كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
وفقاً لمقترح رفعه قائد الجيش العماد جوزاف عون، رفض وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم تأجيل تسريح اللواءين في المجلس العسكري، رئيس الأركان اللواء أمين العرم والمفتش العام في المجلس العسكري اللواء ميلاد إسحاق اللذين يتقاعدان في 24 و25 كانون الأوّل. يصرّ على عدم وجود أي خلفية سياسية لموقفه ويقول إنّه لم يكن يمانع لو أن التمديد أقرّ بقانون في مجلس النواب قاصداً بذلك إقتراح قانون التمديد للقادة العسكريين ومن بينهم مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم واللواء العرم، والذي تمّ رفض طرحه أو مناقشته أمام الهيئة العامة في مجلس النواب لأسباب محض سياسية.
الموضوع ليس جديداً، والتاريخ يسجل سوابق حصلت حيث يقترح قائد الجيش أمراً مماثلاً على وزير الدفاع فيصار إلى تمديد الخدمة وليس تجديدها. كما أنّ التمديد صار عرفاً متّبعاً، على سلبياته، وهو بات أهون الشرور تلافياً لهزّات سياسية متتالية. لكن حسابات الأمس البعيد تختلف عن الحاضر. لم يستسغ رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل طلب قائد الجيش فطلب من وزير الدفاع المحسوب عليه الإمتناع عن توقيع القرار وإلا كان يمكن تمرير الأمر بهدوء خصوصاً أنّ حصوله لا يسجّل سابقة على أي حال. حتى أن المقرّبين لباسيل يعترفون أنّ عدم التمديد سيعزّز موقع قائد الجيش وليس العكس.
لكن وخلافاً لما قاله وزير الدفاع، من الصعب أن يكون رفض التوقيع قانونياً محضاً، وقد بات، ومن المتعارف عليه في لبنان، وجود خلفيات سياسية لأيّ قرار يتخذ، فكيف بالحري حين يكون المعنيان المباشران بهذا القرار خصمين لدودين في السياسة يتبادلان اللكمات السياسية على مسرح الإنتخابات الرئاسية، والمقصود هنا رئيس «التيار الوطني الحر» والعماد عون. عملياً يخدم عدم التمديد للواءين قائد الجيش الذي يصبح قائداً بصلاحيات إستثنائية في المجلس العسكري الذي يرأسه.
يغمز البعض من قناة رفض جوزاف عون قرار التسريح في بداية الأمر، لولا رسالة تلقّاها من رئيس الحزب الإشتراكي وليد جنبلاط عبر صديق مشترك، تلفت نظره الى أنّ عدم التمديد للعرم سيحرم قائد الجيش من أصوات نواب الإشتراكي في حال وصل ترشيحه الى مجلس النواب. وفي ميزان الحسابات السياسية والرئاسية، أنّ عون زان الموضوع فوجد الأنسب سحب الملف والتخلّص من عبئه ورميه في ملعب وزير الدفاع وهو يعلم ضمناً أنّ أمراً كهذا لن يمرّره باسيل بسهولة خاصة أنّ قائد الجيش يرفض بالمطلق مفاتحة باسيل بالأمر والعلاقة بينهما جامدة ومقطوعة منذ أن كان ميشال عون لا يزال في قصر بعبدا.
وفي إصرار الإشتراكي على التمديد للعرم حساباته المستقبلية لناحيتين، ولذا تقدّم نوابه باقتراح قانون في مجلس النواب بإرجاء تسريحه واللواء إبراهيم. في ذهنه أنّ صلاحيات قائد الجيش ستجيّر إلى العرم متى انتخب جوزاف عون رئيساً، أو انتهت ولايته وبلغ سن التقاعد في تشرين الأول المقبل. ولكن التمديد المطروح حالياً يختلف عن إرجاء التسريح لعامين لكونه لن يتعدى الأشهر الثلاثة وهو ما يعدّ ترحيلاً للمشكلة وليس حلّها.
وإذا كانت التسوية لبلوغ اللواء إبراهيم سن التقاعد قد سوّيت بموافقة الثنائي الشيعي على تسلّم العميد الياس البيسري المهام بالوكالة متى بلغ اللواء إبراهيم سن التقاعد، فإن جنبلاط لا يقبل بتسريح رئيس الأركان المحسوب عليه سياسياً والذي لا يوجد من يشغل مكانه في التراتبية العسكرية.
هي إذا حسابات متداخلة بين جوزاف عون وجبران باسيل والمتعلّقة حكماً بملف إنتخابات رئاسة الجمهورية. تؤكد مصادر مطلعة على الملف عن قرب أن باسيل يرفض منح أي إمتياز لقائد الجيش وهو لا يعير إهتماماً لصلاحيات ستجيّر لقائد الجيش الذي سيبلغ السن القانونية بعد أقل من سنة وفي مجلس لا عمل يؤديه ولا مسؤوليات في الوقت الحاضر.
المشكلة أن هذين الموقعين لا يمكن شغلهما بالإنابة والمشكلة الأهم والأكثر صعوبة هي أن البلد بات يعيش على الترقيع سواء في الصلاحيات أو توزيع المهام في ظل الفراغ الرئاسي وحكومة تصريف الأعمال. يبني البعض على تجربة سابقة حصلت في عهد الحكومة الإنتقالية برئاسة ميشال عون عام 1982 ليقول إن ثلاثة من المجلس العسكري الذي كان يمثل الحكومة تقدموا باستقالاتهم ولم يتأثر عون واستمر في ولايته وقاد حروباً، فهل تمت مقاربة الفراغ اليوم من هذه الزاوية أم أن المطلوب أن يبلغ الإهتراء المؤسسة العسكرية أسوة بباقي المؤسسات إن لم يكن قد بلغها بعد؟ وبالإضافة الى ذلك هل يعني الفراغ في المجلس العسكري منح صلاحيات إستثنائية الى قائد الجيش؟ وهل يحتاج ذلك الى قرار من مجلس الوزراء؟ وهل تكون تلك ذريعة لمنح رئيس حكومة تصريف الأعمال أسباباً إضافية لعقد جلسة لحكومته عمّا قريب؟