كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:
الإقفال الرئاسي على حاله، فيما تبدو الدينامية الخارجية أوسع مدى من تلك التي في الداخل، على الأرجح بفعل نقص محلي في المبادرة ناتج من إصرار الثنائي الشيعي على خياره الأوحد، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، تواجهه غالبية سياسية ونيابية وازنة، ورفض مسيحي – ميثاقي شبه جامع.
ولا يخفى أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي كان أول من رشّح فرنجية (حتى قبل أن يُرشّح نفسه)، يتحرّك على أكثر من مستوى من أجل تسويق خيار الثنائي. وهو يدرك في الوقت عينه أن من المحال إنجاح هذا الخيار في ضوء المواصفات الرئاسية التي تضعها المملكة العربية السعودية، وهي مواصفات تُقصي حتما فرنجية كما أي مرشّح مماثل يُعدّ المرشح المباشر لحزب الله. لذا لا بد من أن يُيمِّم رئيس البرلمان شطر المملكة، مع إدراكه أن لا أمل بترئيس فرنجية ما لم يحصل على موقف سعودي واضح، لذا قال للسفير وليد البخاري في ختام اللقاء الاخير بينهما إنه لن يقدم على أي خيار لا يرضي السعودية.
إلى الآن، يتعثّر بري في ترتيب زيارته المأمولة إلى الرياض.
في المعطيات شبه الرسمية أن القيادة السعودية لم تحدّد لرئيس المجلس موعدا ربطا باعتبارات عدة، في طليعتها أنها لا ترغب في فتح مجال للنقاش في اسم فرنجية، في حال كان هذا الغرض من الزيارة التي يطلبها بري. وتتمسّك المملكة بالموقف المبدئي القائم على تحديد المواصفات التي ترتاح إليها مقرونة بانعدام أي صلة للمرشح الرئاسي المفترض بحزب الله. وهذا شرط لازم لا يبدو أنه سيتبدّل ربطا بالتغيّرات الجيوسياسية المتوقعة من الإتفاق السعودي – الإيراني والدور الصيني المستجدّ في الشرق الأوسط، بما ينفي رهان الثنائي الشيعي على أن رياح الصين حملت تغيرات من بينها ما سينعكس إيجابا على ترئيس زعيم تيار المردة.
ويظهر أن هذا الثبات السعودي على رفض التسوية المسوَّقة فرنسيا (ثنائي فرنجية – سلام) قد فعل فعله باريسيا. إذ ترددت معلومات في الساعات الأخيرة عن إعادة نظر فرنسية بتلك الفكرة التي لم تلقَ قبولا لبنانيا، لمصلحة أفكار جديدة يُتداول بها، من بينها ما هو مشتقّ أو شبيه بالتسوية السعودية – الإيرانية التي تأسّست على تنازلات إيرانية في الإقليم. بمعنى أن البحث الجديد سيقوم على أن يقدّم حزب الله تنازلا رئاسيا يخرج البلد من مربّع فرنجية نحو خيارات توافقية مطروحة على بساط البحث.
وثمّة من يرى أن على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استثمار الزخم الذي أنتجه الإتفاق السعودي – الإيراني والتأسيس عليه عبر تطوير جذري للمقاربة، واستطرادا الخروج من الفكر التبسيطي الخفيف الذي جاءت عليه المبادرة الفرنسية الآفلة (ثنائية فرنجية – سلام)، نحو آفاق أكثر وسعا وقبولا وشرعية وطنية ومسيحية.
في الموازاة، يُنتظر ما سيكون الجديد الأميركي الذي ستحمله في 23 آذار مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط بربارة ليف التي تزور بيروت في سياق جولة تقودها أيضا إلى كل من مصر والأردن وتونس.
لا شك أن ليف في مهمّة استكمالية للمداولات التي شهدها الاجتماع الخماسي في باريس. فهي ستحضّ المسؤولين اللبنانيين على الحاجة الملحة إلى انتخاب رئيس وتشكيل حكومة وتنفيذ إصلاحات اقتصادية مهمة لوضع لبنان على طريق الاستقرار والازدهار. لكن لا يمكن إسقاط حقيقة أن زيارتها تأتي غداة المصالحة بين الرياض وطهران التي لا تنظر إليها واشنطن بارتياح، وفي ذروة الإنهيار اللبناني مع تمدّد المفاعيل السلبية للفراغ الرئاسي.
وإذا كان من المستبعد أن تتناول المسؤولية الأميركية الإتفاق السعودي – الإيراني، يبقى أن واشنطن لا تزال على موقفها الإبتعاد النسبي عن الشأن اللبناني مع منح باريس المساحة اللازمة للتحرّك، بالطبع ضمن الهامش المصلحيّ المعروف.