كتبت زينب حمود في “الأخبار”:
ثلاث سنوات إلى الوراء، كانت الأسواق تحضّر للتاسع من آذار، وينشغل الطلاب وأهاليهم بشراء هدايا عيد المعلم. ثم حلّت جائحة كورونا، وصارت المعايدة في ظلّ التعليم عن بعد افتراضية. ومع انحسار الوباء، أعيد فتح المدارس على أنقاض العيد، جراء استفحال الأزمة الاقتصادية التي جعلت الهدايا على رمزيتها، مكلفة وخارج قدرة الأهالي. لذلك، لا تفكر سيرين، طالبة في صف العاشر، في شراء هدايا لمعلماتها. لم تسأل أصدقاءها إن كانوا سيفعلون أم لا، لأنه «لم يعد هناك اندفاع والأسعار تعجيزية»، علماً أنه في السنوات السابقة «كنت أخجل أن أدخل إلى الصف قبل يوم عيد المعلم وبعده، ملوّحة بيدي بينما يحمل الجميع الأكياس. وكنت أفكر في أنني إذا خصصت معلمتي بهدية قيّمة، ستراعيني في العلامات وتخصّني بدورها بمعاملة جيدة خلال الشرح وإجراء الامتحانات».
هدية واحدة
رغم ذلك، لا يزال البعض يحرص على شراء الهدايا، كما تفعل روزا التي ادّخرت على مدار أربعة أشهر 20 دولاراً شهرياً من راتبها الذي يساوي مئة دولار، لشراء هدايا لمعلّمي ابنتيها، فـ«أقلّ هدية تُكلف 4 دولارات». ومع أن ابنتيها الصغيرتين تحبان مرافقتها لشراء الهدايا تصرّ روزا على التسوّق وحدها «حتى لا تحرجاني وتختارا هدايا بأثمان غالية».
عادة، يتحمّس التلامذة، وخاصة الصغار منهم، لشراء الهدايا للأستاذ والمعلمة المفضّلين لديهم، لذلك ينتهج جزء كبير من الأهالي سياسة: «هدية واحدة للمعلّمة المفضّلة». هذا ما ستفعله نسرين التي طلبت من أولادها الثلاثة أن يختاروا أستاذاً أو معلمة لتكريمهما في العيد بهدية رمزية، مثل وردة أو محفظة مال أو فنجان… «بعدما كان جميع الأساتذة والمعلمات والنُّظار، وحتى موظفو الإدارة، يُكرّمون في عيد المعلم بهدايا غالية الثمن، أذكر أنني أهديت كلاً منهم ذات مرة علبة شوكولا من ماركة معروفة بغلاء سعرها». بعد إلحاح التوأم مازن ولين على والدتهما شراء هدايا عيد المعلم، طلبت الوالدة، نظراً إلى ظروفها المادية الصعبة التي تسمح فقط بشراء هدية واحدة لكليهما، أن يختارا اسماً واحداً بما أن الأساتذة والمعلمات مشتركون. فاختار مازن أستاذ الرياضة، أما لين ففضّلت معلمة العلوم، «تشبّث كل منهما برأيه، وانتهى الأمر بعدم شراء هدية».
التمييز بين المعلّمين
يصنّف الطلاب أساتذتهم بين عزيز يحبونه، وآخر عادي، أو لا يطيقونه، وهذا طبعاً يتوقف على معاملته لهم. هناك من يساير طلابه ويمازحهم، وهناك من يتعامل معهم بجدية أو بحدّة، فـ«لا يفكّ عقدة حاجبيه ولا يدعنا نتنفس في الصف، ولا ينقصه غير أن يحمل معه عصا»، كما يقول مصطفى عن أستاذ الكيمياء، موضحاً: «لا نكرهه لكنه لا يتعدى كونه أستاذاً، وبالتالي لا يستحق أن نتذكّره بهدية في عيد المعلم».
إنها السنة الأولى التي يطلب يوسف (12 عاماً) إهداء معلماته الأربع في عيدهن. لماذا؟ «للتعبير عن محبتي لهن ولأظهر لهن أنني ملتفت إلى لطفهن معي». يعدّد أسباباً مختلفة بحسب كلّ معلمة «إحداهن قلبها طيب وحنونٌ، والثانية أشعر بأنها مربية وليس فقط معلمة، فأخبرها أموراً خارج إطار الدراسة، في المقابل هناك معلمات لا يعاملننا بطريقة جيدة، ويميّزن المجتهد عن غيره ويحطّمن المعنويات».
عادة تجد معلمات يمتلكن شعبية واسعة بين الطلاب، فيخرجن من صفوفهن محمّلات بأكياس الهدايا. معلمة اللغة العربية زينب واحدة منهن، تقول تلميذتها دانا إنها ستشتري هدية لها فقط، «لأنها لطيفة، وتحب الجميع بالطريقة نفسها، وتتقن شرح الدروس وتدعمنا أثناء الامتحانات، ولا تعاملنا كأستاذة بل كأمّ حنون ولا تفشي لنا سراً». محمد سيشتري هدية لمعلمته الخصوصية، ولـ«مس زينب» أيضاً دون سواها لأنها «تستحق». كذلك الأمر بالنسبة إلى نور التي تؤكد أنها «ستشتري هدية لمعلمة اللغة العربية حصراً لأنها تعامل الجميع بلطف من دون تمييز، وتستطيع أن تضبط الصف من دون أن توبّخنا، وإذا بقي معي نقود فسأشتري هدية لمعلمة الرياضيات». بفضلها أحب التلامذة الثلاثة المادة وارتفعت علاماتهم حتى إن نور بدأت قراءة الكتب نتيجة تشجيعها.
إلغاء العيد يقهر الأساتذة
مع ارتفاع أسعار السلع علّقت غالبية إدارات المدارس الاحتفال بعيد المعلم، فأصدرت قراراً يمنع الإتيان بهدية للمعلم تفادياً لإحراج من لا يملك ثمنها، ولعدم زيادة الأعباء على كاهل الأهالي. طبعاً هناك من لم يلتزم، لكنّ القرار غيّر المشهد الذي اعتاد عليه الأساتذة والمعلمات لسنوات طويلة. «كنت أحمل أكياس الهدايا إلى منزلي على أربعة أيام لكثرتها، وأسعد جداً بها من دون أن أفتحها أمام الطلاب حتى لا يشعروا بالخجل فمعظمهم ذوو دخل محدود. وصاروا اليوم تحت خط الفقر لذلك شدّدت عليهم ألا يشتروا هدية قائلة: أنتم أجمل هدية ولا شيء يسعدني أكثر من نجاحكم وتفوّقكم».
هذا العام يسري القرار ذاته في مدارس ولا يسري في أخرى. ورغم إدراك الأساتذة والمعلمات لدقة الوضع الاقتصادي، يشعرون بأنهم خسروا اليوم الوحيد الذي يكرّمهم. تعترف مدرّسة اللغة الأجنبية ماغي بسعادتها بالهدايا التي تحصل عليها ورسائل الحب والتقدير من طلابها، «لذلك أزعجني قرار من المدرسة، فلا يكفي أنها لا تمنحنا حقوقنا وفوقها لا تسمح بتكريمنا». لا يتوقف الأمر عند هدايا الطلاب، المدارس أيضاً توقفت عن تنظيم حفلات التكريم والعشاء للمعلمين والمعلمات، حتى شهادات التقدير صارت طباعتها مكلفة بالنسبة إلى الإدارة. فـ«صرنا نخرج إلى العشاء لنحتفل بعيدنا على حسابنا»، تقول ماغي آسفة.