كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
الإتجاه الذي يجب أن تسلكه الحكومة كحلّ لمعضلة الكهرباء هو اعتماد الطاقة المتجدّدة وتحديداً الطاقة الشمسية والتي تكون كلفتها أقلّ و»أنظف» على البيئة. الكلام لمديرة قسم الشرق الأوسط في «هيومن رايتس ووتش» لما فقيه خلال حديثها الى «نداء الوطن».
وأشارت الى أنه «صحيح أن الدولة أنفقت أموالاً على البنية التحتية للكهرباء، لكن سوء الإدارة أوصلنا الى مكان جعلنا نعتمد على الفيول أويل والذي يعتبر مكلفاً ومسيئاً للبيئة. ولغاية اليوم لا يزال الإعتماد على الطاقة المتجدّدة ضئيلاً وتبلغ نسبته 8% في لبنان، وليس هناك ما يحول دون وصولها الى 100% ولكنه يتطلّب استثمارات».
وعن مصدر التمويل في ظلّ الأزمة، أشارت الى أنها «تبدأ بالإتفاق مع صندوق النقد الدولي وإطلاق سراح الأموال المخصصة للبنان، وذلك بعد إقرار القوانين الإصلاحية مثل الـ»كابيتال كونترول» ولكن لغاية اليوم فشلت الحكومة في البدء بالإصلاحات. من هنا ضرورة اتخاذ القرار السياسي للتمكّن من الحصول على الدعم الدولي وبالتالي توفير التمويل للطاقة المتجدّدة». مؤكّدة أن «مشكلة الكهرباء في لبنان ليست مادية، إذ لا شيء يمنع الحكومة من توفير الكهرباء للشعب اللبناني بطريقة صحيّة».
تقرير صادم
وكانت أعلنت «هيومن رايتس ووتش» في تقرير أطلقته أمس تحت عنوان «كأنك عم تقطع الحياة»، إنّ السلطات اللبنانية تقاعست عن ضمان الحق في الكهرباء بسبب سوء إدارتها القطاع على مدى 30 عاماً تقريباً. وأدى ذلك إلى تكرار انقطاعات واسعة النطاق في التيار الكهربائي تنتهك حق سُكان لبنان في الحصول على الكهرباء، وكذلك حقوقهم الأخرى في الحصول على مستوى معيشي لائق، في التعليم، والصحة، وحرية التنقل، وبيئة صحية.
حضر وتحدث خلال حفل الإطلاق كلّ من الباحثة الأولى في الفقر وعدم المساواة لينا سيميت، ومحلّل كمي في «هيومن رايتس ووتش» براين روت، ونائب مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «هيومن رايتس ووتش» آدم كوغل.
ولفت التقرير الى أن «هذه العقود من الإهمال الكبير والسياسات غير المستدامة التي اعتمدتها السلطات في قطاع الكهرباء، والتي كانت نتيجة لسيطرة النخبة على موارد الدولة والفساد والمصالح الخاصة، تسبّبت في انهيار القطاع بالكامل في خضمّ الأزمة الاقتصادية المستمرّة، ما ترك البلاد بلا كهرباء معظم أوقات اليوم». واستندت «هيومن رايتس ووتش» في إعداد تقريرها بالتعاون مع «مؤسسة البحوث والاستشارات»، الى مسح تمثيلي لأكثر من 1,200 أسرة ومقابلات مع خبراء في الطاقة ومراجعة لتقارير تقنية، تبيّن فيه كما أعلنت فقيه أن السياسيين والأشخاص المرتبطين بالطبقة السياسية استخدموا قطاع الكهرباء لتعزيز أهدافهم السياسيّة، بما في ذلك من خلال توزيع الوظائف في الشركة التي تديرها الدولة لجني أرباح هائلة من العقود المربحة، غالباً على حساب الدولة، وجني الأرباح من قطاع المولّدات الخاصّة.
كهرباء لبنان
وأظهرت نتائج هذا المسح مدى مساهمة أزمة الكهرباء في تفاقم عدم المساواة، ودفع الناس إلى الفقر، وعرقلة حصولهم على حقوقهم الأساسية، مثل الحق في الغذاء والماء والصحة، والتسبب في تلوث واسع للهواء يؤثر في البيئة والصحة ويساهم في تفاقم أزمة المناخ. وقالت تسع من كل عشر أسر شملها المسح إنّ تكلفة الكهرباء أثرت في قدرتها على دفع تكاليف الخدمات الأساسيّة الأخرى.
كما أن الحصول على الكهرباء من مولّد خاص أو تجاري لسدّ الفجوة الحاصلة في كهرباء الدولة يعتمد على الدخل. في فئة الـ20% من الأسر الأكثر فقراً، هناك أسرة من كل خمس أسر لا تحصل على الكهرباء من مولّد. بالإضافة إلى ذلك، تنفق الأسر ذات الدخل المنخفض حصّة أكبر بكثير من دخلها على فواتير المولّدات مقارنة بالأسر الأكثر ثراءً، ما يفرض ضغوطاً على ميزانيات الأسر ويجعلها أكثر عرضة للتخلّف عن سداد النفقات الأساسية الأخرى.
ترك كهرباء لبنان ضعيفة
وجاء في التقرير الذي يتألف من 113 صفحة أن قطاع الكهرباء يعاني الفساد والإهمال وسوء الإدارة، إذ عملت الأحزاب السياسية في الحكومة على ترك مؤسسة كهرباء لبنان في حالة ضعف، حيث عيّنت مجالس إدارتها على أساس الانتماء الحزبي بدلاً من الكفاءة، ورفضت تعيين أعضاء «الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء» على النحو المنصوص عليه في القانون، فالتدخّلات السياسية… تعيق اتخاذ القرارات وتطوير القطاع».
بدلاً من ذلك، استخدم السياسيون قطاع الكهرباء من خلال توزيع الوظائف في مؤسسة الكهرباء كشكل من أشكال المحسوبية بغية تحقيق أرباح هائلة من العقود المُربِحة، غالباً على حساب الدولة، وجني الأرباح من سوق المولّدات في القطاع الخاص.
الكهرباء حق من حقوق الإنسان
ووجّه التقرير جملة من التوصيات وأوصى بتكريس الحق في الكهرباء في جميع القوانين والأنظمة الوطنية ذات الصلة؛ التعجيل في إصدار بعض القوانين التي وافق عليها لبنان في الاتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي، ما سيُتيح مليارات الدولارات من المساعدات للبنان ويضعه على طريق التعافي المستدام، وهو ما من شأنه أن يُشجع الاستثمار في القطاعات الأساسية، بما فيها الكهرباء.
وتمرير مشروع قانون إنتاج الطاقة المتجددة الموزعة، وقانون كفاءة الطاقة الذي من شأنه أن يقلّل من استهلاك الطاقة عبر فرض استخدام تدابير كفاءة الطاقة في القطاعين العام والخاص. وتوسيع الحيّز المالي للحماية الاجتماعية من خلال إصلاح النظام الضريبي التنازلي في لبنان لإنشاء نظام تصاعديّ للضريبة على الدخل، وطرح ضريبة على الثروة؛ وإنشاء نظام حماية اجتماعية شامل مثل منح الأطفال وإعانات البطالة ومعاشات الشيخوخة.
إلى مجلس الوزراء
أوصى التقرير إلى مجلس الوزراء بالتعجيل بتنفيذ القانون 462/2002، الذي ينظم قطاع الكهرباء، ويُنشئ هيئة ناظمة ويفصل أنشطة الكهرباء، وإصدار أي مراسيم تنفيذية لازمة لإنفاذه. والتعجيل بإصدار مرسوم تعيين أعضاء هيئة تنظيم قطاع الكهرباء في إطار عملية اختيار شفافة قائمة على الجدارة، مع ضمان قيام الهيئة بعملها بطريقة ذاتية ومستقلة؛ والقيام فوراً بزيادة قدرة إنتاج الكهرباء من الطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية. كلما كان الانتقال إلى الطاقة المتجددة أسرع، ازدادت الوفورات المالية التي سيحقّقها لبنان وازدادت فرص العمل التي تُنشَأ وعدد الأرواح التي تُنقَذ جرّاء خفض تلوّث الهواء. وصرّح البنك الدولي مراراً عن عزمه تمويل الانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجدّدة ويتعيّن على الوزراء طلب التمويل لهذا الغرض من البنك الدولي ومن مصادر أخرى.
وبين التوصيات ضرورة توافق أيّ عقود جديدة يتم توقيعها بقطاع الطاقة، مع قانون الشراء العام لسنة 2021… واتخاذ القرارات اللازمة للوفاء بـ»مساهمة لبنان المحدّدة وطنيّاً» لبلوغ نسبة 18% من دون قيد أو شرط، ونسبة 30% المشروطة، من طلبه على الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة في 2030.
قبل رفع تعرفة الكهرباء، ينبغي التأكد من قدرة مؤسسة الكهرباء على توفير تغذية كهربائية مستقرة للأسر، ومن وجود نظام حماية اجتماعية شامل لدعم حق جميع السكان في الحصول على الخدمات الأساسية، بما في ذلك الكهرباء. واعتماد تعرفات تصاعدية، تسمح للأقلّ استهلاكاً بدفع تعرفات منخفضة.
إلى وزارة الطاقة
وحثّ التقرير وزارة الطاقة والمياه على تنفيذ القانون 462/2022؛ وتحديث خطّة الكهرباء 2022 بغية تحديث الأطر الزمنية للإجراءات اللازمة بناء على التطوّرات التي حدثت خلال العام الماضي، وإنشاء قسم تخطيط خاص بالبنية التحتية في الوزارة ووضع إطار تخطيطي يُعيد تعريف أدوار أهم الجهات المعنية في مختلف مراحل عملية التخطيط. ينبغي أن تكون عملية التخطيط شفافة وتشاركية، ويجب أن تغطّي البنية التحتية الهيدروكربونية، ومشاريع إنتاج الطاقة، والاستثمارات في شبكة الكهرباء، وتشكيل إدارة فنيّة للطاقة المتجددة تابعة لهيئة تنظيم قطاع الكهرباء لتقديم المشورة للهيئة بشأن المسائل الفنية المتعلقة بتنفيذ التقنيات المتجددة؛ وإنشاء هيئة بالاشتراك مع وزارة البيئة تكون مسؤولة عن وضع متطلبات البيئة والصحة العامة والسلامة لمعدّات التوليد الخاصة.
إلى «البيئة»
ويجب التأكد من أنّ أجهزة مراقبة جودة الهواء شغّالة وأنها قادرة على رصد الجسيمات الدقيقة التي يبلغ قطرها 2.5 ميكرون أو أقل (بي إم 2.5)، التي تعتبر من الملوثات الرئيسية المثيرة للقلق؛
إنشاء هيئة مشتركة مع وزارة الطاقة تكون مسؤولة عن وضع المتطلبات المتعلقة بالبيئة والصحة العامة والسلامة للمعدّات الخاصة لتوليد الكهرباء، بما في ذلك مولّدات الديزل والألواح الشمسية، والتأكد من أنّ الهيئة مخوّلة مراقبة انتشار معدّات لتوليد الكهرباء الخاصة، وضمان التزامها بالمعايير المطلوبة، وأنها قادرة على اتّخاذ إجراءات ضدّ المخالفين، سواء بالغرامات أم الإحالة على القضاء.
إلى «الشؤون الاجتماعية»، إنشاء نظام حماية اجتماعية شامل يضمن الحق في الضمان الاجتماعي والحق في مستوى معيشي لائق لكل فرد في لبنان.
وللمصرف المركزي أوصى التقرير بإعادة العمل بالآلية الوطنية لكفاءة الطاقة والطاقة المتجدّدة لتسهيل الحصول على قروض مدعومة للمستهلكين والشركات الذين يرغبون في الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة.
أمثلة على الفساد
في تموز 2020، ذكر تحقيق قضائي لبناني أنّ الحكومة اشترت منذ 2005 بمليارات الدولارات وقوداً ملوثاً ومغشوشاً نتيجة مخطط تزوير مزعوم واختبارات جودة مزوّرة مزعومة. بحسب لائحة اتهام صادرة عن السلطات اللبنانية، تلقّى مسؤولون في وزارة الطاقة وأفراد في المختبرات رشاوى لإصدار تقارير كاذبة تؤكد أنّ الوقود الذي يتمّ تسليمه مطابق للمواصفات الدولية. واحتوى هذا الوقود الملوث على مواد كيميائية محظورة تسببت في أضرار لمحطات الطاقة في لبنان وشكّلت مخاطر صحيّة وبيئية جسيمة.
الحالة الثانية البارزة التي أدت إلى تحقيق قضائي وتدقيق حكومي آخر بسبب سوء الإدارة المزعوم كانت متعلقة بعقد أبرمه لبنان مع شركة تركيّة، «كارباورشيب»، لتوفير حوالى 370 ميغاوات من الكهرباء من باخرتَين عائمتَين راسيتَين في مرفأي الجيّة والذوق – أي ما بين 20 و25% من القدرة الإنتاجية للطاقة في للبنان. وجد «التفتيش المركزي» في لبنان، الجهاز الحكومي المسؤول عن مراقبة الإدارات العامة، أنّ بعض جوانب العقد قد انتُهكت وأن بعض البنود بدت أنها تصبّ لصالح «كارباورشيب» على حساب مؤسسة كهرباء لبنان والدولة اللبنانية.
وانتقد الخبراء الذين تحدثوا إلى «هيومن رايتس ووتش» أيضاً الصفقة لأنها كلّفت الدولة اللبنانية أكثر من 1.5 مليار دولار، من دون احتساب تكلفة الفيول الذي توفره الدولة لتشغيل الباخرتَين. وقدّر الخبراء أنّ توفير مبلغ مالي أكبر بقليل كان سيُمكّن لبنان من بناء ثلاث محطات طاقة جديدة.
إصلاحات صندوق النقد
أوصى تقرير «هيومن رايتس ووتش» بتطبيق الإصلاحات وفقاً للاتفاق مع إصلاحات صندوق النقد، والإصرار على الإصلاحات الرئيسية المتعلّقة بالحوكمة ومكافحة الفساد ومكافحة غسل الأموال و تمويل الإرهاب، والضغط لإصلاح قطاع الكهرباء كإحدى الركائز الأساسية لأي حزمة إنقاذ. وحثّ الدولة اللبنانية على عدم زيادة التعرفة قبل أن تتمكن من ضمان تزويد السكان بالكهرباء بشكل موثوق وقبل تطبيق نظام الحماية الاجتماعية وإعطاء الأولوية لاعتماد مصادر الطاقة المتجددة كطريقة لخفض تكاليف شراء الوقود الأحفوري الباهظ وضبط ميزانية كهرباء لبنان، فضلاً عن تعزيز أمن الطاقة في لبنان. وأوصى التقرير صندوق النقد بالامتناع عن تمويل أي مشاريع طاقة جديدة تعتمد على الوقود الأحفوري، بل مشاريع الطاقة المتجددة. ومن»الجهات المانحة للبنان»، طلب التقرير ضمان عدم تبديد أي أموال تُمنح للدولة اللبنانية واستخدامها لتحقيق إصلاحات هيكليّة، ودعم تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وتعزيز مجلس الخدمة المدنيّة لتحسين النزاهة في القطاع العام.