كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
بدأت أمس مفاعيل العمل بسعر الصرف الرسمي البالغ 15 ألف ليرة لبنانية بدلاً من 1507.5 ليرات كما أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في حديث الى “رويترز” أمس الأول. ورغم أن هذا القرار بات معمّماً ومعروفاً ومعلناً عنه مرّات عدّة من قبل وزير المال ورئيس مجلس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال وتمّ التأكيد عليه من حاكمية “المركزي”، إلا أنّه لا قرار رسمياً صدر حتى الساعة لا من “المال” ولا “المركزي” يؤكد أن سعر صرف الدولار تغيّر رسمياً.
وكانت إجراءات كيفية تغيير مسألة زيادة سعر الصرف الرسمي قانوناً أثارت جدلاً واجتهادات بأن ذلك يتمّ إما بقانون وإما بنشرة صادرة عن مصرف لبنان كما سرت العادة. وبما أن أي من القرارين لم يصدرا بعد، أوضح رئيس نقابة أصحاب الصناعات الغذائية منير البساط لـ”نداء الوطن” أنّه “لم يبدأ التجار والصناعيون اعتماد سعر الـ15 ألف ليرة في ظلّ عدم صدور قرار رسمي بعد”، معتبراً المشكلة “أن المستورد يسدّد الضريبة على القيمة المضافة وفق سعر الـ15 ألف ليرة فيما تحتسب الـTVA للتاجر وفق سعر الـ1500 ليرة”. من هنا فإن فارق الكلفة سيكون عالقاً في وزارة المالية، وستكون له تداعيات على الرأسمال التشغيلي، في حال لم يتمّ السير قانوناً بسعر الصرف الرسمي البالغ 15 ألف ليرة”، وبالتالي إضاعة قيمة الضريبة التي تسدّد والتي ارتفعت 10 أضعاف. مؤكّداً أنه في ما عدا ذلك، “لا تأثير لارتفاع سعر الصرف الرسمي الى 15 ألف ليرة عموماً وإنما المعضلة تنحصر في تسديد الضريبة على القيمة المضافة.
وفي كلّ الأحوال، فإن احتساب الضريبة على القيمة المضافة وفق سعر صرف بقيمة 1500 ليرة أو 15 ألف ليرة، لا تأثير له على سعر السلع على رفوف السوبرماركت، باعتبار أنّ المستهلك، كما أوضح رئيس نقابة مستوردي الصناعات الغذائية هاني بحصلي لـ”نداء الوطن”، يسدّد نسبة الـTVA على إجمالي سعر السلعة والتي تحتسب وفق سعر صرف السوق السوداء”.
من الناحية الحسابية
أوضح خبير المحاسبة المجاز والمحلّف جمال ابراهيم الزغبي خلال حديثه الى “نداء الوطن” أن “الضريبة على القيمة المضاف بالنسبة الى أرباب العمل والشركات الخاصة لا تعتبر مكلفة، فالشركات تحصّل الـTVA وتودعها لديها بهدف تسديدها الى الدولة، من هنا فتأثير رفع سعر الصرف يبرز بضريبة الدخل”.
وأعطى ابراهيم مثلاً على ذلك: اذا اشترى تاجر منتوجات بقيمة 1000 دولار وتمّ بيعها بـ11000 دولار، وبذلك يكون الربح للتاجر 1000 دولار. ووفق سعر صرف 1500 ليرة لبنانية يعادل المبلغ بالعملة الوطنية 1,5 مليون ليرة، بينما وفق سعر صرف الـ15 ألف ليرة يعادل المبلغ ما قيمته 15 مليون ليرة. وبالتالي بدل أن يترتّب على التاجر تسديد ضريبة على المليون ونصف المليون دولار، سيترتّب عليه تسديدها على الـ15 مليون ليرة”.
فشركة أموال ش.م.م أو ش.م.ل على سبيل المثال يترتّب عليها ضريبة بنسبة 17 في المئة زائد 10 في المئة ضريبة توزيع الأرباح، عندها سيترتّب عليها أعباء مالية كبيرة ضرائبياً، ما سيؤثّر على الشركاء والمساهمين فيها، اذ بدل أن تدفع 100 دولار توزيع أرباح أو 150 ألف ليرة، بات يتوجّب عليها تسديد مليون ونصف ليرة ضريبة توزيع أرباح”.
ضريبة دخل الرواتب “على الموظّف”
أما في ما يتعلق بتأثير ارتفاع سعر الصرف على الرواتب، قال الزغبي إن “الأجور التي يتمّ تقاضيها بالليرة اللبنانية تتغيّر وفقاً للقوانين ومن خلال مراسيم، والتي يبلغ حدّها الأدنى لغاية اليوم 2,600 مليون ليرة على ان يتمّ إنجاز مرسوم رفعها الى 4,5 ملايين ليرة فور الموافقة على المرسوم ونشره في الجريدة الرسمية. وبالتالي لا تتأثر المؤسسات ضرائبياً بزيادة الرواتب كون المستخدم هو الذي يسدّد ضرائب الدخل.
أما الرواتب التي تسدّد بالدولار المصرفي فستحتسب على سعر 15 ألف ليرة للدولار.
المؤسسات التي لديها مخزون
وبالنسبة الى المؤسسات التي سبق ان اشترت بضائع ولديها حتى اليوم مخزون منها، فكلّ من تلك الشركات ستتأثّر بطريقة مختلفة.
اذا كان لدى شركة ما، مخزون من البضائع سبق أن اشترتها وفق سعر صرف بقيمة 1500 ليرة للدولار، اليوم ومع تحديد سعر صرف الدولار عند 15 ألف ليرة ستختلف المعادلة.
ويقول الزغبي في هذا المجال إن “وزارة المالية سمحت بقرار أصدرته إعادة تقييم الأصول، ولم تسمح بإعادة تقييم المخزون، وبالتالي فلنفترض أن المخزون بقيمة 100 ألف دولار كان وفق سعر الـ1500 ليرة يعادل 150 مليون ليرة، بات مع احتسابه على سعر الـ15 ألف ليرة يعادل 1,5 مليار ليرة. وبالتالي يكون الفارق بين 1,5 مليار ليرة و150 مليون ليرة نحو 1,350 مليار ليرة، ما سيرتّب مشكلة في ضريبة الدخل عند البيع باعتبارها ستسجّل أرباحاً على التاجر بسبب زيادة قيمة السلع، في حين أن البضاعة لا تزال هي نفسها، وهنا تكمن المشكلة.
ويضيف: “حتى أنه ولو تمّ بيع سلع بقيمة 50 ألف دولار فقط (أي ما يعادل 750 مليون ليرة)، يكون الفارق بقيمة 600 مليون ليرة لبنانية اذا كانت الضرائب بالليرة. وهنا تكون الخسارة بالدولار، ويكون الربح بالليرة اللبنانية هائلاً ما سيزيد الضريبة على الربح.”
من هنا يتبيّن لنا أن آلية بدء العمل بسعر صرف الـ15 ألف ليرة ليست سهلة كما يخيّل للبعض بل قد تستغرق بعض الوقت لحين الدخول في نظام سعر الصرف الجديد، الذي أضيف اليه ثلاثة أصفار والحبل على الجرّار لحين تحرير سعر الصرف من خلال اعتماد سعر منصّة “صيرفة”.