تلتزم مؤسسة كهرباء لبنان بنود خطّتها لزيادة ساعات التغذية، والمترافقة مع زيادة التعرفة ونزع التعديات. إلاّ أن التطبيق جاء ثقيلاً على جيوب الناس، إذ فرضت المؤسسة عليهم دفع مبالغ كبيرة تفوق حجم رواتبهم الشهرية. ما رتَّبَ امتناعاً عن الدفع سيتحوَّل لاحقاً إلى غرامات وقطع للتيار ستزيد الوضعَ سوءاً. ويعود ثقل التعرفة إلى فوترة المؤسسة على المواطنين، رسوماً مقوَّمة بدولار منصة صيرفة عن شهريّ كانون الأول وكانون الثاني 2022، مضافاً إليها 20 بالمئة من قيمة ذلك الدولار، بحجّة فرضها من قِبَل مصرف لبنان، بحسب “المدن”.
رسوم بلا خدمة
في شهر شباط 2023، وصلت فواتير مؤسسة الكهرباء عن الشهرين الأخيرين من العام الماضي. ومع أن التغذية حينها كانت معدومة، توزّعت الأرقام بين 4 و10 مليون ليرة، برَّرتها مؤسسة الكهرباء بأنها “تشمل استهلاك الكهرباء في شهرين معاً على أساس سعر الصرف على منصة صيرفة بتاريخ طباعة الإصدار والبالغ 43600 ليرة، زائد 20 بالمئة، وليس حسب سعر منصة صيرفة اليوم”. أي أن الفواتير أتت بسعر 43600 ليرة يضاف إليها 20 بالمئة، فتصبح وفق سعر 52320 ليرة.
وذهبت المؤسسة إلى التحذير من “الأخبار غير الدقيقة” التي تروِّج أن الفواتير وضعت على أساس دولار منصة صيرفة الحالي، أي 70 ألف ليرة. وذكَّرَت أن التعرفة الجديدة “أقلة كلفة على المواطن مقارنة بسبل استمداد التيار الكهربائي الأخرى، ولا سيما من المولدات الخاصة”.
مقاربة المسألة بالنسبة للمواطنين مختلفة. فالمولدات الخاصة تؤمّن مازوتها بدولار السوق، فيما المؤسسة لا تدفع ثمن الفيول المؤمَّن بسلفة خزينة، ولم تبدأ بعد شراء الفيول من إيراداتها. وهي بذلك تحاسب المشتركين بكلفة لم تدفعها.
أيضاً، تتضمَّن فواتير المولّدات الخاصة، رغم إجحافها، رسوماً لقاء خدمة مستمرة على مدار 24 ساعة، فيما مؤسسة الكهرباء لم تقدّم خدمة طوال الشهرين الأخيرين من العام الماضي. واستمرار احتساب الرسوم على الأشهر اللاحقة، سيتضمَّن رسوماً لقاء خدمة لا تزيد عن 6 ساعات يومياً.
دولارات إضافية
دولرة فواتير المؤسسة وربط قيمة دولارها بمنصة صيرفة، شابته تناقضات عبّرت عنها بيانات المؤسسة، ومنها ما صدر في تشرين الثاني 2022. فالرسوم الجديدة وفق البيان “تُحتسب بالليرة اللبنانية على أساس سعر الصرف على منصة صيرفة الذي سوف يحدّده مصرف لبنان، على أن تُعدَّل هذه التعرفة كل شهر أو شهرين، وحسب كلفة الإنتاج الحقيقية المعتمِدة على سعر النفط العالمي ومشتقاته”. لا ذِكرَ هنا لأي زيادة على سعر صيرفة.
في الشهر التالي، وافق مصرف لبنان على تأمين الدولارات للمؤسسة بسعر صيرفة، مضافاً إليه 20 بالمئة، وذلك بعد تأمين المؤسسة، مسبقاً، المبالغ المطلوبة بالليرة. ذلك يعني، أن المصرف المركزي يتاجر بالدولار على حساب مؤسسة عامة تُحمِّل مشتركيها قيمة الزيادة، فيما المفترض بها أن تتحمَّلها، خصوصاً وأنها أعلنت سابقاً احتساب الفواتير بدولار صيرفة بلا إشارة إلى أي زيادة. لكن التبرير الوحيد لدى المؤسسة هي أنها “لا يسعها سوى الالتزام بقرارات الجهات المختصة التي هي صاحبة الصلاحية بهذا الشأن”. والمقصود هو مصرف لبنان الذي يحدد قيمة وكيفية تحويل الليرات إلى دولارات.
لسان حال المواطنين يعبِّر عن رفض ما يحصل. فكامل رواتبهم الشهرية لا تكفي لسداد فاتورة واحدة وفق التكاليف الحالية. أما المقارنة مع المولدات الخاصة، فبعض المواطنين يقسِّط فاتورته لصاحب المولّد، فهل ترضى المؤسسة تقسيطها؟ كما أن عدم الدفع سيُرتِّب غرامات متزايدة وصولاً إلى قطع التيار نهائياً. وهنا يسأل أحدهم، عن آلية تقليص حجم عدّاده الذي اعتمده قبل الأزمة حين كانت التعرفة بمتناوله. فتقليص حجم العدّاد يستدعي تسديد الفواتير غير المدفوعة. وعدم القدرة على الدفع، تعني استمرار تسجيل رسوم لن تُدفَع.
أما إزالة التعديات، فهي حكاية متشعّبة يسخر المواطنون من تكبير حجمها في مؤسسة الكهرباء. فالكل يدرك عدم قدرة المؤسسة على قلب الميمنة على الميسرة في هذا المجال. ويقول أحد المشتركين لـ”المدن”، أن سِمات إزالة التعديات تُظهِر عقمها من خلال “عدم قدرة المؤسسة على تأمين العدادات المطلوبة للمشتركين الذين قدَّموا طلبات للحصول على عدّاد. فمن لا قدرة لديه على تركيب عدّاد لمشترك يريد الالتزام بالقواعد والأصول الصحيحة، فهل تستطيع فرض قرارٍ على شخص مدعوم من جهة سياسية؟”.
لا عصيان مدنياً: يُسَجَّل لمؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة ضرورة رفع التعرفة لتحسين قطاع الكهرباء. لكن ذلك يصحّ ضمن خطة متكاملة تصل في خواتيمها إلى حصة المواطن من فاتورة الإصلاح، وليس العكس. ولذلك، ستتراكم الفواتير غير المسدَّدة لحين وصولها إلى مرحلة متضخّمة تستدعي حلاً سريعاً. لكن الحل إذا ما كان تشديد الضغط على المشتركين، فستتعاظم الأزمة، وإذا كان شطباً للفواتير، ففيه ظلم لمَن دَفَع والتزم بالقرارات. وهذه الازدواجية متوَقَّعة من قِبَل الكثير من المواطنين. فكما التزم البعض قبل الأزمة، سيدفع هؤلاء الفاتورة خلال الأزمة وبعدها.
أما امتعاض الشريحة الأوسع جرّاء أرقام الفواتير المرتفعة، فلن يتحوَّلَ عصياناً مدنياً وقراراً شعبياً بعدم الدفع، وهو ما تراهن عليه مؤسسة الكهرباء. ليصبح الجميع أمام غياب العدالة المرتبطة بالتعرفة تارة، والمرتبطة بالالتزام بالدفع تارة أخرى. فالعدالة في الحالة الأولى يجب أن ترتبط بقدرة المُكَلَّفين على الدفع، وفي الحالة الثانية بالمساواة في التحصيل.