كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
مصير الإنتخابات البلدية والإختيارية على المحك. وإجراؤها من عدمه معلق على حافة قرار الإتحاد الأوروبي تأمين الإعتمادات المالية اللازمة لإنجاز الإستحقاق أو إجازة مجلس النواب للحكومة فتح اعتمادات إضافية. ما يزيد على 9 ملايين دولار هي الكلفة المقدرة. رقم يتجاوز قدرة الحكومة على تأمينه إلا في حال الإستعانة بالمجتمع الدولي وهيئاته الدولية. ناهيك عن المهلة الدستورية لدعوة الهيئات الناخبة والتي يفترض أن تتم قبيل شهرين من تاريخ انتهاء ولاية المجالس البلدية والإختيارية في 31 أيار.
رغم تأكيد وزير الداخلية بسام مولى عزمه على دعوة الهيئات الناخبة إلا أنّ معوقات لوجستية وسياسية كثيرة تجعل هذا الإستحقاق عرضة للتأجيل ثانية. فماذا سيكون مصير عمل البلديات والمخاتير في ظل رفض الغالبية النيابية التشريع، وفي ظل حكومة تصريف أعمال والفراغ الرئاسي واستناداً إلى أي فتوى قانونية سيتم التأجيل إن حصل؟
منذ فترة بدأت هيئات المجتمع الدولي الإستفسار عن الموضوع. والمنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانّا فرونِتسكا وخلال جولتها على المسؤولين سألت عن مصير الإنتخابات البلدية والأسباب التي تعيق حدوثها. وتتضارب معلومات وزارة الداخلية بين من يحسم حصولها ومن يستبعده لتعذر توافر الإمكانيات. تؤكد مصادر معنية أنّ التحضيرات منجزة ولكن تبقى العقبة في التمويل، وتتحدث عن مساع لتأمين المبالغ اللازمة من الاتحاد الاوروبي. مصادر أخرى رجحت إستحالة الأمر لأنّ أي خطوة لم توضع على سكتها بعد بما فيه تلزيم الشركات المختصة لتأمين مستلزمات العملية الإنتخابية.
مصادر وزارة المالية استبعدت إمكانية التمويل عبر قروض خارجية ما يجعل التمويل محصوراً بموافقة مجلس النواب على إقرار إعتماد إضافي للإنتخابات البلدية والطلب من وزارة المالية تأمينه من خلال سلفة خزينة، وإذا وافقت المالية على ذلك فليس قبل الإتفاق مع مصرف لبنان حول شروط السلفة والفائدة المترتبة عليها وسعر صرف الدولار مقابل الليرة.
المسألة إذاً معلّقة على تأمين التمويل. والمهل لم تعد تسمح بمزيد من هدر الوقت لإتخاذ القرار والشروع في التحضيرات اللازمة خاصة إذا تخلف المجتمع الدولي عن تغطية النفقات فحينها سيكون واقع البلديات على المحك في ظل وجود 110 بلديات منحلة من أصل 1055 بلدية، وفي حال تعذر التمديد في مجلس النواب أو الحكومة فإن استمرار عملها من دون نص قانوني سيجعلها عرضة للطعن.
وتتضارب الآراء القانونية حول مصير عمل البلديات والمجالس الإختيارية في حال التمديد. يركن البعض إلى قانون البلديات ليقول عندما تحل المجالس البلدية تصبح كما عمل المخاتير تحت سلطة القائمقام والمحافظ في كلّ قضاء من الأقضية اللبنانية طبقاً للمادة 23 من قانون البلديات، فهل سيتمكن هؤلاء من القيام بمهام ما يقارب 3200 مختار وإنجاز الأوراق الثبوتية ومعاملات الزواج والطلاق والسكن وغيرها. ومن يملك قرار التمديد للمجالس البلدية والمخاتير في حال التأجيل؟ ومن هي الجهة التي ستفتي بالتأجيل، وهل تأخذ الحكومة الخطوة على عاتقها منعاً لتعطيل مرفق عام فيكون قرارها عرضة للطعن؟
تساؤلات بلا أجوبة
بعض النواب يقول اذا لم يقر قانون التمديد فحينها يُجيّر عمل البلديات إلى المحافظين والقائمقامين ويتوقف عمل المخاتير، وهنا الطامة الكبرى. رأي آخر يفتي بضرورة إستمرار البلديات في تصريف الأعمال بالإستناد إلى تجارب سابقة حيث استمرت البلديات بأداء عملها بموجب تشريع قانوني أقر بمفعول رجعي. وبالإستناد إلى «الدولية للمعلومات»، فقد انتهت ولاية المجالس البلدية التي انتخبت في العام 1963 في العام 1969. ومنذ ذلك الوقت وحتى العام 1998 لم تجر الانتخابات وتم تمديد الولاية من خلال 20 قانوناً.
أمّا في حال الإصرار على إجرائها في موعدها الدستوري، وقبيل انتهاء ولاية البلديات في 31 ايار المقبل، فهذا يتطلب حكماً إنعقاد مجلس النواب لإقرار الإعتمادات المالية اللازمة لإجرائها، فهل لا يزال هناك متسع من الوقت لعقد هذه الجلسة بينما صار واجباً دعوة الهيئات الناخبة طبقاً للمادة 14 من قانون البلديات والتي تنصّ على أن الهيئات الانتخابية البلدية تدعى بقرار من وزير الداخلية خلال الشهرين السابقين لنهاية ولاية المجالس البلدية؟ وماذا عن التحضيرات اللوجستية ومراجعة قوائم الشطب وتصحيحها؟ وهل سيكون من السهولة تأمين عدد الموظفين الكافي للقيام بالمهمة في ظل الوضع الراهن للإدارات العامة والهيئات التعليمية؟ ومن سيضمن حسن سيرها ويراقبها خاصة وأنها تجري على مدى 4 أسابيع وليس في يوم واحد ؟ فضلاً عن غياب الحماس من ناحية الترشيحات وتخلف المواطنين عن الإقبال على تصحيح أسمائهم في لوائح الشطب.
أسئلة كثيرة بلا أجوبة بينما إنعكس واقع العمل البلدي المزري بفعل تراكم الأزمات وغياب الإعتمادات، على غياب المرشحين لخوض معركة البلديات أو الترشح للمخترة بعدما تراجع العمل البلدي من إدارة عمل بلدي وتنموي الى إدارة موتور.
خصوصية العاصمة
أما في واقع البلديات الكبرى وأهمها في العاصمة بيروت ومدينة طرابلس فثمة خوف من نوع آخر سببه تدني نسبة المقترعين. وإذا كان قانون البلديات يلحظ صحة التمثيل الطائفي فإنّ لا قانون يحدد عدد أعضاء المجلس البلدي وتوزعه بين الطوائف، وبالاستناد إلى تراجع نسبة المقترعين في الإنتخابات النيابية وتقدم أعداد الناخبين المسلمين على الناخبين المسيحيين يمكن التنبؤ بإنتخابات لمجلس بلدي من لون طائفي واحد كما سبق وشهدت مدينة طرابلس عام 2016. وماذا عن الخلاف السياسي حول مطالبة «التيار الوطني الحر» بتقسيم العاصمة بيروت الى بلديتين فهل سيرضى السنة بذلك؟
غياب الزعامة السنية وتعدد الأحزاب والتيارات السنية والمسيحية على حد سواء سيضاعفان من لوائح المرشحين ويتسببان بحساسيات في ظل ظرف سياسي بالغ التعقيد. ناهيك عن اتجاهات الناخبين هذه المرة والتي ستكون متأثرة بالأزمة المالية والإقتصادية بما سينعكس نقمة على الأحزاب والسياسيين في صناديق الإقتراع لصالح إنتخاب طبقة مغايرة وهذا سيكون سبباً لترجيح القوى السياسية كفة التأجيل.
أيام فاصلة
المصادر المعنية تقول إنّ القرار النهائي ستتوضح معالمه خلال الأيام القليلة الفاصلة عن نهاية الشهر الجاري. ذلك أنّ البحث عن مصادر التمويل يجري بقوة دفع منظمات المجتمع الدولي فمن سيرضى بإجراء إنتخابات بلدية قبل انتخاب رئيس للجمهورية؟
سواء أحصلت الإنتخابات أم لم تحصل فهناك خلل يفترض البحث عن مخرج له. خلل في القانون الذي ستجرى على أساسه متى كانت الغالبية المسلمة هي الناخبة في بعض البلديات، وخلل في التمديد متى أقر والجهة المخولة إتخاذ القرار بشأنه ومدى قانونية عمل البلديات والمخاتير بعد التمديد.
حتى الساعة يتقاذف كل طرف الكرة باتجاه الآخر لرفع المسؤولية عن نفسه، بالمقابل ليس في مقدور الوزير المعني سوى التأكيد على إلتزام المهل الدستورية لدعوة الهيئات الناخبة ويبقى القرار رهن الساعات الأخيرة. لا شيء محسوم بعد ولكن الأجواء لا توحي بفائض تفاؤل.