كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
أرسل وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل، أمس، رسالة الى إدارة الجمارك يطلب فيها أنه «بدءاً من 17 الجاري سيتمّ استيفاء الضرائب والرسوم الجمركية بكافة أنواعها ومسمّياتها 50 في المئة نقداً بالعملة اللبنانية كحدّ أدنى و50 في المئة بموجب شيك مصرفي بالعملة اللبنانية كحدّ اقصى، مرفقاً بمستند يثبت أن الشيك صدر من حساب صاحب العلاقة».
كان من المفترض بدء العمل بهذا القرار أمس، إلا أن هناك استحالة تطبيقية نظراً الى التداعيات السلبية والخطيرة التي سيتركها هذا القرار أمنياً واقتصادياً، كما أوضح لـ»نداء الوطن» المعنيون بهذا القرار، وهم المستوردون بكافة فئاتهم والتجّار وبالتالي المواطن الذي سيرتدّ عليه سلباً، اذ لن يتمكّن من استخدام بطاقة الإئتمان التي لديه والتي يتواجد فيها حسابات بالليرة اللبنانية (أو بيرة)، أو حسابات يتمّ تنزيلها للمستفيدين من التعميم 158 وهي 2.400 مليون ليرة في حساب غير نقدي أو Non Cash والمستخدم للشراء من المحال التجارية والسوبرماركات التي لن تقبل بعد هذا القرار، الدفع بنسبة 50 في المئة كحد أقصى عبر البطاقات بل سيقتصر على «النقد» فقط.
ووصف عضو مجلس إدارة جمعية الصناعيين ورئيس تجمع الصناعيين في كسروان بول أبي نصر هذا التدبير بالكارثي. وقال لـ»نداء الوطن»: «إن تسديد التجّار والمستوردين الرسوم الجمركية نقداً الى دوائر الدولة يشكّل سابقة في تاريخ لبنان، اذ تسري العادة على التسديد من خلال شيكات».
واعتبر أنه سيكون لهذا القرار تداعيات عدة وهي:
– سيُدخل لبنان في الدائرة الرمادية في Middle East & North Africa Financial Action Task Force (MENAFATF)، وهي هيئة الرقابة العالمية على غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، من خلال النظام الإقتصادي الذي سيتبّع.
– يشجّع على الإقتصاد النقدي.
– سيترتّب على هذا التدبير مشكلات أمنية، ناجمة عن توجّه موظفي الشركات الى دوائر الجمارك وفي حوزتهم كميات من النقد، ما يعرّضهم للخطر وحتى للسرقة ولو داخل دوائر الجمارك.
ويبقى السؤال كيف ستتمكّن إدارة الجمارك من «عدّ» المبالغ الطائلة التي ستردها يومياً وهي بالمليارات؟
وحول محاولة اعتماد هذا الإجراء لـ»لَمّ الليرة الكاش» من السوق بدلاً من استخدام الـ»كاش» لشراء الدولار ومدّ دوائر الدولة بواردات نقدية، قال أبي نصر طالما أن «مصرف لبنان يطبع النقد الوطني لتسديد رواتب القطاع العام سيبقى الفائض بالليرة اللبنانية في السوق، وسينكمش الإقتصاد. اذ لن يقبل أي من تجار التجزئة او المطاعم تقاضي الفواتير عبر بطاقات الإئتمان بعد اليوم».
وأكّد أن «هذا القرار كارثي ولن نقبل به كهيئات إقتصادية وصناعيين وتجّار. وفور علمنا بهذا القرار اتصلنا بوزارة المال ورئيس الوزراء وأبلغناهما رفضنا التام له باعتبار أنها مقاربة خاطئة ويجب التراجع عنها لزوم سير الإقتصاد بشكل طبيعي.
وبدوره وكما سائر الأقطاب المستوردة للمواد الاستهلاكية والألبسة والمواد الغذائية… كان لرئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي رأي رافض لهذا القرار، كما أوضح لـ»نداء الوطن» نظراً الى المشاكل التي ستنتج عن عملية الدفع أبرزها:
1 – وجود مشكلة لوجستية وأمنية: وهي عبارة عن مخاطر أمنية لنقل الأموال من خلال العاملين في المؤسسات، خصوصاً وأن أكبر رقم للعملة الوطنية هي 100 ألف ليرة. والمبالغ المترتبة على الشركات ستكون بالمليارات يومياً وسيتمّ نقلها بالأكياس الى دوائر الجمارك، فضلاً عن مشكلة استيعاب تلك المبالغ في الدوائر. اذ قد تصل في نهاية اليوم الى 300 أو 500 مليار ليرة، فأين ستوضع وكيف سيتمّ نقلها؟
2 – مشكلة في قيمة الحسابات المصرفية: فاذا كانت الدولة ترفض الدفع من خلال الشيكات، وبالتالي اذا كانت المدفوعات ستتمّ نقداً ولا تعترف بالليرة اللبنانية المودعة في المصارف، ندخل في دائرة انحلال تام للإقتصاد اللبناني الرسمي، لأننا نكون قد تحوّلنا الى اقتصاد نقدي بالكامل. وهذا الأمر سيترتب عليه نتائج سلبية.
3 – مشكلة تأمين الكاش بالليرة اللبنانية، لأن المستوردين لا يبيعون في السوق المنتوجات للمواطنين، فستتحوّل الدورة من تسديد المستهلك مشترياته في السوبرماركت نقداً فقط، والى تسديد صاحب السوبرماركت الفواتير الى المستورد نقداً ايضاً، وعدم قبول الشيكات أو زيادة قيمة الفواتير بسبب تراجع قيمة الشيكات وتصبح قيمته بالليرة اللبنانية أقلّ.
وهذا الأمر سيولّد خفضاً لقيمة المدفوعات عبر بطاقات الإئتمان، وعدم إمكانية المواطن تسديد نصف مشترياته بالبطاقة الإئتمانية.
فضلاً عن كلّ ذلك فإن الدولة تحوّل الإقتصاد اللبناني الى نقدي جرّاء زوال الإقتصاد الشرعي المدوّن، ما يؤذي الدولة بحد ذاتها علماً أن المصارف كانت تعتمد على المقاصة بالليرة في دفع الضرائب.
وكردّة فعل مباشرة على هذا القرار تحركت الأقطاب الأقتصادية أمس من هيئات إقتصادية وممثلين عن التجاّر، فمنهم من تواصل مع وزير المال ومنهم من اتصل برئيس حكومة تصريف الأعمال، حتى الجمارك اعترضت على هذا القرار وعلى كيفية التعاطي مع كميّة المبالغ التي ستردهم، ومن سيتحمّل مسؤوليتها، وكيفية حماية أمن الأشخاص والمال العام…
وكنتيجة لتلك الإعتراضات، تمّ التريّث في تطبيق القرار لحين التوصّل الى آلية صحيحة في مقاربة الأمور!.
على صعيد تداعيات قرار دفع الجمارك 50 في المئة نقداً على قطاع الأدوية، فمن المفترض عدم فرض تسديد الرسم الجمركي على عمليات استيرادها، إنما ولغاية اليوم ولحين معالجة وزير الصحة هذه المسألة أوضح رئيس نقابة مستوردي الأدوية في لبنان كريم جبارة لـ»نداء الوطن»، «أنهم يسدّدون «الجمارك» لغاية الساعة». وكان مجلس الوزراء قد أقرّ، في جلسته الأخيرة التي عقدت، إلغاء الرسم الجمركي على الأدوية المستوردة، كي لا تضطر وزارة الصحة الى رفع سعره، لتغطية كلفة الرسم الجمركي وفق سعر 15000 ليرة. إنما حصل سوء تفاهم بطريقة صياغة المرسوم ممّا أدى الى عدم تطبيقه، والمسألة قيد المعالجة اليوم.