كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
فجأة اختفت ظاهرة الصرّافين غير الشرعيين، تواروا عن الأنظار موقّتاً بانتظار أن تهدأ موجة توقيفهم بعد الكتاب الذي أصدرته النيابة العامة التمييزية إلى القوى الأمنية والعسكرية بملاحقتهم واقتيادهم مخفورين، في إطار مكافحة المضاربة على العملة الوطنية، في محاولة للحدّ من الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
هدأ سوق الصرف موقّتاً، توارى الصرّافون غير الشرعيين إلى حين، ولكن عمليات البيع والشراء لم تتوقف وانتقلت إلى داخل الأزقة في الشوارع الرئيسية ومن داخل السيارات وعبر الهواتف الخليوية، من دون أن تشهد أماكن تواجدهم عمليات فرّ وكرّ بينهم وبين الأجهزة الأمنية التي سيرّت دوريات لتوقيف أي مخالف منهم.
القرار فعل فعلته في عاصمة الجنوب، لم يداوم الصرّافون غير الشرعيين في صيدا كعادتهم على جانبي الرصيف في شارع رياض الصلح الرئيسي، وقد اختفوا، وهم بالعشرات، خشية توقيفهم من قبل الأجهزة الأمنية، بعدما امتهنوا هذا العمل الذي ازدهر مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية، حيث يقفون ملوّحين بحُزَم العملة اللبنانية من فئة المئة ألف أو الخمسين ويديرون عمليات البيع والشراء.
الشارع على امتداده من ساحتي «النجمة» حتى «الشهداء» بات يعرف بـ»شارع الصيارفة»، إذ يضمّ معاً المصارف ومحال الصيرفة الشرعية، إضافة إلى عدد كبير من الصرّافين الجوالين غير المرخّص لهم، وقد باتوا جزءاً من الازدحام اليومي، بل شهوداً على مسرح تقلّبات العملة الخضراء، فعاشوا صولات وجولات ارتفاع وانخفاض الدولار الأميركي بين يوم وآخر، بل بين ساعة وأخرى.
ويقول الصرّاف غير المرخّص له علي لـ»نداء الوطن»: «الاختفاء هو موقّت ومن الشارع الرئيسي فقط، بات العمل يجري من داخل السيارات وعبر الهواتف الخليوية وفي الأزقّة المحيطة حتى لا نقع تحت أنظار دوريات القوى الامنية ونبيت في «بيت الخالة»، أي السجن، ونحلم بالكوابيس»، بينما يؤكد زميله محمد وهو يراقب حركة الشارع خوفاً من «كبسة» أمنية: «نحن لا حقّ لنا في بيع الدولار وشرائه ولكن ماذا نفعل في ظلّ الازمة المعيشية الخانقة؟ نريد أن نعمل، فليذهبوا إلى كبار التجّار وحيتان المال ويمنعوهم من المضاربة عندها يستقرّ سعر الصرف، فنحن صغار الكسبة لا نؤثّر فيه سلباً أو إيجاباً».
وفي مشهد غير مألوف، بدأ بعض الصرّافين غير الشرعيين يرسلون مراقباً إلى الشارع ليرى ما اذا كانت توجد دورية أمنية، قبل أن يتّصل، فيحضر الصرّاف لعدة دقائق علّه يحظى بزبون يريد أن يصرف ليؤمّن قوت يومه وربحه ثم يتوارى عن الأنظار وليعيد الكرّة بين الحين والآخر، وفق ما يؤكد أحدهم، «نحن نعمل مياومين أو وفق نسبة، وربحنا في نهاية النهار بعد ساعات طويلة من الوقوف على الأقدام 50 دولاراً في أحسن الأحوال، نريد أن نعيش بكرامة، ولا نمّدُ يدنا إلى العوز أو نئنّ وعائلاتنا تحت الفقر».
بالمقابل، إنتعش سوق الصرّافين المرخّص لهم، تنفّسوا الصعداء وهم يجلسون خلف مكاتبهم داخل محالهم، بعضهم يراقب بفرح ما يجري، يجمعون على أنّ الشباب والعاطلين عن العمل أصبحوا صيارفة، وكلما تمرّس أحدهم أكثر في المهنة فتح على حسابه واستقدم بدوره شبّاناً يوزعهم تحت الجسور وعند المفارق وعلى الأوتوسترادات حتى تحوّلت المدينة محلّ صيرفة كبيراً.
ويؤكّد جواد لـ»نداء الوطن»، وقد نزع شنطته الجلدية التي يخبّئ فيها عادة رزم العملة اللبنانية والدولار الأميركي ويعلّقها على صدره خشية سرقتها، أنّه عصرهم، هم كالملوك الآن، «نافشين» ريشهم هذه الأيام ومن حقّهم، «لكنّنا فاهمون اللعبة وسنعود عاجلاً أم آجلاً لمتابعة عملنا».
بينما يؤكد المواطنون أنّ المنافسة فتحت أمامهم باب الإستفادة الأفضل، إذ كان الصرّافون المرخّص لهم يتحكّمون بالسوق كما يشاؤون، «ظهور هؤلاء بدّل اللعبة وأصبحنا نصرّف بالسعر الأعلى». ويقول محمود عجرم: «غرقنا في زمن أصبحنا فيه جميعنا صيارفة نلهث وراء صيرفة ويلهث الصيارفة المتجوّلون وراءنا، في حين أنّ من بيدهم الحلّ يغرقون في سباتٍ عميق.
باختصار مفيد، «أهلاً وسهلاً بكم في بلد العجائب والغرائب».