كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
“لبنان مثل هيكل عظمي… أكلوا اللحم وتركوا العظم”، جملة تلخّص ما وصلت إليه الأوضاع المعيشية والمالية من انهيار متسارع منذ بدء الأزمة الإقتصادية قبل ثلاث سنوات ونيف، ولم يبق قطاع من قطاعات الدولة إلّا وطالته تداعيات الأزمة السلبية، حتى بات الموظّفون العاملون يترنّحون تحت وطأة الصمود والبقاء على قيد الحياة.
واللافت أنّ تداعيات الأزمة لم تقتصر على الشقّ المالي فقط، بل امتدّت إلى المعنوي عبر استهداف وتشويه صورة الموظّفين في الإدارات العامة الذين التزموا الإضراب الذي دعت إليه “رابطة موظّفي الإدارة العامة”، رفضاً لاستهدافهم وأجهزة الرقابة بهدف النيل من كراماتهم، على خلفية حملة الاتّهامات التي طالت رئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطية.
والإضراب الذي التزم به رؤساء الوحدات الإدارية في محافظة لبنان الجنوبي، كشف عن إرباك واختلاف في المواقف بين مؤيّد لجعله مفتوحاً حتى 27 من الشهر الجاري وبين مؤيّد للإضراب ثلاثة أيام في الأسبوع فقط (الأربعاء والخميس والجمعة)، وهو ما انعكس على تفاوت التجاوب في سراي صيدا الحكومي.
وسجّلت إدارات الأشغال، الاقتصاد، المنطقة التربوية، أمانة السجّل العقاري والمساحة تأييدها بالإقفال التام، فيما عبّرت إدارات التنظيم المدني، العمل، الصناعة، الزراعة، النفوس، المالية ومحافظة الجنوب عن التزامها بالإضراب عبر حضور الموظّفين الى مكاتبهم وامتناعهم عن استقبال معاملات المواطنين، أما تعاونية الموظفين ففتحت كعادتها إفساحاً بالمجال لمساعدة المواطنين وتسيير شؤونهم الصحية.
وفي مصلحة الصحّة، حضر موظّفون وفي مقدّمهم رئيسة طبابة القضاء الدكتورة ريما عبود معتبرة “أنّ تحركنا يجب أن يكون بالإضراب وصولاً إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة ترعى شؤون المواطنين وتخفّف من همومهم وأعبائهم المعيشية والاقتصادية”.
ويطالب موظّفو القطاع العام بزيادة رواتبهم التي تآكلت بما يتلاءم مع أكلاف الحياة، والتي لا تزال تحتسب حتى اللحظة وفق سعر الصرف الرسمي للدولار، أي 1507 ليرات، في حين يفوق السعر الفعلي للدولار مستوى 48000 ليرة وهم لم يتمكّنوا من تحقيق مطالبهم بزيادة مداخيلهم وبدلات النقل والطبابة، ولم يحصلوا حتى اللحظة سوى على مساعدات مالية بلغت ضعفي رواتبهم الأساسية بالإضافة إلى زيادة بدل النقل من 8 آلاف ليرة يومياً إلى 95 ألف ليرة.
توازياً مع الإضراب، صعّد أساتذة التعليم الرسمي في صيدا تحرّكاتهم المطلبية، ونظّموا وقفة احتجاج أمام المنطقة التربوية في محافظة لبنان الجنوبي، رافعين العلم اللبناني ولافتات في مضمونها أنّ “النائب يقبض طول العمر والمتقاعد يجب أن يعيش مقصوف العمر”، فيما أكّدوا في لافتات أخرى بقاء التعليم الثانوي، وأنّ حقوق الأساتذة والمعلمين حصانة للتعليم الرسمي.
وإعتبر الأستاذ الثانوي فادي السبع أعين “أنّ قضيتنا هي من قضية الوطن المسلوب والمنهوب، الذي يعيش فيه الأساتذة بعدما سرقت السلطة رواتبهم ونور مصابحهم ودواءهم وطار تقاعدهم في مهبّ الريح”، وقال “إن انتفض الأستاذ على هذا الواقع تلاحقه العقوبات والمناقلات التأديبية، أليست هذه مهزلة؟”.