كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
تتوالى التحديات التي يواجهها لبنان جرّاء استئثار قوى الثامن من آذار بكلمة السرّ الرئاسيّة، وإطالة أمد الشغور في المؤسسات الدستورية، ما يفتح الباب مجدداً على أمر واقعٍ جديد يحتّم على رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي، دعوة مجلس الوزراء إلى الإنعقاد، إستجابةً للتحديات المالية والمعيشية والصحيّة الداهمة المرتبطة بصحة المواطنين ونقل الإعتمادات الماليّة تحديداً… ما من شأنه أن يجدد «الكباش» السياسي بينّ «التيار الوطني الحر» وحلفائه في قوى 8 آذار الذين يشكلون أغلبية أعضاء الحكومة.
وإن كانت «الضرورات تبيح المحظورات» وفق بعض القوى السياسيّة التي تعتبر الدستور وجهة نظر، تتوقف عنده كما تنقلب عليه وفق مصالحها الضيقة، فإنّ تولي حكومة مستقيلة تسيير الأعمال وسط شغور موقع رئاسة الجمهورية يعدّ سابقة، تختلف بشكل جذري عن الحكومات السابقة الكاملة المواصفات الدستورية، التي انتقلت إليها مهام الرئاسة الأولى، أكان تلك التي ترأسها الرئيس فؤاد السنيورة، بعد انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود، أو حكومة الرئيس تمام سلام التي أدارت الشغور لما يقارب السنتين وأربعة أشهر، منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان إلى حين انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في العام 2016.
وخلال تلك الفترة، تحوّل كلّ وزيرٍ بتوقيعه إلى «رئيسٍ للجمهورية». وهذا ما يرفض تكراره رئيس مجلس النواب نبيه بري مع الحكومة العتيدة، لا سيما وأن قرار عدد كبير من الوزراء، يعود بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي أعلن في أكثر من مناسبة رفضه دعوة حكومة تصريف الأعمال إلى الإنعقاد. وقد جهد باسيل في «تحريض» عدد من الوزراء على مقاطعة جلسات الحكومة في حال قرر ميقاتي فعلها. ويبدو أنّه بصدد الدعوة لجلسة قريبة. وهذا ما يفتح باب النقاش حول دستورية الجلسة، وطبيعة النصاب القانوني لذلك، كما آلية إتخاذ القرار في حال امتناع الوزراء المقربين من «التيار الوطني الحر» عن المشاركة في هذه الجلسات، وفي ضوء القرار الذي اتخذه مجلس النواب بعد مناقشة رسالة الرئيس السابق ميشال عون.
لا قرار بعد
وفي الغضون، أوضح مصدر رسمي لـ»نداء الوطن»، أن قرار دعوة مجلس الوزراء إلى الإنعقاد لم يتخذ بعد، قبل البحث في مواقف الوزراء من تلبية الدعوة أو عدمها، مشيراً إلى أنّ إنعقاد مجلس الوزراء يتطلب نصاباً عادياً، كما القرارات التي سيتم اتخاذها من دون الحاجة إلى إجماع الوزراء.
ورأت الأوساط نفسها في اعتبار أنّ الدعوة إلى جلسة إستثنائية تتم بالإتفاق ما بين رئيسي الجمهورية والحكومة، «تذاكياً» على النص الدستوري الذي يشير إلى «الدعوة الإستثنائيّة» وليس إلى «جلسة إستثنائية»، مشدداً في السياق نفسه على أنّ جلسات إنعقاد مجلس الوزراء لا تندرج في خانة الإستثنائية من عدمها، مؤكداً على دور رئيس الحكومة في الدعوة إلى انعقاد مجلس الوزراء، على أن يعود لرئيس الجمهورية في الأوضاع الإستثنائية الإتفاق مع رئيس الحكومة لتوجيه دعوة إستثنائية للمجلس للإنعقاد، على أن تكون الدعوة إستثنائية نظراً لمشاركة رئيس الجمهورية في توجيهها وليس الجلسة إستثنائية.
وفي هذا السياق، يشير الخبير الدستوري الدكتور سعيد مالك، إلى أنّ الحكومة تعتبر مستقيلة وتصرّف الأعمال بالمعنى الضيّق عملاً بالفقرة 2 من المادة 64 من الدستور، ما يؤكد عدم قدرتها على الإجتماع بشكل دوري وممارسة صلاحياتها بشكل مطلق، شاملٍ وكاملٍ، مشدداً في الوقت نفسه على وجوب إجتماع مجلس الوزراء في حال اقتضت «الأوضاع الإستثنائية» ذلك، من أجل تقديم الحلول المطلوبة للمشاكل العالقة.
وإذ رأى أن إجتماع مجلس الوزراء رهن الحاجة التي قد تطرأ على البلاد أو العباد، إعتبر أنه من غير الممكن وصف ترقية الضبّاط بالأمر الطارئ والملح الذي يستدعي إجتماع مجلس الوزراء لحكومة مستقيلة، واضعاً صرف الإعتمادات المرتبطة بالأمور الصحيّة وتأمين أدوية الأمراض المستعصيّة، في إطار الأمور الملحّة والطارئة التي تتطلب انعقاد مجلس الوزراء بجدول أعمال محصور فقط بالقضايا الطارئة حصراً.
وعن النصاب المطلوب لإنعقاد الجلسة وآلية إتخاذ القرار داخلها، لفت إلى أن إجتماع الحكومة يعتبر قانونياً بحضور ثلثي أعضائها، سنداً لأحكام المادة 65، في حين تتخذ القرارات بالتوافق او بالتصويت بالأكثرية العادية للقضايا العادية، وأكثرية الثلثين للقضايا الـ14 الأساسيّة والمصيريّة (المنصوص عنها في الفقرة 5 من المادة 65). وأوضح مالك، أن إعتماد الحكومات السابقة أكان تلك التي ترأسها السنيورة أو سلام على وجوب موافقة كافة الوزراء، يُعدّ مخالفاً لأحكام الدستور، نظراً لأنّ صلاحيات رئيس الجمهورية وعملاً بأحكام المادة 62 من الدستور تنتقل إلى مجلس الوزراء كمؤسسة ولا الى مجلس الوزراء كأفراد.
وفي سياق متصل، رأى الخبير الدستوري الدكتور عادل يميّن أنّ رغبة ميقاتي في الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس وزراء في غير محلها ومكانها، لأنّه لم يسبق لمجلس الوزراء أن انعقد في ظل حكومة مستقيلة وغياب رئيس الجمهورية. وأوضح أن الإجتماع الذي يعقده مجلس الوزراء في ظل حكومة «معتبرة» مستقيلة، هو اجتماع ذو طبيعة إستثنائية، لافتأً إلى أنّ أحكام الفقرة 12 من المادة 53 من الدستور تشير إلى أنّ الإجتماعات الإستثنائية لمجلس الوزراء، تتم عبر رئيس الجمهورية بالإتفاق مع رئيس الحكومة، ما يحتّم عدم تفرّد رئيس الحكومة بهذا الأمر لوحده. وأشار إلى عدم وجود مرجع مختص من أجل توجيه الدعوة إلى اجتماعٍ إستثنائيٍّ لمجلس الوزراء، وسط الشغور في سدة الرئاسة، ما يحتّم عدم إنعقاد مجلس الوزراء في ظل الحكومة الحاضرة المعتبرة مستقيلة. وتوقف يميّن عند موقف مجلس النواب في ردّه على رسالة الرئيس عون، بحيث أكّد أنّ مجلس الوزراء لا يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية في الوكالة في ظل حكومة تصريف أعمال. ولفت إلى أنّه على الرغم من تحفّظه على ما ورد في ردّ مجلس النواب، بحيث أشار إلى أنّ اجتماع مجلس الوزراء عند الضرورة القصوى يجب أن يتم بموافقة جميع مكونات الحكومة، رأى يمين في هذا الردّ كأنه أريد أن يكون هذا الإجماع بديلاً عن عدم دستورية الدعوة والإنعقاد في ظل الشغور في سدة الرئاسة، وفي ظل حكومة تصريف أعمال. وهذا ما قد يدفع أيّاً من الوزراء إلى تعطيل إنعقاد مجلس الوزراء.
إلى ذلك، أكّد الوزير رمزي مشرفيّة لـ»نداء الوطن» وجود عدّة ملاحظات على أداء رئيس الحكومة والتي قد تدفعه إلى تعليق مشاركته في مجلس الوزراء إلى حين تصويب الأمور العالقة مع الرئيس نجيب ميقاتي.