كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
بين الهزّات الأرضية الطبيعية والمالية المعيشية، يترنّح اللبنانيون تحت وطأة تداعياتها السلبية، وقد زاد لهيب نارها الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء، وامتداداً إلى كلّ متطلّبات الحياة من المحروقات إلى السوبرماركات، وبينها لقمة عيش الفقراء إذ نزل بعضهم إلى الشوارع احتجاجاً بما يشبه «ميني انتفاضة». اللافت أنّ صيدا، وبخلاف بعض المناطق التي شهدت تحركات احتجاجية بالإطارات المشتعلة، بقيت على حالها، تعيش حالة من الهدوء والترقّب، وقد جرت محاولة لاقفال تقاطع «إيليا» من بعض سائقي السيارات العمومية، وقبلها من عدد من الناشطين لكنّها لم تدم سوى دقائق معدودة وانتهت، بسبب قلّة أعداد المشاركين، ما أثار تساؤلات عن الأسباب الحقيقية.
وأطلقت الناشطة في حراك صيدا ميادة حشيشو صرخة وجع، وقالت لـ»نداء الوطن»: «لم أستوعب بعد السبب وراء عدم تحرّك الناس واحتجاجهم. لقد أصبحنا نعيش في عصر نقّ وشكوى على مواقع التواصل الاجتماعي كلّ يوم، بل كلّ ساعة، وعدم النزول إلى الشارع للتعبير عن الغضب ورفض الأمر الواقع. يبدو أنّ الناس مرتاحة على وضعها وبين يديها الكثير من الدولارات، وإلا كيف نفسّر أنّ المطاعم والمقاهي ممتلئة كلّ أسبوع وفي المناسبات، الفقراء والعائلات المتعفّفة هم وحدهم يدفعون الثمن».
بالمقابل، انتشر الجيش اللبناني في شارع رياض الصلح الرئيسي وسط المدينة، وبالقرب من بعض المصارف احترازياً للحفاظ على الأمن ومنع أي اعتداء عليها، بعدما رصدت القوى الأمنية ازدحاماً أمام بعضها وقيام المودعين بالقرع على الأبواب الحديدية الخارجية التي تحصّنت بها، من دون أي تجاوب. وما زاد من الغضب، أنّ الموظفين كانوا يداومون داخلها من دون أي تواصل مع الخارج، على الرغم من الإضراب المفتوح الذي تنظّمه المصارف منذ ايام، وأتاحت خلاله فقط اجراء عمليات مالية عبر الصرّاف الآلي فقط، وفي ساعات الصباح وفق سقوف محدودة من دون ان تجرى اي معاملة داخلها.
ومع الارتفاع الجنوني بسعر صرف الدولار، وتمدّد الاحتجاجات على الطريق الرئيسية بين صيدا وبيروت في محلة وادي الزينة شمالاً، وجنوباً بين صيدا والناقورة عند مفرق البرج الشمالي، أقفلت بعض محلات الصيرفة ابوابها وتوقّف أصحابها عن التعامل بالدولار بيعاً وشراء نتيجة الإرباك والفوضى. واللافت أنّه لم يمض وقت قليل على قرار وزير الاقتصاد أمين سلام السماح بالتسعير بالدولار الاميركي حتى سارع الباعة إلى التسعير بالعملة الخضراء علناً بعدما كانوا يفعلون ذلك ضمنياً، وأشهروا التسعيرة على واجهة المحال التجارية وداخل السوبرماركت وصولاً إلى أكشاك الاكسبرس، ويقول علي صاحب أحدها: «حتى لا نغبن ولا نسرق حدا، هيك الأسعار بأمان للبائع والمستهلك. كل شي صار بالدولار ويحتسب على سعر الصرف، هيك بيشوف الزبون الاسعار، بحب يشتري اهلاً وسهلاً وما بحبّ كمان أهلاً».
وإلى جانب البضائع، صبّ المواطنون جام غضبهم على أسعار المحروقات ولا سيّما البنزين، فادي رمضان لا يستطيع نظره مواكبة العدّاد الالكتروني لآلة تعبئة البنزين لسيارته، يقول «إنّه كالبرق بالكاد تعطي العامل المليون ليرة حتى يقولك خلصت يا ريّس، اليوم قاربت الصفيحة المليون وأربعمئة ألف، يعني كل ليتر بـ 70 الف ليرة أي ما يقارب الدولار، ما حدا سأل عن شي والبلد انهار، واتّخذت القرار الصائب ببيع سيارتي لأستطيع أن آكل وأشرب مع دفع مصروف البنزين».