كتبت باولا عطية في “المدن”:
تصدّر النقل العام واجهة الإهتمام مجدداً مع تجاوز دولار السوق السوداء عتبة الـ100 ألف ليرة، وملامسة سعر صفيحة البنزين المليوني ليرة، خصوصاً بعد أن تمّ التداول على مواقع التواصل الاجتماعي بتسعيرة بالدولار يعتمدها أصحاب الفانات والباصات لنقل الركاب، على الخط الممتدّ من الشمال إلى بيروت.
تطال دولرة النقل العام الفقراء بشكل خاص ومن تبقى من أبناء الطبقة الوسطى المُنهارة. فكثر من هؤلاء يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانيّة، وفق حدّ أدنى للأجور لا يتخطى الـ2.600 ألف ليرة، أي 26 دولاراً على سعر صرف 100 ألف ليرة لدولار السوق السوداء.
يحصل ذلك وسط “انقطاع نفس” الباصات الفرسيّة على الرغم من كلّ الاحتفالات الاعلاميّة التي واكبت وصولها إلى لبنان والخطّة التي وضعها وزير الأشغال علي حمية، والتي أوحى أنها باب مبشّر بالفرج.
إلا أنّ الفرج، على ما يبدو، لا يجد له مكانا وسط أزمات اللبنانيين. فبعد أن تمّ الاعلان عن بدء تشغيل الباصات الفرنسية مطلع كانون الأول الماضي، اختفى أثر هذه الباصات على طرقات بيروت، ومعها باصات الدولة الأخرى.
السرفيس بـ2 دولار
على وقع هذه التطورات وجد سائقو التاكسي انفسهم مضطرين للحاق بدولرة الأسعار. يقول علي حيدر، أحد سائقي التاكسي في حديثه لـ”المدن” أنّ “تسعيرة السرفيس داخل بيروت أصبحت دولارين. والسيرفيس من الحمرا إلى الضاحية مثلا أصبح 2 دولار. فيما التاكسي بـ4 دولار. وتزيد هذه التسعيرة أو تنقص بين الـ20 والـ30 سنتاً كلما زادت او نقصت المسافة. أمّا إذا كانت واجهة طالب التاكسي خارج بيروت فتزيد التسعيرة دولار على كلّ كيلومتر تقريبا”. ويؤكد أنّ “معظم السائقين العموميين أصبحوا يتلقّون بدل النقل بالدولار الفريش، فيما يتقاضى بعضهم التسعيرة بالليرة اللبنانية وفق سعر السوق السوداء بفارق ألف ليرة”. ويشير إلى أنّه أصبح يفضّل البقاء في منزله “على الدوران في الشوارع بانتظار راكب، لأن سعر البنزين أصبح مرتفعا جداً. لذلك أفضّل العمل على الطلب وانتظار اتصال من زبائني”.
المواصلات تهدد الموظفين
تصف ماريلين، وهي موظفة في إحدى الشركات الخاصّة، معاناتها مع وسائل النقل العموميّة، وتقول “أنا موظفّة لا أملك سيارة للتنقّل، وأتقاضى راتبي بالليرة اللبنانيّة. وأدفع أكثر من 80 في المئة من راتبي بدل نقل من وإلى عملي. فكلّ يوم عمل أشبه بحلبة مصارعة مع السائقين العموميين. أضطر أحياناً للوقوف ساعة كي أجد سيارة تنقلني من سكني في سد البوشرية إلى الأشرفية بأقلّ من 3 دولار!. وبالتالي أصبحت لقمة عيشي مهددة بسبب تعرفة النقل الباهظة”.
أما ليليان وهي موظفة في بيروت، فتأتي كلّ يوم “من منطقة عبرا في صيدا إلى بيروت. ففرص العمل محدودة في منطقتنا، وأتكلّف يوميّا من عبرا إلى ساحة النجمة في صيدا (ملتقى الباصات) 100 ألف ليرة في السيرفيس، ثم أركب الباص من النجمة إلى الكولا وأدفع حوالى الـ100 ألف ليرة ومن الكولا أركب سيرفيسا آخر إلى كورنيش المزرعة بـ100 ألف ليرة أيضا. وهذا المشوار يكلّفني حوالى الـ600 ألف ليرة يوميا ذهابا وايابا. أي حوالى الـ13 مليون والـ200 ألف ليرة. (وهذا الرقم قابل للارتفاع إذا ارتفعت أسعار المحروقات) فيما راتبي الشهري هو 20 مليون ليرة. وأنا مضطرة للقبول بهذا الوضع لأنني بقيت في منزلي حوالي السنتين عاطلة عن العمل، بسبب الأوضاع الاقتصاديّة”.
الوزارة عاجزة
على المقلب الآخر ردّ مصدر رفيع في وزارة الأشغال والنقل العام، على مسألة التسعير بالدولار في حديث لـ”المدن” بأنّ “ذلك مخالفة قانونيّة، إلاّ أنّ الوزارة عاجزة عن وضع تسعيرة أو آليّة للتسعير في الوقت الحالي بسبب عدم استقرار سعر صرف الدولار في السوق السوداء. فاذا وضعنا كوزارة تعرفة اليوم لن نتمكّن من إصدار تعرفة جديدة كلّ أسبوع أو حتى كلّ يوم مع التقلّب المستمرّ لسعر الصرف”.
“ولم يعطنا المصدر جوابا واضحا حول وضع الباصات الفرنسيّة واستمرار عملها من عدمه”.
الباصات الفرنسية…وداعاَ
تؤكد مصادر مطلّعة لـ” المدن” أنّ “هذه الباصات توقّفت عن العمل منذ الشهر الأوّل لاطلاقها، معتبرة “انها كانت مسرحيّة أرادت الحكومة من خلالها اقناع البنك الدولي بأنّها وضعت خطّة للنقل العام بينما الخطّة كلها لم تكن إلا صوريّة، فحتى الباصات كانت تسلك خطوطا ليس عليها ركاب من الأساس. وعادت وتوقّفت عن العمل بالكامل، لأنها تحتاج إلى مازوت وسائقين وصيانة، فيما الاعتمادات التي كانت قد خصصتها الحكومة لهذا الغرض في مصلحة النقل المشترك لم تكفِ سوى لشهر واحد فقط. ليترك بذلك المواطن تحت رحمة “ما يسمّى بالنقل العام” الذي هو بالحقيقة كارتيلات خاصّة يديرها بعض الأشخاص المدعومين وسط غياب الوزراة عن السمع”.
نصب وسرقة
من جهته، أكّد أمين سرّ نقابة بيروت للسائقين العموميين مالك صغبيني، في حديثه لـ”المدن”، صحّة المعلومات المتداولة حول تقاضي بعض سائقي الباصات والفانات تسعيرة بدل النقل بالدولار الفريش، واصفاً ما يحصل “بالنصب والسرقة التي لا يمكن ردعها خوفا من إشعال الشارع والتسبب بأعمال شغب”. يحمّل صغبيني المسؤوليّة لوزير الاقتصاد أمين سلام “فبعد أن سمح لأصحاب السوبرماركت بالتسعير بالدولار الفريش، قام السائقون العموميون بدولرة أسعارهم، بحّجة أنهم يدفعون بدل موادهم الغذائيّة بالدولار. يحصل ذلك في غياب الرقابة والضوابط علما أننا كنقابة نرفض ما يحصل رفضا قاطعا إلاّ أنّ ليس في يدنا حيلة، والمطلوب من وزير الأشغال التحرّك ليتمّ وضع تسعيرة جديدة تلائم السائق (تُحتسب فيها تكلفة المازوت والصيانة والارباح) والراكب على حدّ سواء”.
وعن التسعيرات أوضح أنّ “كلفة بدل النقل من طرابلس إلى الكولا يجب أن تكون 1.8 دولار أي 180 ألف ليرة وفق دولار السوق السوداء 100 ألف ليرة، بدل التسعيرة غير الشرعيّة التي يتعامل على أساسها السائقين وهي 2.50 دولار أي 250 ألف ليرة”، معللاً أنّ “السائق يحتاج إلى تنكة مازوت في اليوم، وهو في طريقه يحمّل حوالي الـ 25 راكبا ذهابا وايابا إذا ما احتسبنا أيضا أنه أحيانا ينزّل ركّابا ويحمّل ركّابا جدد على طريقه. وبالتالي 50 ضرب 180 ألف ليرة تساوي 9 ملايين ليرة، وإذا خصمنا منها كلفة المازوت يتبقى للسائق حوالى سبعة ملايين ليرة، وهو مبلغ مقبول للفرد ليعيش بكرامته، من دون طمع”.
ولفت إلى أنّ “مطلبنا كأعضاء في نقابة السائقين العموميين هو برفع التسعيرة إلى ما يعادل الـ1.5 دولار في حال استمرّت تنكة المازوت بالارتفاع وتجاوزت المليوني ليرة. ونحن لا نطالب التسعير بالدولار، لأننا نعرف أن ذلك مخالف للقانون وأيّ تسعيرة اليوم يضعها أصحاب الباصات بالدولار هي مخالفة قانونيّة”.