كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
كانت التطوّرات القضائية المتسارعة والمتّصلة بقضية تفجير المرفأ كفيلة بنقل المناخ السياسي إلى حيّز آخر طغى على اجتماع وفد «حزب الله» مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في ميرنا الشالوحي. مصير القضاء على المحك وكذلك المؤسسة العسكرية على خلفية الخلاف بين وزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش جوزاف عون، فضلاً عن الأزمة الإقتصادية والجوّ المأزوم الذي ينذر بالأسوأ سياسياً وأمنياً.
كل ملفات الساعة حضرت في اجتماع أمس الأول في ميرنا الشالوحي الذي كان عبارة عن جردة مصارحة بين «التيار» و»حزب الله» حول ما جرى منذ نهاية ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون. لم يكن مرسوماً للإجتماع أن يتّخذ قرارات أو أن يخرج بتوصيات ولكنه شكّل باعتراف الطرفين «إنطلاقة نحو حوار سيتواصل حول جميع المواضيع» أو»خطوة باتجاه تنظيم أي خلاف بين الحليفين».
في بداية الإجتماع حرص وفد «حزب الله» على استعراض الأوضاع السيئة في البلاد وظروف الناس وهمومهم وكيف أنّ «حزب الله» لا يمكن له أن يقف مكتوف اليدين شارحاً الأسباب التي دفعته للمشاركة في الإجتماع الحكومي، ليخلص إلى اعتبار أنّ الظروف غير مؤاتية للنكايات السياسية والخلافات وأنّ المصلحة الوطنية فوق كلّ اعتبار مبدياً حرص «حزب الله» على التفاهم مع «التيار الوطني الحر»، فإذا كان «التيار» يمدّ يده باتجاه «حزب الله» فإنّ الأخير يشدّ على هذه اليد ويحرص على التمسّك ببقائها وهي ستبقى ممدودة وليس هناك ما يمكن أن يؤثر عليها سلباً. واعتبر وفد «حزب الله» أن الخلافات والمطبّات التي مرّت بها العلاقة الثنائية لا تلغي التفاهم وأهميّته وأنّ مصلحة البلد تقتضي القفز فوق كل ما شهدته المرحلة الماضية ومقاربة أي خلاف من هذا المنطلق بعيداً عن أي مصالح سياسية.
وكرّر رئيس «التيار» موقفه حيال موضوع انعقاد جلسة مجلس الوزراء في ظل حكومة مستقيلة وأن تهميش موقع رئيس الجمهورية ليس تفصيلاً، بل هو بالنسبة الى «التيار» ذو طابع ميثاقي يتّصل بالوجود السياسي للمسيحيين وبمعادلة المشاركة. وفي ما يتصل بانتخاب رئيس الجمهورية إعتبر «التيار» أنّ انتخاب رئيس للجمهورية له طابع ميثاقي بامتياز وهو استحقاق وطني تعود المسؤولية الأولى فيه للمسيحيين بحكم طبيعة النظام وهذا ليس موضع جدل أو أخذ وردّ. الموضوعان من وجهة نظر «التيار الوطني» يمكن إدراجهما تحت عنوان الشراكة وقد جرى بحثهما بالعمق ليكون التأكيد على أنه من غير الوارد أن يتنازل «التيار» عن الثوابت الميثاقية وهو لا يزال يؤكد أنّه حريص على الحقوق حرصه على المقاومة.
وقابل باسيل إيجابية «حزب الله» بإيجابية مماثلة وهو أكد أن لا مصالح خاصة وشخصية لديه ولا يطلب شيئاً لنفسه وأنه سبق وتعرّض لعقوبات ولم يفرّط بعلاقته مع «حزب الله» ومصرّ على استمرار التفاهم مستعرضاً الأسباب التي دفعت «التيار» إلى رفع الصوت نتيجة التعاطي الذي ساد عقب نهاية ولاية الجنرال عون وصولاً الى جلسات مجلس الوزراء.
وفي موضوع رئاسة الجمهورية كرّر وفد «حزب الله» تمسّكه بترشيح رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية، في حين استعرض باسيل أسباب رفض هذا الترشيح من عدة نواحٍ فكان جواب «حزب الله» بضرورة التفاهم على اسم المرشح وفتح باب النقاش بهذا الشأن. لم ينته الإجتماع إلى حسم الموضوع الرئاسي فلا «الحزب» أقنع باسيل بمرشحه ولا باسيل تراجع عن موقفه لكن هذا لم يقفل باب البحث بالموضوع ولكن بصيغ جديدة في محاولة لتحريك الركود الذي يكتنف جلسات انتخاب الرئيس.
وحسب مصادره فإنّ «التيار» ينتظر في المرحلة المقبلة أفعالاً تؤكد الحرص على الشراكة، وهو يرى أنّ الأفعال هي البرهان، وهو يريد أن يكون التفاهم عنصر قوة للبنان، وسيفقد مبرّر وجوده إذا إختلّ ميزان الشراكة الوطنية، أو حتى ميزان الشراكة السياسية بين طرفي التفاهم. ولم يفت الطرفان أنّ تعاونهما حقق إنجازاً إستراتيجياً في الدفاع عن الحقوق تمثّل بترسيم الحدود البحرية.
تفاهم «حزب الله» و»التيار» على «التفاهم» كان ضرورة بعدما بلغ التشنّج مداه بين الطرفين. بقي الخلاف على ترشيح فرنجية عالقاً بلا أفق، أما جلسات الحكومة فقد تؤجل طالما ليس هناك ملفات مهمة في الوقت الراهن حسب ما قاله ميقاتي، في حين أنّ المستجدّ المتعلّق بتحقيقات القاضي طارق البيطار وادّعاءاته يفتح على مرحلة جديدة ضبابية… بدءاً بيوم غد الخميس والجلسة التشريعية التي قد تحمل مفاجآت، الى التطورات المحتمل أن يشهدها البلد في الشهور المقبلة سواء لناحية تدهور الوضع المالي والحديث عن انسحاب وفد صندوق النقد أم الإدعاء المحتمل على حاكم المركزي رياض سلامة، والتي يصبح معها خلاف «التيار»- «حزب الله» تفصيلاً صغيراً يؤثر الطرفان تجاوزه للقفز نحو الأهم من دون أن يعني ذلك أن لا خلاف قد يقع مجدداً فمجرّد تمسّك «حزب الله» بترشيح فرنجية يعني أن التفاهم لا يزال عرضة للإهتزاز، اللّهم إلا إذا إستجدّ تطوّر أو إتفاق مسيحي على مرشح آخر.