياً سيقوم رئيس البرلمان بالدعوة إلى جلسة للانتخاب».